الأربعاء، ١٧ أكتوبر ٢٠١٢

"احنا" التي يبحثون عنها في الدستور

يبدو من الجدل الدائر الآن حول ما يتم الكشف عنه من نتاج عمل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور – مع ربط ذلك الجدل بمسار الثورة منذ اندلاعها وحتى الآن – أننا نعاني من أزمة هوية. وعلى ما يبدو فإن تلك الأزمة ضاربة في جذور مجتمعنا إلى الحد الذي لا يمكن معه ادّعاء أن مجرد الرغبة في تجاوزها تكفي لتحقيق ذلك التجاوز، بل إن الطريق لتجاوزها هو الاشتباك معها ومحاولة فهمها ليس كقضية نظرية مستقلة بذاتها تعمل في الفراغ بل كإشكالية تتخلّق من تفاعل غيرها من القضايا في واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي. فرغم أن كثير من المفكرين يقولون بأن الهوية ليست إلا وهما، إلا أنها أكثر الأوهام حقيقة، بل قد تصل إلى أن تكون أكثر حقيقية من الحياة ذاتها فهي لكثير من البشر علّة الوجود ومصدر المعيارية، وفي سبيلها ضحوا بحياتهم في حروب كانت في كثير من الأحيان تقوم لأسباب مختلفة. لذلك فمن التبسيط أن نتصور أن الهوية ليست إلا وهما لا حقيقة فيه.

أول ما يتبادر إلى الذهن حين التعرّض لسؤال الهوية أن المقصود هي الهوية القومية، أي وعي جماعة من الناس بموقعهم من التاريخ والجغرافيا وبالتالي حركة تلك الجماعة في العالم انطلاقا من ذلك الوعي. غير أن التفاعل الحقيقي مع سؤال الهوية يكون بمحاولة استكشاف طبقات أكثر عمقا يتجلى فيها مفهوم الهوية على الفرد والمجتمع. ومثل أن هوياتنا القومية الحديثة تشكّلت في خضم مشروع الحداثة الذي رغم تعدد مدخلاته ظلت اليد الطولى فيه للهيمنة الكولونيالية الغربية، فإن هويّاتنا داخل المجتمع في تلك الفترة تشكّلت تحت سطوة هيمنة أصحاب النفوذ في نظام تخلّت فيه الدولة عن أدوارها الواحد تلو الآخر حتى سلّمت نفسها تماما لأصحاب النفوذ في المجتمع المهيمنين على شبكات المصالح في النظام يسوقونها حيث أرادوا، ولأن الإنسان لا يولد ولديه ذلك الوعي الذاتي بهويته، بل يتشكّل وعيه بهويته في إطار تفاعله داخل المجتمع، لذلك فمن البديهي أن يتأثر وعينا بذواتنا بطبيعة العلاقات المجتمعية في ذلك النظام الذي كان لقلّة من أصحاب النفوذ والسيطرة اليد الطولى في صياغة فلسفته وتفعيلها.

لأن فلسفة النظام تحوّلت من الحشد الجماهيري على الشعارات القومية بهدف توجيه وإدارة الحيز العام، إلى خصخصة الحيز العام كان لذلك التحول تأثير على شكل العلاقات المجتمعية وبالتالي على وعينا بهويّاتنا. فلا يمكن لسياسات النيوليبرالية وفي القلب منها الخصخصة أن تقتصر على الاقتصاد، بل لابد أن تتسرب إلى المجتمع لتفتته وتخلق في مساحاته العامة تصدّعات وشروخ ينفذ منها أصحاب النفوذ ليشملوا بنفوذهم الحيز العام ويحوّلوه إلى مجموعة من المساحات الخاصة، فيتحول بذلك المجتمع إلى مجموعة من الأفراد. ليس ذلك فحسب، بل إن النظام يتسرّب إلى عقولنا ليكمل مهمته ويخلق لكل منا أوهاما بعضها فوق بعض ويدفعنا للتمترس خلفها كهوياتنا الفردية التي ننظر من خلالها لباقي البشر على أنهم "آخر" نتعامل معه اضطرارا على خلفية تعاقدية أو نتسامح معه اتقاء لشرّه، وربما في هذا الإطار نستطيع أن نفهم توجه أصحاب النوايا الطيبة من سكان "المجتمعات المغلقة Gated Compounds" للفقراء بالإحسان خوفا من ثورة الجياع، وهم يظنون أنهم يقومون بواجبهم تجاه المجتمع غير أنهم في حقيقة الأمر يقومون بواجبهم تجاه النظام.

ورغم أن "المصالح بتتصالح" ورأينا أن من رجال الأعمال الملتفين حول الرئيس مرسي المصاحبين له في رحلاته الخارجية من هم سبق وأن التفوا حول مبارك من قبل. ورغم أن الثورة حتى الآن لم تنجح في خلق هيمنة مضادة تحل محل هيمنة أصحاب النفوذ في النظام القديم بتعبير المفكر الماركسي أنطونيو جرامشي، إلا أننا نستطيع أن نجد بعض من يقتربون من الفكر الثوري بشكل أو بآخر أو بعض من ليس لهم صلة مباشرة بأصحاب النفوذ القدامى أعضاء في الجمعية التأسيسية. وربما يكون ذلك هو ما عطّل إنجاز الجمعية لمهمتها، وربما يكون ذلك السبب أيضا في دفع سؤال الهوية إلى الجمعية التأسيسية والذي نلحظه في الهوس بحماية تصور ما عن هوية الدولة. ورغم أن الدستور في نهاية الأمر لا يعدو كونه مجموعة من الأوراق التي لا تكفل حقا ولا تمنع جورا، فالدستور المصري لم يكفل حق الثورة الشعب ولم يبح التعذيب للشرطة إلا أن فهم الديناميكيات المصاحبة لآلية إنتاجه يساعدنا بشكل ما على تطوير فهمنا لبعض جوانب المجتمع.

غير أن الدستور الحقيقي هو الذي لا يُكتب، بل يخلقه الناس ويحيونه بإعادة امتلاك الحيز العام وكسر احتكار أصحاب النفوذ له، وإعادة صياغات العلاقات لتكون أكثر إنسانية نعرف فيها بعضنا البعض ونكتشف فيها مساحة المشترك، فنعرف "أنا" و"هو" في إطار الـ"نحن". ولنذكر نصيحة حسن أرابيسك لنا حين قال: "إنما المهم، المهم أوي، نعرف احنا مين وأصلنا ايه. ساعة ما نعرف احنا مين، هنعرف احنا عايزين ايه ونبدأ ونتَكّل على الله" .. "احنا" وليس "أنا"



باسم زكريا السمرجي

الخميس، ١١ أكتوبر ٢٠١٢

عايزين تنفيضة

بالأمس صدرت أحكام بتبرئة متهمي موقعة الجمل، ورغم انفعالي بالجو العام الذي يغلب عليه الحزن وخيبة الأمل إلا أن انفعالي الشخصي كان على العكس من ذلك. فما حدث بالأمس هو هدم صارخ وصريح لأسطورة إمكانية تحقيق الانعتاق في الإطار المؤسسي القائم، تلك الأسطورة التي كانت آخذة في التوغل والسيطرة على إدراكنا وكانت تكاد تقودنا إلى التكلّس الفكري والحركي والوظيفي، فكنّا نقترب من أن يتموضع كل منّا في زاوية ما – من الصورة الأكبر – يرسم حدودها ويستمد من احتلاله لها شرعية وجوده كمكوّن من مكونات تلك الصورة الأكبر، وكانت الصورة الأكبر آخذة في ترسيخ نفسها ترسيخا عصيا على التغيير يدعم تمترس مكوناتها في زاويته الأصغر.

فجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تبني شرعية وجودها على ظلم مبارك لها، ظلت تبني شرعيتها على مواجهة فلول الحزب الوطني في الانتخابات، ثم إزاحة العسكر، ثم ظلم الإعلام، ثم ظلم المزايدين من النخب السياسية والعلمانيين أعداء الوطن والدين كارهي الرئيس مرسي المؤيد من رب العالمين. فهم حتى بعد أن وصلوا إلى السلطة على المظلومية قائمون، يستمدون شرعيتهم من مواجهة "غول" ما.

ومعارضة الإخوان انقسمت لثلاثة أقسام. المعارضة "البنّاءة" وهي تلك المعارضة التي تسعى لتقويم المسار بدافع الحفاظ على مصلحة الوطن والنظام العام وهي معارضة "محايدة" تستمد شرعيتها من كونها "صوت العقل" عند الإخوان وعند الجمهور فنجد مثلا من يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية ثم ينتقد "بمنتهى الأدب" قرارات وتوجهات الرئيس عبر حسابه على تويتر !!. وهناك المعارضة "الشعاراتية" التي ترفع شعارات التنوير والحرية والدولة المدنية في مواجهة حكم الإسلاميين الرجعيين الظلاميين المتخلفين، وهم يستمدون شرعيتهم عند الجمهور من اللعب على وتر الفزع، خاصة وأن بذور الفزع مزروعة لدى قطاعات كثيرة واسعة من المجتمع المصري، فتجد هذه المعارضة مثلا تقيم الدنيا ولا تقعدها عند أي ظهور لعبود الزمر "الإرهابي" ويصمتون عن عن عشر سنوات قضّاها ظلما في السجن بعد أن كان قضى مدته، فهي ليست معارضة مبادئية متسقة مع نفسها بل معارضة شعاراتية ديماجوجية تخاطب في كثير من الأحيان قطاعات معينة من المجتمع. أما المعارضة الثورية فهي الوحيدة التي لا تستمد شرعيتها من مواجهة طرف ما، فهي تواجه السلطة أيا كان من يحتلها ومن تلك المواجهة واستعدادها للتضحية في سبيل مشروع الانعتاق تستمد شرعيتها.

الأزمة أننا كنا نقترب من الوصول إلى القناعة بأن تلك التركيبة هي التركيبة الأمثل لكل الفئات. فالإخوان يحكمون "بعذر"، والمعارضة البناءة تعارض "بعقل"، والمعارضة الشعاراتية تعارض "بعنف"، والمعارضة الثورية تضحي "بصدق". فصار كل منا يبذل الوسع في أن يجري في المكان بكل جدية ومثابرة، صار لكل منا دور يجتهد في أن يؤديه ببراعة حتى يحافظ على وجوده في تلك المسرحية العبثية التي تنتهي من حيث تبدأ كل ليلة. كنا بحاجة إلى "تنفيضة"، هزّة عنيفة تدفع كل منا للخروج عن النص، لمحاولة تغيير المسار الذي يجري عليه ليربك المشهد ويغير الصورة الكبرى. بالطبع لم نكن بحاجة إلى لعبة كراسي موسيقية نبدّل فيها الأدوار، بل كنا بحاجة إلى أن يتحدّى كل منّا حدود دوره، فيحكم الإخوان بحق (وقد كنت أتمنى أن يأتي خيرت الشاطر رئيسا للوزراء وأن نرى مشروع النهضة بحق) وتطوّر المعارضة الشعاراتية شعاراتها إلى برامج وتنظيمات وأحزاب، وأن يوجّه الثوار تضحياتهم إلى مكانها الصحيح، إلى العدو الحقيقي، إلى الدولة. لم أذكر المعارضة البناءة/المؤدبة/الأليفة فهؤلاء سيدور الكون وسيتغير كل شيء وسيظلّون مقيمين على ما يفعلون، فهم مثقفوا الدولة "أصحاب الضمائر" !!!!!!

كنا نحتاج إلى "تنفيضة" تدفع كل منّا لاختبار حدود دوره وتجاوزها لإرباك المشهد العام، فهل تكون موقعة الجمل هي تلك التنفيضة، كما كانت قبل ذلك هي العلامة الفارقة في مسار إسقاط مبارك؟!


باسم زكريا السمرجي
11/10/2012

الاثنين، ٨ أكتوبر ٢٠١٢

عن "نجوم المايكات" .. والدولة .. والإخوان


استضافت قناة "أون تي في لايف" على شاشتها في رمضان الماضي أوكا – أورتيجا – سوستة – شعوذة – وزة – شحتة كاريكا وهم مجموعة "فريق الـ8%" من نجوم "المهرجانات". والمهرجانات هو لون من ألوان الغناء الشعبي يشبه "الهيب هوب"، وتمتزج فيه إيقاعات الراب والهيب هوب بكلمات في كثير من الأحيان تكون "غير مناسبة"، وهو اللون السائد في أوساط سائقي التوكتوك الآن.

ما أثارني في هذه الحلقة التليفزيونية التي امتدت لنصف ساعة هو العلاقة بين هؤلاء الشباب ممثلين لفئة من المجتمع خارجة عن المألوف والمناسب، وبين "المؤسسة" – وأقصد بالمؤسسة هنا التفكير السائد في المجتمع – مُمثلة في القناة وبالذات في شخصية المذيعة التي لا أعرف اسمها مع الأسف. حتى نستطيع أن نرى تلك العلاقة، لابد أن نعود بالخيال إلى الوراء قليلا لنتصور أن قناة تليفزيونية دعت هؤلاء الشباب لكي يكونوا ضيوفها في إحدى برامج رمضان. أتصور أنهم حينها كانوا سيحرصون على التأنق، وسيحرصون على اختيار ألفاظهم وأسلوب حديثهم حتى يكون متماشيا مع "الذوق العام" ويكون أكثر اتساقا مع المؤسسة. غير أن ما حدث في تلك الحلقة المشار إليها كان العكس تماما، فهم لم "يعدّلوا" لا هندامهم ولا طريقتهم في الحديث، بل إن المذيعة صارت تحاول تقليدهم، فصارت المؤسسة هي التي تحاول أن تتمثّل هؤلاء الخارجين عنها وليس العكس ! وهكذا فإن إنتاج ثقافة وهوية خارج المؤسسة لم يعد فقط ممكنا، بل صارت لتلك الثقافة وتلك الهوية القدرة على إخضاع المؤسسة لها. ولكن لا أريد أن يبدو الأمر وكأن في هذا النوع من الفن الخلاص الأكيد من المؤسسة فقد شاهدنا بعض الحالات تستطيع فيها المؤسسة التلاعب بمثل تلك المحاولات الخارجة عنها وتدجينها، كما حدث مع بعض الفرق الأخرى التي تقوم بأداء المهرجانات أيضا حيث قاموا بأداء بعض المهرجانات في مسلسلات رمضان واضطروا لتغيير بعض الكلمات "غير المناسبة" ليستطيعوا الظهور على شاشة التليفزيون.

وبالانتقال من "نجوم المايكات" إلى المشهد السياسي والمجتمعي الأوسع، نجد أن إنتاج سرديات خارج المؤسسة ليس فقط بالأمر الممكن بل بات أمرا ضروريا. فالنمط الاجتماعي الاقتصادي الذي نحياه والذي يتسم بالعشوائية الشديدة حيث أن السلعة الرئيسية فيه – المعلومات – لا يتطلّب إنتاجها أي قدر من المركزية، وبالتالي صارت المعلومات – بشكل ما – متاحة للجميع فأصبح من المستحيل على الدولة أن تتحكم في نوع وكم المعلومات التي يستطيع أن يصل إليها المجتمع بالقدر الذي يمكّنها من إنتاج سرديّتها كسرديّة وحيدة تخضع بها المواطنين عن طريق التلاعب بالعقول بدلا من الجلد بالسياط، والدولة المصرية خير دليل على ذلك، فلم يكن اختزال أدوارها في الدور القمعي إلا لعجزها عن إنتاج سردية تكفيها تكلفة ذلك القمع.

وبالتالي، فإن معركة الدولة بانتخاباتها بدستورها لا تشغلني، ولا أعتبر فوز جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية أو قدرتها على فرض أجندتها في كتابة الدستور انتصارا. فأقصى ما يمكن أن تفعله بالدولة المصرية أن (تبوسها وتحطها جنب الحيط علشان ماحدش يدوس عليها). لكن ما أخشاه، أن تنجرف التيارات الراديكالية المعارضة للإخوان لنفس المعركة الوهمية، وتستنفذ الوقت والجهد فيها فتكون أقصى أمانيها هزيمة الإخوان في البرلمان ! ... نحتاج قليلا من الخيال




رابط الحلقة المشار إليها http://www.youtube.com/watch?v=wpmrJuMc0gM




باسم زكريا السمرجي
8/10/2012

الاثنين، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٢

ما تيجو نلعب ثورة .. عن إضراب الجامعة الأمريكية

مبدئيا: أعتذر مسبقا عن ركاكة التدوينة دي لأنها موجهّة لشوية عيال عندهم مشاكل في الآي كيو أصلا، فهاحاول اكلمهم على قد عقلهم (إن وُجد)

علاقتي بالجامعة الأمريكية كمؤسسة بدأت في شهر فبراير 2012 حين بدأت دراستي للماجستير في العلوم السياسية فيها بمنحة، ومن الطبيعي جدا إني أكون منتمي لسياق اجتماعي واقتصادي مختلف عن السياق الاجتماعي والاقتصادي اللي بينتمي له أغلب أعضاء مجتمع الجامعة الأمريكية، وبالتالي فشعور الغربة هو المسيطر عليّ طوال تواجدي في الجامعة، وهي مش غربة "الفلاح القروي اللي بهرته أضواء المدينة"  إنما غربة الإنسان اللي من لحم ودم اللي بيتجوّل في متحف الشمع، حيث البشر ليس لهم من صفات البشر غير لامؤاخذة الشاسيه ... طبعا ده حكم عام مش معناه إنه بينطبق على كل فرد ينتمي لهذا المجتمع، بالعكس أقرب الناس لي واللي اتعلمت منهم الكثير هم بالصدفة أعضاء في هذا المجتمع مثل أمي د. رباب المهدي وأخويا الكبير سيف أبو زيد (اللي كان رئيس اتحاد طلبة الجامعة الأمريكية في العام 2006).. وغيرهم إخوة وأصدقاء أعزاء من الطلبة والخريجين والأساتذة. 

يتبع إحساسي بالغربة عن المجتمع ده بالطبع عدم اكتراثي "بنضالاتهم" المدّعاة بل كمان كنت شايف إن احتفاظ المجتمع ده بوضعه الاجتماعي والاقتصادي محصّن لم يُمس دليل على إن الثورة لسة قدّامها كتير أوي ! واكتشفت إن عجلة الإنتاج (شغّالة أو واقفة) مابتطحنش إلا الغلابة اللي النضالات الحقيقية - في ساحات أكل العيش - هي بالنسبة لهم الطريقة الوحيدة لبقائهم على قيد الحياة أصلا، مش مجرد حكايات يروحوا يحكوها لاصحابهم ع القهوة أوفي مركز الشباب بالليل (معلش أصل الناس بتوع النضالات الحقيقية دول مابيقعدوش على "كافيهات" وغالبا مابيبقوش مشتركين في نوادي). وبالتالي كنت شايف إن الإضراب أو الاعتصام اللي عاملينه علشان موضوع زيادة ال7% ده واللي شغال بقاله أسبوعين ده لا يعنيني أصلا، وإن كان ع الدراسة فأديني قاعد في البيت اقرا وخلاص، لحد ما حصل اللي حصل امبارح. 

قبل امبارح كنت شايف إن العيال دول زي أي عيال متدلعة دلع ماسخ فرحانين بلعبة being radical وقاعدين يلعبوا ثورة بقى ويرددوا شعارات الثورة في ابتذال يفقع "المرارة" (هنمشّيها المرارة معلش علشان أنا ليا حد أدنى في الركاكة برضه !) وطبعا الدلع الماسخ لما زاد عن حده، بقى واضح جدا إن العيال دول مش بس هيؤذوا نفسهم  إنما هيضروا بالحركة الطلابية كلها، لدرجة والله إنهم صعبوا عليا وكلمت د. رباب اقول لها لو تقدر تعمل حاجة هي وباقي أعضاء هيئة التدريس اللي ساهموا في إثراء تلك الحركة الطلابية (ده قبل ما اعرف إنها وباقي أعضاء هيئة التدريس النشطاء كانوا في قلب الموضوع أصلا) وكنت أظن إن لما الكبار يروحوا للعيال دول يكلموهم العيال هيكبروا لهم ويكبّروهم لكنهم للأسف طلعوا أصغر وأحط أحطّ من إنهم يفهموا الأخلاق دي وبقى ينطبق عليهم المثل الشعبي اللي بيقول كلام مينفعش يتقال ع النت لكن معناه إن صحبة مش عارف مين كده تبليك واللي فيها تجيبه فيك وده بالظبط اللي حصل امبارح من العيال اللي هم "مش عارف مين كده" واللي نقدّر نلخصه بإن العيال الأمامير قرروا يغيّروا لعبة being radical  لأن واضح إن حكاياتها بقت مملة واصحابهم في النادي زهقوا منها فقرروا يلعبوا لعبة being rude  ويعملوا شوية أكشن، فتعدّوا على أساتذتهم، اللي هم مش أساتذة عاديين لأ إنما الأساتذة اللي أصلا ساندوا الحركة الطلابية في الجامعة من زمان وكان ليهم مجهودات مشهودة في ده. مش بس كده، دول كمان تعدّوا بالضرب والتلفيق والإهانة على أ. طارق مغربي وأ. وليد شبل الموظفين في الجامعة. وهنا بقى الموضوع قلب من ادعاء ثورية لبلطجة وقلة أدب و افترا طبقي (خاصة في حالة أ. طارق وأ. وليد)، وانا مايؤذينيش إلا الافترا خاصة لو على خلفية طبقية لأنه بتبقى أسبابه بنيوية أكبر من قوة الأفراد، لذلك فالموضوع قلب معايا بتار شخصي، وأنا مستعد لأي مساعدة يطلبها مني أ. طارق وأ. وليد علشان ياخدوا حقهم، أي مساعدة بمعنى أي مساعدة يعني !

أما العيال ولاد "مش عارف مين كده" دول فعايز اقول لهم إن الافترا اللي مش طبقي بيوجع أوي على فكرة



24/9/2012

الخميس، ٩ أغسطس ٢٠١٢

"الألماني" .. صناعة نظام


"الألماني" هو اسم الفيلم، الذي ما أن انتهيت من مشاهدته والسؤال المركزي الذي يشغل عقلي، هل كان "شاهين الألماني" – الشخصية التي تدور حولها أحداث الفيلم – مجرما يهدد المجتمع وعلى المجتمع أن يتوجه له إما بالإصلاح أو البتر إن لم ينصلح؟ أم أن الألماني لم يفعل إلا ما يتوجب عليه فعله؟

بداية، لاحظت في الفترة الماضية كثرة تناول الأفلام والمسلسلات للطبقات المهمشة، وانتشار لغة تلك الطبقات وحتى إنتاجهم من غناء شعبي – بالذات ما يعرف بأغاني "المهرجان" – بين أبناء الطبقات الأعلى، الذين صاروا ينظرون لأبناء تلك الطبقات المهمشة على أنهم "القرد أبو صديري" المدهش الذي يمارس دوره في التسلية، أو على أفضل تقدير صار التعامل مع أبناء تلك الطبقات وكأنهم موضوع للدراسة ليسوا بشرا، والأسوأ أن سلوك تلك الطبقة يتم التعامل معه على أنه "ظاهرة" مستقلة – يجب علاجها – ليس على أنه إحدى تجليات النظام ككل.

نعود "للألماني"، لنجد أن أمه تلخص الحكاية في ردّها على هجوم مذيعة تليفزيونية عليها وعلى ابنها حيث قالت ما معناه: "إذن من أين يأكل؟ يعمل خادما لديكم أليس كذلك؟ أنتم تركبون السيارات وتعيشون وهو يخدمكم! ألم يسأل أحد فيكم لماذا صار "الألماني" على ما صار عليه؟! " تتجلى في تلك العبارة أزمة التهميش التي يعاني منها أبناء الطبقات الفقيرة، سكان العشوائيات. فالنظام المتحكم فيه الطبقات الأعلى والذي تفرض فيه – لأسباب يطول شرحها – الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة بالذات هيمنتها عن طريق تسييد معايير "أخلاقية" لما هو صحيح وما هو خطأ، نجد أن ذلك النظام لا يعترف بأهلية من لا تنبطق عليه تلك المعايير "الأخلاقية". ووصف تلك المعايير بالأخلاقية يفترض مسبقا حيادها عن المصالح وهذا أمر يسهل اكتشاف زيفه، حيث أن تناول تلك المعايير بالتحليل يكشف لنا أنها لم تأتِ إلا لشرعنة هيمنة طبقات ما على النظام، ويتجلى ذلك في وصف أبناء الطبقات المهمشة بأن شكلهم "غلط" بدلا من أن الاكتفاء بوصفهم بأن شكلهم "مختلف" فافتراض أن شكلا ما "غلط" يستوجب افتراض أن شكلا آخر "صح" يجب على الكل أن يسعى للتشبه به وإن لم يستطع فليعلم أن ذلك لدنو في نفسه وعليه أن يرضى إذن بمكانه الأدنى من هؤلاء الذين "شكلهم صح"

هكذا ينظر المجتمع "للألماني" وهكذا يعلمه أن ينظر لنفسه. ولكن بدلا من أن نخضع لهيمنة النموذج الأخلاقي السائد في المجتمع فلنحاول أن ننظر إلى العالم بعيني "الألماني"، الذي نشأ طفلا في طبقة يعاني أفرادها العوز والحاجة التي تضطرهم إلى أن "يأكل بعضهم بعضا" بحسب وصف أمه، فتشكّل في إدراك الألماني أن الناس إما ضحية وإما جانٍ، لا وسط بينهما فأنت إن لم تستطع أن تكون من الجناة لن يتركك الناس لحالك وستتحول إلى ضحية، وأن الضحايا هم هؤلاء الفشلة الأغبياء الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. فاختار الألماني – لعلو همّته – أن يتّبع معايير النجاح التي علّمه إياها مجتمعه، وهكذا تحول "الألماني" من صبي ميكانيكي واعد إلى فتوة. ولابد لنا هنا من طرح سؤال ماذا لو كان "الألماني" وُلد لأب وأم غير أبيه وأمه، ولطبقة غير تلك التي ينتميان إليها؟! ماذا لو كان وُلد لأسرة تسكن أحد قصور المجمعات السكنية المغلقة؟! ماذا لو كان وُلد لطبقة علّمته أن النجاح هو أن يستبدل بلغته العربية لغة أجنبية ما؟! ربما لو كان ذلك قد حدث لكان "الألماني" مديرا تنفيذيا بإحدى الشركات متعددة الجنسيات وبجوار عمله يدرس ماجستير إدارة أعمال في إحدى الجامعات الأجنبية !

إذن فالأزمة ليست في شخص "الألماني" بل في السياق المجتمعي الذي علم "الألماني" أن يكون كذلك، في النظام الذي صنع "الألماني"، وأيضا الأزمة ليست في الطبقة التي ينتمي إليها الألماني، بل في النظام ككل الذي همّش تلك الطبقة ودفعها لصياغة نموذجها القيمي في ظروف غير آدمية من الحاجة والعوز، والمقصود بالنظام ليس فقط النظام السياسي، بل النظام الاجتماعي الاقتصادي بمفهومه الأوسع الذي لا يمثل النظام السياسي ومؤسسات الدولة إلا أحد تجلياته. وربما هذا ما لم يتعرض له الفيلم بشكل واضح حيث دار في أحد مشاهد الفيلم حديث على لسان ضابط شرطة يشكو عجزه عن تطبيق القانون على البلطجية أبناء الأغنياء خوفا من سطوة أهليهم ومن ناحية أخرى فإن ضابط الشرطة يشكو عجزه عن تطبيق القانون على البلطجية الفقراء خوفا مما سيحدثه ذلك من ثورة وسط أهليهم الجياع الذين يُرزقون من ورائهم، فصوّر الفيلم مؤسسة الشرطة وكأنها مؤسسة محايدة تقف بين الاثنين غير أن الحقيقة أن مؤسسات الدولة جميعها ومنها الشرطة - بل بالذات الشرطة والمؤسسة الأمنية بشكل عام - تنحاز لأصحاب الهيمنة والسطوة في المجتمع الطبقي.

إذن فما الحل؟ بالتأكيد ليس الحل في حملات توعية التي يتوجه بها أبناء الطبقات الأعلى لأبناء تلك الطبقات الفقيرة على أمل أن "ينضفوا" أي أن يصيروا مثلهم أبناء الطبقات الأعلى، فطالما ظلت الفروق الاقتصادية قائمة ستظل الفروق الثقافية قائمة ولا يمكن تجاوزها. وليس أيضا الحل في استبدال هيمنة طبقة مكان طبقة، فليست الطبقات الأعلى كلها شر وليست الطبقات الأدنى كلها خير، فكلا الطبقتين قامت بصياغة نموذجها القيمي في سياق النظام. فالحل في إسقاط النظام الطبقي بمفهومه الأوسع. ولن يسقط النظام سوى على أيدي أصحاب المصلحة الحقيقية في إسقاطه، المهمّشين فيه، أبناء الطبقات الفقيرة ... "اللي شكلهم غلط"



باسم زكريا السمرجي
18/7/2012

السبت، ١٤ يوليو ٢٠١٢

In a Pursuit of Organization




It’s undeniable that we are being pushed by the ruling authority to the corner of reactiveness; that most of the battles we that have been through since Mubarak fall were imposed and defined by the authorities and the revolutionaries were just dragged to them, while in a revolution, it should be the other way around. It’s true that we’ve managed to end some of the battles with some gains but if we are thinking about continuing this way, the separation between the revolutionaries and the masses will continue to deepen which in turn will transform the rupture between the masses and the revolutionaries to be a rupture between the masses and the revolution at whole. Hence, revolutionaries will end up being paralyzed facing the authorities which will result in failure to push the revolution towards achieving its real goals: radical change in the relation between the state and the society i.e. the redistribution of wealth and power among the society.

This constant dragging to the false battle is a contribution of two main factors. One has to do with the nature of the Egyptian authorities and the other has to do with the nature of the Egyptian revolution. As we all know that the nature of the Egyptian state, especially in the last ten years, was of extreme weakness that the state apparatus wasn’t able to monopolize the authority and reproduce a central discourse. So, the authoritarianism was distributed among the interest groups who managed to infiltrate the society using the state apparatus without being subject to its legal framework. In light of this phenomenon we can understand how these interest groups managed to continue functioning after Mubarak has been displaced and after a parliament has been elected and they will continue functioning to a great extent even if one of the revolutionaries managed to win the presidential position.

In order to analyze the second factor contributing in our failure to make our battles, we have to be harsher on ourselves and do some self-criticism having before our eyes that we are talking about a future we are all responsible for with variant degrees. I’m explicitly saying that our childish repulsion at theorizing and organizing considering the former a waste of time and the latter is synonymous to authoritarianism, is what hindered us from analyzing, planning and making the proper calculations before making any step. Enough with this childish attitude now since the masses who were ahead of the elite, and made the revolution, compel us to be humble enough to learn from its movement and think of creating a new form of non-authoritarian organization, that rest on an innovative theorization, which departs from ready-made thoughts, analyzing and interpreting a new lively reality which is still in the making.

The organization we need is not an organization with its conventional meaning. Instead of being a static system, it’s rather a perpetual dynamic process of managing the societal interaction. It’s not an ideological organization making  crowd mobilization over  false consciousness its strategy and goal. It’s rather a socio-economic organization that articulates its political programs from below upon good understanding of the “real” socio-economics of the society rather than imposing a political agenda from above which overlooks the reality of the masses. It’s not also a conventional communist organization which makes the factory its own focal point and central sphere of action, since however valid was this theme for a certain historical context it became obsolete as the machinery replaced the workers and the industrial type of production is not the dominant theme for today’s Capitalism anymore. So, I would say that the factory is not the place where the masses are, and thus the revolutionary organization we need for today is not an economic organization; it’s rather a socio-economic organization which understands the relationship between economics and social composition and how geographical spaces are being shaped by economics and it will find that the masses are mostly concentrated in the poor crowded areas where poverty compels people to depend on each other in their daily life and hence create the public sphere which is being to a great extent privatized in rich areas given the economic ability of the people living there.

So, it’s a socio-geo-economic organization that pushes to enroot the revolution socially in the areas where is being shaped by common economic factors so that it can reproduce the revolutionary discourse from below to face the authority discourse coming from above. It’s an organization which is not pursuing winning the masses, as it will be the masses. And for the organization to achieve this purpose, three main tasks have to be on its agenda. Firstly; creating – or to be more specific discovering – the organic leadership implanted in the socio-economic soil of the society. The second task should be creating a network of the revolutionary spots on a socio-economic basis in order to develop a wider sense of a common ownership to the public sphere which in turn should result in a creating a spirit of solidarity on a wider geographical scale that outweighs the authority discourse which depends on dividing people on the basis of false consciousness. Finally, the third task for the organization should be constructing upon this revolutionary network and articulating the revolutionary discourse into a constructivist political agenda; and hence find an internal and external decentralized way of the communication and the movement, so that instead of being dragged into the battles we impose our own battles in which we will be able to push the revolutionary agenda forward little by little until we dismantle the authority altogether.


Bassem Zakaria Al-Samragy

------------------------
The original Arabic version was published in Al-Shorouk Newspaper in May 9th 2012

الأحد، ٨ يوليو ٢٠١٢

الموقف الثوري بين الإخوان والبديل الثالث


لا تتناسب ثورية الموقف طرديا مع يساريته، فالاتجاه يسارا لا يعني بالضرورة الاقتراب من الثورة، وإنما يكفي أن تتجه يسارا بالقدر الذي يُخرجك من الخضوع لشرعية هياكل السلطة دون الخروج على جماهير المجتمع المقهورة، فتضمن أن تتحرك خارج إطار السلطة ولكن مع الجماهير الذين هم وقود الثورة وصناع التاريخ الحقيقيون وإلا أصبحت الثورة مجرد مجموعة من الأحلام الشخصية المتناثرة في أدمغة أو "أمزجة" أصحابها.

في ذلك الإطار فإن الموقف الثوري في الوقت الراهن لابد أن ينطلق من ثلاثة منطلقات على التوازي. أولها وأهمها على الإطلاق هو بناء البديل للقوتين المتصارعتين على السيطرة على المشهد السياسي الحالي، شبكات مصالح الحزب الوطني التي اختطفت الدولة وتنظيم الإخوان المسلمين الإصلاحي الذي قادته الظروف لتصدر الثورة. فتطور الأحداث أثبت أن انتصار الأفكار ليس مرهونا بشكل أساسي بجودتها أو ملاءمتها للواقع فقط، بل بقوة التنظيم الذي يستطيع أن يحولها إلى حقيقة مادية تتجلى في مجموعة البشر يستطيعون الدفاع عنها وإنفاذ إرادتها، وتجلى ذلك بوضوح في المعركة الانتخابية في جولتيها الأولى والثانية، فبينما أتت نتيجة الجولة الأولى معلنة عبور التنظيمين سالفي الذكر لجولة الإعادة، لم تكن لتخرج نتيجة جولة الإعادة على هذا النحو لولا الكفاءة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين الذين استطاعوا الإفصاح عن النتيجة النهائية قبل إعلانها بشكل رسمي، ذلك الإفصاح الذي قطع الطريق على تزوير كان مرتقبا، والذي أعقبه بحشد جماهيري حسّن من موقف الإخوان التفاوضي في مقابل المجلس العسكري وما يمثله من قوى الثورة المضادة. ومن يدري، ربما لو لم ينجز الإخوان المسلمين هذين الإجراءين لما كانت النتيجة على ما هي عليه.

إن كان الإخوان بهذه الكفاءة التي تمكنهم من إنفاذ إرادتهم في مواجهة قوى الثورة المضادة فلم البحث عن بديل؟ ليست الأزمة في الكفاءة بل في الإرادة؛ فالإخوان تنظيم إصلاحي لا ثوري لذلك فإن إرادتهم على الدوام تكون بالالتفاف حول المواجهات وسلوك أقل الطرق خطورة وأكثرها أمنا والتي بالضرورة لا تفكك هيكل السلطة القائم وتعيد صياغته بل تسعى إلى ترميمه وإصلاحه. لذلك فإن البديل لابد أن يكون تنظيم ذا إرادة ثورية وكفاءة تنظيمية عالية تستطيع أن تُنفذ تلك الإرادة، من خلال بلورة حركة الجماهير في أطر سياسية تعبر عن تلك الحركة فتدفع الجماهير لتطويرها ونتوقف عن إهدار الفرص الثورية. ليس ذلك التيار بالطبع هو ذلك المسمى بالتيار الثالث الذي يطلقه في الغرف المكيفة ويتحدث باسمه نخب النظام القديم، إنما هو ذلك التيار الاجتماعي الذي يتشكل من جماهيرٍ حياتها النضال اليومي من أجل لقمة العيش، تلك الجماهير التي اقتحمت في الثورة – حتى وإن كان بالمتابعة – مساحات السياسة المُحتكرة من قبل النخب.

المنطلق الثاني للموقف الثوري هو نقد جماعة الإخوان المسلمين. فالإنجاز الثوري الحقيقي حتى الآن هو كسر احتكار طرف واحد – الحزب الوطني – لأوراق اللعبة السياسية، وبعثرتها بين أطراف عديدة في الداخل والخارج. لذلك فإن تسليم أوراق اللعبة لطرف ما وتوكيله لمواصلة الثورة هو هزيمة ليس انتصارا، فانتصار الثورة ليس بوصول ثوري للسلطة – فضلا عن وصول إصلاحي لها – بل إن انتصار الثورة هو تفكيك احتكار السلطة واستردادها لجماهير الشعب، وهو هدف بعيد المدى مرهون بالقدرة على استدامة تهديد من في يده السلطة.

ضرورة أخرى لانتقاد جماعة الإخوان المسلمين وهي تلافي ما يمكن أن يحدثه وصول الإخوان المسلمين من تصدعات طائفية تفكك المجتمع لمصلحة الاستبداد. وقد لا يكون الإخوان المسلمون هم الفصيل صاحب النزعات الطائفية الأكثر تطرفا – وإن كانوا لا يخلون منها – ولكن وصولهم للسلطة قد يطمئن أصحاب النزعات الطائفية الأكثر تطرفا فيطلقوا أيديهم في المجتمع، وعلى الإخوان المسلمين أن يتحملوا مسؤوليتهم في هذا الصدد بالقوانين والتشريعات لا بالوعود والتطمينات !

سبب آخر لضرورة انتقاد الإخوان المسلمين، وهو إيصال رسالة للجماهير مفادها أن وجود الإخوان كبديل وحيد للنظام القديم ليس قدرا أبديا لا يمكن الفكاك منه، بل إنه أمر مؤقت بالظرف التاريخي الذي نحياه والذي نستطيع أن نغيره. بل يجب أن يتجاوز نقدنا للإخوان المسلمين ذلك الحد ليكشف عن تخلفهم عن اللحظة الثورية فيصبح تجاوز هم نحو صنع بديل أكثر ثورية ليس رفاهية وإنما واجب الوقت. غير أننا حين نطرح تلك الرسالة لابد أن نؤكد على أن تجاوز الإخوان المسلمين يعني التقدم للأمام وصناعة بديل جديد لا العود للوراء والسقوط في أحضان النظام القديم وهذا هو المنطلق الثالث للفعل الثوري. فلابد أن نؤكد في رسالتنا أن نقد جماعة الإخوان المسلمين ليس لمصلحة النظام القديم، فتجاوز النظام القديم – بما يمثله من عسكرة للدولة وسيطرة لشبكات المصالح عليها – أمر من المعلوم من الثورة بالضرورة، ليس فقط لأن العودة للنظام القديم تعني العودة للاستبداد بل لأن العودة للنظام القديم تعني تأخير تجاوز الإخوان المسلمين – الذي لن يحدث إلا بالنقد الموضوعي – ومن ثم الحفاظ على ثنائية الوطني الإخوان كما هي وتعني أن ذلك المقال سيكون صالحا للنشر في أعقاب الثورة الثانية التي ربما تحدث في المستقبل المنظور !

إن الثورة ليست حلما عابرا في خيال الشعراء، بل هي معركة انتزاع حقوق مادية لصالح الجماهير المقهورة التي تسبق قدرتها على الحركة قدرتها على صياغة تلك الحركة، وهنا يأتي دور التنظيم الذي لابد علينا لبنائه أن نتوقف عن الاقتناع بأن المراهقة الثورية هي السبيل الوحيد لمواجهة السلطة



باسم زكريا السمرجي
26/6/2012

الاثنين، ٢ يوليو ٢٠١٢

أسئلة وجودية عن أزمة الهوية

تلك التدوينة هي بالأساس أسئلة – كانت ولازالت تؤرقني منذ مدة – تحاورت فيها مع أخي وصديقي أحمد جمال سعد الدين (ملحوظة لصديقي أحمد جمال سعد الدين: اسمك الثلاثي طلع طويل فعلا ولازم تشوف له حل) فلم يزدني إلا حيرة. وهنا ربما يصير من المهم أن نطرح سؤالا عن وظيفة الفلسفة أو فلنقل بشكل أكثر مباشرة، وظيفة العقل. هل هي طرح الأسئلة وترقب إجاباتها من العالم الخارجي؟ بمعنى توجيه العقل لكي يرى العالم الخارجي من منظار أسئلة بعينها فيتلقى الإجابات عليها بشكل تلقائي. أم أن وظيفة العقل هي البحث عن الإجابات في الداخل للأسئلة التي تأتينا من الخارج؟ قد لا أميل لأي من الإجابتين بشكل قاطع فربما تكون وظيفة العقل هي الجمع بين طرح الأسئلة والبحث عن إجابات عليها في ذات الوقت. فحينما يتخذ المرء قرارا بأن يكون عقله هو مصدر الأسئلة الوحيد يكون قد حكم على مصيره بالتقيّد بماضيه، فالأسئلة التي سيطرحها العقل في تلك الحال لن يكون مصدرها سوى تجارب الماضي، وحينما يتخذ المرء قرارا بأن يعمل عقله متلقيا للأسئلة من الخارج يكون قد تخلى عن قدر كبير من قدرته على الاختيار وسلّم نفسه للعالم الخارجي الذي سرعان ما سيحتل إدراكه بهيمنة ما. لذلك، قد يكون الصحيح هو أن يطرح العقل السؤال على العالم مع الأخذ في الاعتبار احتمالية تغيير السؤال طبقا لمقتضيات الواقع فلا يتحول ذلك السؤال لدوجما تفسّر العالم ولا يوجد ما يفسّرها ولا تقدر أن تفسّر نفسها.

كان السؤال المركزي في حواري مع صديقي أحمد جمال سعد الدين (آخر مرة أقول اسمك على فكرة، ولو اضطريت هاقول "جيمي" وخلاص، علشان تبقى فاهم !!) هو، هل أزمتنا أزمة وجودية أم هي أزمة مؤقتة ربما بزمان أو بمكان ما؟ وبالطبع نحن هنا بحاجة لتعريف من نحن وما هي أزمتنا. مبدئيا نحن وأزمتنا ليسا مفهومين منفصلين، بل متصلان تمام الاتصال. فأزمتنا هي مكون رئيسي في تكوين النحن وبالتالي لن تستطيع النظر إلى أحد المفهومين بمعزل عن الآخر. فنحن الذين ولدنا لآباء من الشرائح المتوسطة من الطبقة المتوسطة، الذين لم يكونوا من عائلات أرستقراطية ولم يستطيعوا اللحاق بركب الانفتاح وليسوا أيضا من الفقراء المعدمين. دفعتهم قدرتهم الاقتصادية إلى سكنى الأحياء الشعبية ودفعهم مستواهم التعليمي والوظيفي إلى السعي للحفاظ على مظهر ما، فانتهى بهم الحال لأن يكونوا غير منتمين إدراكيا لهيمنة طبقية بعينها. وكنت أظن أن ذلك التموضع بين الهيمنتين هو التموضع المثالي الذي يقي من السقوط في أسر هيمنة ما، غير أن ما تكشّف لي أنه لا توجد مساحة فاصلة بين الهيمنتين، فالصراع الطبقي يجعل تلك المساحة ليست فاصلة، وإنما مساحة التحام وتقاطع فيصير أبناء تلك الطبقة المتوسطة أسرى الهيمنتين.

هل إذن أزمة الهوية التي نعانيها أزمة وجودية، مرتبطة باستحالة التسليم لهيمنة ما بعد أن كُشف لنا الوجه الآخر من الحقيقة، ومرتبطة أيضا بفقدان إرادة مواصلة المسير للمجهول الذي كُشف لنا منه ما يفقده القدرة على إدهاشنا؟

قادنا ذلك السؤال إلى سؤال آخر عن الخلق. إن افترضنا أن الله خلقنا من العدم. وأن أساس الخلق الروح، فإن إدراك تلك الروح متجاوز للزمان والمكان، فمتى انتهى ذلك الإدراك المطلق المتجاوز للواقع للروح ليبدأ الإدراك في التشكل بحسب ما يمليه عليه الواقع؟ أم أن الروح لا إدراك لها أصلا وأن الإدراك بدأ منذ اللحظة الأولى في سياق الواقع المجتمعي؟ وهل ذلك الإدراك الروحاني واحد في البشر جميعا، وأن كلا منا يصعد سلم التحقق الإنساني و النضج الإدراكي حتى إن وصل في النهاية لآخر درجاته وجد ما يتلوها هو العدم/الوجود حيث كل شيء لا شيئ وأي شيء كل شيء، فلا يهم حينها أي سلم صعدت فالنتيجة واحدة؟ أم أن تلك الروح التي هي أساس الخلق تختلف من واحد لآخر وأن لكل منا سلما يؤدي إلى نهاية ليست بالضرورة هي النهاية التي يؤدي إليها سلم الآخر؟

إذن لابد من صعود ذلك السلم، ولكن كيف؟ بالتأكيد يكون بعدم الرضوخ لهيمنة ما، وتحدي المألوف و"المفروض" باستمرار. وهنا تأتي مرة أخرى أزمة تموضع الطبقة المتوسطة التي تجعل طريق الهروب من الهيمنة غير واضح ويجعل طريق تحدّي المألوف غير واضح أيضا، وبينما يحاول المرء القيام بذلك يقوم بعمل بعض الأمور التي يشعر فيما بعد أنها لا تشبهه، ولكن إن كان قام بعمل تلك الأمور بالفعل فكيف إذن يدّعي أنها لا تشبهه؟! إن تلك المعضلة تؤكد على احتواء المرء على الشيء ونقيضه في ذات الوقت، وبالتأكيد وجود الشيء ونقيضه في ذات الوقت أمر غير منطقي، وهنا يحل هيجل تلك الأزمة بأن يقول أن الضرورة المنطقية تفترض أن يتفاعل الشيء Thesis ونقيضه Antithesis ليشكّلا مركب جديد Synthesis. ولكن هيجل كان يتحدث في إطار موضوعي غير ذاتي تحدث فيه تلك العملية بشكل لا إرادي Objective فما يحكمها هي الضرورة المنطقية فقط، لكننا نتحدث في إطار ذاتي Subjective تكون فيه نتيجة التفاعل بين تلك المتناقضات أمر محدد بالإرادة البشرية، فإما ألا يرى المرء تلك المتناقضات – وهو أمر مستحيل بالنسبة لمن تموضعه كما أسلفت – أو أن يرى تلك المتناقضات ويقرها مع إقرار بإن أحد جوانب تلك المتناقضات هو الخير المطلق والجانب الآخر هو الشر المطلق فيصل لقدر معيّن من التصالح وهو في حقيقة الأمر شكل من أشكال الرضوخ للهيمنة – وهو أمر مستحيل بالنسبة لمن له روح مغامرة لا يسيطر عليها الفزع من الجديد – وهنا يبقى لي ولصديقي "جيمي" احتمالان، الأول أن نسلم أنفسنا لمستشفى الأمراض العصبية والثاني أن نتصالح مع تلك المتناقضات، فيحل التصالح مع المتناقضات هنا محل الضرورة المنطقية عند هيجل .. ولكن كيف؟ هنا مربط الفرس!



باسم زكريا السمرجي
2/7/2012

الثلاثاء، ٢٩ مايو ٢٠١٢

خطوات على طريق "الشكرمون طاخ في الترللي"

أبدع صناع السينما المصرية حين تركوا لنا تصورات متعددة نقيس عليها ما يمكن أن يؤول إليه حالنا – نحن المهتمين بالشأن العام أو المتابعين له – إن استمر الوضع السياسي على ما هو عليه. فلدينا محمود عبد العزيز حين طاف الشوارع في آخر مشهد من فيلم (جري الوحوش) يهذي بـ "عايز طرلوب على قدّي يا أهل الطب ". ولدينا يحيى الفخراني في آخر مشهد من فيلم (الكيف) حين أعلن عن سره الخطير قائلا "أنا اللي صهفصت الهوا وبهيصت الشفاشي باللولة" ثم صار يرقص هاتفا "اتعلمت اللغة .. اتعلمت اللغة". وأيضا محمود عبد العزيز مرة أخرى في فيلم (العار) .. "الملاحة، الملاحة .. وحبيبتي ملو الطرّاحة". وإن كنت مُخيّرا بين الثلاثة لاخترت "اتعلمت اللغة" فمن المفيد أن نتوهم أننا تعلمنا شيئا حتى لو كان آخر شيء نستطيع أن نتعلمه قبل أن نفقد القدرة على الإدراك. وهذه التدوينة هي مجموعة من الأسئلة التي لا إجابات لها ولكنها خطوات على طريق "الشكرمون طاخ في الترللي" فنحن بالطبع نعرف كيف أن "الشكرمون" ركن ركين في اللغة التي تعلمها يحيى الفخراني.

  • متى أصبح الطرف الذي نواجهه قادرا على أن يحصرنا في مربع رد الفعل؟ وهل كنا دائما في مربع رد الفعل، غير أن إدراكنا لذلك كان متأخرا بعض الشيء؟ هل قمنا حقا بثورة ما زال الصراع فيها مستمرا؟ أم هل كانت انتفاضة فاجأتنا وفاجأتهم (لا أدري من هم بالتحديد .. ربما يكونون "الشكرمون" ذاته) لكنهم كانوا أكثر حنكة منا فاستطاعوا احتواها ولم نستطع لسذاجتنا – التي نحب أن نخدع أنفسنا ونسميها نقاءنا الثوري – أن نطوّرها؟ أم هل كانت أحداث "دُفعنا" إليها من البداية لاحتواء احتمالات لثورة حقيقية؟!
  • من هو الطرف الثالث؟ بل من هو الطرف الثاني؟ هل هو المجلس العسكري، المخابرات، شبكات مصالح الحزب الوطني؟ أم أنها أطراف خارجية يجذبها إلى مصر وضعها المتميز على الخريطة الذي وصفه بدقة الراحل نجيب سرور؟ ماذا تريد أمريكا وإسرائيل، السعودية، إيران، تركيا، الصين، قطر، جمهورية الكونغو الديمقراطية؟! وكيف تتقاطع كل مصالح كل تلك الأطراف؟ من هو توفيق عكاشة؟ ولصالح من يعمل؟ من هو إبراهيم عيسى؟ ولصالح من يعمل؟ ما حقيقة الراجل اللي واقف ورا السي بي سي وجريدة الوطن؟ من هو عمر سليمان؟ ولصالح من يعمل؟ وما حقيقة علاقته بآل سعود؟
  • ماذا يحدث داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين؟ ماذا كان يحدث داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين؟ كيف يتعامل الإخوان المسلمون مع المجلس العسكري؟ كيف يتعامل الإخوان المسلمون مع أمريكا وإسرائيل؟ ماذا تريد جماعة الإخوان/خيرت الشاطر من الثورة؟ لماذا صبحي صالح؟ وليه مابيروحش يكشف عند دكتور مثلا؟! (مش هاقول لماذا عبد القادر أحمد علشان ماصعبهاش على نفسي) ..
  • من هم السلفيون؟ وما الفوارق بين مجموعات السلفيين المختلفة؟ لماذا أيدوا أبو الفتوح لا مرسي الأقرب عقديا لهم؟ هل فعلا أسطورة النضوج السياسي لحزب النور صحيحة أم أنهم قاموا بذلك بناء على تعليمات من جهة ما؟ لماذا بعد أن أيدوا أبو الفتوح لم يحشدوا له؟ ففي المطرية رأيت مسيرة لتأييد أبو الفتوح لا تتعدى 10 أفراد! وعلمت من إحدى مدارس تحفيظ القرآن التابعة للسلفيين ولجماعة حزب النور بالذات أن الشيخ قال لهم هو مرسي، رغم أن تلك المجموعة كانت تعمل ضد الإخوان في الانتخابات البرلمانية (اللي هيقول لي هم اشتغلوا على قد ما يقدروا واحنا كده بنظلمهم هاضايقه على فكرة)
  • من هو حازم أبو إسماعيل؟ وما حقيقة علاقته بأمريكا؟ وأين كان أيام موقعة العباسية؟ هل كان حقا في أمريكا؟ وما حقيقة علاقته بالإخوان وبالسلفيين؟
  • ما سر صعود حمدين صباحي المفاجئ قبيل الانتخابات الرئاسية؟ (هاعمل عبيط ومش عارف) هل كان لتفتيت الأصوات الذاهبة لأبو الفتوح لينتهي بهما الحال خارج السباق؟ أم هل كان المقصود أن يدخل للإعادة فيربح الانتخابات ويصير "رمز الثورة" الذي وصل للرئاسة فيتم احتواء الثورة بالكامل داخل مؤسسات الدولة؟ هل ما زال ذلك السيناريو قائما؟ هل يتم الفصل في قانون العزل؟ وهل يتم عزل شفيق الآن ليدخل حمدين الإعادة ويربح، فيطعن شفيق بعد الانتخابات فيقبل الطعن ونعيد الدور من الأول؟ أم هل يحدث العكس؟ هل يقبل حمدين صباحي منصبا في رئاسة شفيق أو الإخوان؟ هل يحل أحمد شفيق بعد وصوله إلى الرئاسة البرلمان، ويزج بالإخوان في السجون؟ وتعاد انتخابات البرلمان ليربح أغلبيته حزب ما قد يفكر حمدين صباحي في تأسيسه، فيصير التدافع شكلانيا بين الثورة والثورة المضادة، تنتهي بوصول حمدين صباحي للرئاسة في 2016 أو ربما قبل ذلك، والثورة انتصرت و"والله وعملوها الرجالة"؟
  • ماذا يريد الإخوان (تاني)؟ هل هم غافلون عن المشهد الذي يعد لمذبحة قادمة لهم؟ هل هم غافلون حقا عن الشعبية التي خسروها من انتخابات البرلمان وحتى الآن؟ لماذا يصرون على التعالي على القوى السياسية الوطنية؟ هل يظنون أنهم بذلك متوكلون على الله وأن الله نصيرهم فلا حاجة لهم في البشر؟ هل هم غافلون عن كلام الراحل علي شريعتي أن من الاستحمار أن ترى بيتك يحترق وتذهب لتصلي ركعتين بدلا من أن تُطفئ النار؟ أم هل رتب الإخوان صفقة مع الفشيق فريق يحصلون بموجبها على مواقع ما في السلطة التنفيذية أو ربما في مؤسسة الرئاسة؟ وهل يثقون في مثل تلك الصفقة؟ أم هل يدركون أن في سيطرتهم الكاملة على الدولة تعني تحلل التنظيم وأن المظلومية هي حصن التماسك التنظيمي الأخير وبالتالي هم يلعبون للخسارة؟ إن كان ذلك كذلك فلماذا إذن دفعوا بمرشح للرئاسة؟ هل لاستكمال حبكة المظلومية، أم أن انحسار شعبيتهم البادي في نتائج الانتخابات الرئاسية هو ما دفعهم لرؤية تلك الحقيقة؟
  • الحكم في قضية مبارك وولديه والعادلي؟!
  • هل فعلا الشكرمون طاخ في الترللي؟!



باسم زكريا السمرجي
29/5/2012

الأحد، ٢٧ مايو ٢٠١٢

تاتا تاتا .. هنعمل ايه في جولة الإعادة

وددت لو أن هناك باستطاعتي شيء غير كتابة تدوينة لن تفيد أحدا ولن تغير شيئا وربما لن تضيف للكثير شيئا ولكن ما باليد حيلة! وقبل أن أبدأ أحب أن أعترف أن التخطيط المُحاك ضد الثورة في الانتخابات – والذي أخرجها بالشكل الذي خرجت عليه – مرتبط بالتخطيط الجاري ربما منذ أيام الثورة ذاتها واتضح أنه "شغل فنادق" وأننا لم نستطع مواجهته بأي شكل من الأشكال، فالأدرينالين الثوري لم يستطع الصمود أمام التخطيط المؤسسي المنظم بل اتضح أن الأدرينالين الثوري هو نقطة ضعف الثورة التي نفذ منها التخطيط العسكري.

أنا لا أدعو الناس لكي يروا النصف الممتلئ من الكوب (فهذا كلام فارغ) بل أدعو الناس لكي يرو الصورة بشكل أكثر شمولية، فالانتخابات رغم ما كان بها من بعض الخيارات التي كان من شأنها أن تدفع الثورة للأمام إلا أنها في ذاتها لم تكن ولن تكون خيارا ثوريا بل كانت اضطرارا، اضطرت إليها الثورة لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن. هي ليست تعبيرا عن الإرادة الشعبية إنما تعبيرا عن كفاءة ماكينات الحشد أو موازين القوى السياسية، وما نستطيع أن نستخلصه من نتائج الانتخابات هي اتجاهات عامة ليس إلا وربما تتلخص في الآتي:

  • يأس الناس من السياسة، فنسب المشاركة التي قلّت كثيرا عن التوقعات لا يفسّرها سوى يأس الناس من أن السياسة يمكنها أن تغير حياتهم، ويتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك مجلس الشعب الذي فشل فشلا ذريعا في مخاطبة احتياجات الناس.

  • من مجمل الناخبين اختارحوالي 55% أجندة التغيير المتمثلة في الثلاثي أبو الفتوح – حمدين – مرسي وصحيح أن التباين بين الثلاثة واضح خاصة بين أبو الفتوح-حمدين ومرسي إلا أنهم جميعا لم يكونوا جزءا من السلطة التي ثار عليها الشعب، وعليه فإن أكثر من نصف الناخبين تقريبا يريدون التغيير بأشكال متباينة. وربما يظن البعض وأنا منهم أن المخابرات وشبكات مصالح النظام تدخلت في الانتخابات بأنها ساهمت في رفع مرشح على حساب مرشح لتفتيت الأصوات، لكن الناخب لا دراية له بذلك ولا ينبغي أن يُحاسب على ذلك

  • خسر الإخوان كثيرا، ولا يعني حصول مرشحهم على المركز الأول عكس ذلك، فأن يخسروا حوالي 5 مليون صوت في أربعة شهور تفصل بين انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة في معاقلهم هي خسارة، وأن يحصلوا على المركز الأول بفارق ضئيل بعد أن كانوا يقولون أن مرشحنا سيحسم الانتخابات من أول جولة خسارة ولا يغفل عن رؤية ذلك إلا مكابر !


إذن أين نحن الآن؟ إن لم تغير الطعون النتائج فإن الإعادة ستكون بين ماكينة حشد الإخوان وماكينة حشد الحزب الوطني اللتان على ما يبدو متعادلتان، ولن يفصل بينهما غير الأصوات الخارجة عنهما، وهي أصوات تتأرجح دوافعها بين تقديم الرغبة في التغيير على ما سواها، وبين تقديم الرغبة في حصول الاستقرار على ما سواها، وبين تقديم الخوف من الإسلاميين على ما سواه. وأظن أنه إن استمر الوضع الحالي على ما هو عليه فإن الأقرب للتحقق هو فوز ماكينة الحزب الوطني حيث ستميل إليها أصوات الراغبين في الاستقرار، وأصوات الخائفين من المشروع الإسلامي وربما بعض أصوات الراغبين في التغيير.

إذن ما العمل حتى نتجنب وقوع مثل تلك الكارثة؟ أولا لابد أن نعرف أنه ربما تكون أصوات الراغبين في التغيير الذين صوّتوا لأبو الفتوح وحمدين هي الكفيلة بحسم المعركة، ولكن لابد أن نفهم طبيعتها فهي في الغالب لم تأت بحشد حزبي مباشر وإنما هي أصوات حرة صوتت لأجندة ثورية أو بشكل أكثر دقة لخطاب ثوري. وبالتالي فإن ما يمكن أن يستميلها في أي اتجاه ويدفعها للمشاركة بدلا من المقاطعة هو إنتاج خطاب ثوري لا غير ذلك وبالتالي فإنني من يقول بأن تلك الكتلة التصويتية مصدر قوة تفاوضية لمعسكر التغيير الذي أراد بديلا ثالث غير الإخوان والنظام السابق، وبالتالي فإن على السياسيين أن يتفاوضوا مع الطرفين (الإخوان والنظام السابق) على حد سواء من موقع قوة.. أوجه كلامي للقائلين بهذا القول وأقول لهم "صباح الخير .. هي اللالا لاند بيروحوا لها ازاي دلوقتي؟!" لسببين عمليين جدا، أولهما أنه لا يوجد ما يسمى "بمعسكر" التغيير بل هي أصوات فردية حرة غير ملتزمة بتوجيها "معسكرية". ثانيهما أن النظام السابق لا يحتاج منك أي شيء حتى يعطيك أي شيء، فهو معه شبكات مصالح الحزب الوطني التي لم تُفكك بعد، ومعه الجيش والداخلية والقضاء ومعه أيضا الخائفين من المشروع الإسلامي (وهم كثير) ومعهم دعاة الاستقرار، فأنت إن ذهبت أعطيته إضافة إلى ما لدية شرعية ثورية مجانية، (واللي هيقول لي هناخد ضمانات منه مش هارد عليه على فكرة !). بالطبع لن أذكر الموانع المبادئية التي تمنع من التفاوض مع رئيس وزراء موقعة الجمل الذي اعتمد طوال الحملة الانتخابية على خطاب "العباسية بروفة" فعلى ما يبدو لا مكان للمبادئ في السياسة وبالأخص في الانتخابات ... احنا آسفين يا ميكيافيللي

طبقا لما سبق فإن الخيار الوحيد المطروح أمامنا هو التفاوض مع الإخوان كما أن الخيار الوحيد المطروح أمام الإخوان هو التفاوض مع باقي القوى الوطنية. وهو في الحقيقة ليس خيارا وحيدا بل إن هناك خيارا آخر مطروح على الجميع وهو حبل المشنقة، فلا لحظة أدعى لاستحضار "ثقة الأعزل بالأعزل" غير تلك اللحظة. وحتى يثق الأعزل بالأعزل على الإخوان أن يقدموا بعض الضمانات التي حتى وإن لم يفوا بها – وهو أمر وارد جدا – فستظل ورقة "نمسكها عليهم". وربما لا أستطيع تحديد تلك الضمانات ولكنها بالأساس الضمانات اللازمة لإنتاج خطاب ثوري على الأقل (مش هنقول أجندة ثورية) من ضمانة للعدالة الاجتماعية (اللي بجد مش بتاعة الشعارات) وضمانة الحريات وإعادة النظر في معايير الجمعية التأسيسية وأيضا إعادة النظر في منطق التكويش/التمكين .. (معلش يقولوا لمولانا الشيخ صفوت حجازي يؤجل مشروع الصرف الصحي الإسلامي شوية !)

من ناحية أخرى، فعلى القوى السياسية الأخرى أن تتوقف عن المطالبة بمطالب كوميدية مثل أن يتنازل مرشح حصل على المركز الأول في الانتخابات لصالح المرشح الحاصل على المركز الثالث، فلا أدري أي عقلية فذة تفتّقت عن هذا الاختراع العبقري (يا خسارة العلام يا بتوع الدكتوراهات !) وألا تتلخص المطالب أيضا في الإتيان بفلان نائبا للرئيس وفلان رئيسا للوزراء، فليست تلك المطالب هي التي من شأنها أن تستميل أصوات الثورة بل على العكس ستشعرها بالخيانة وتدفعها أكثر للعزوف عن المشاركة.

كلمة أخيرة للإخوان: حتى لو استمريتم في المكابرة ولم تتفاوضوا ولم تتنازلوا سأصوت لكم لأني أفضل الاحتمالات العديدة التي تمنحها الحياة من أدناها إلى أقصاها على الاحتمال الوحيد الذي يمنحه الموت. أعرف ربما عشرات سيفعلون ذلك أيضا لكني لا أضمن باقي ال8 مليون !


باسم زكريا السمرجي
27/5/2012

الجمعة، ٢٥ مايو ٢٠١٢

ملاحظات سريعة للزملاء في حملة أبو الفتوح

إن لم تكن من أعضاء الحملة الرئاسية لعبد المنعم أبو الفتوح أو من مؤيديه فلا تُضيع وقتك في قراءة هذه التدوينة، فهذه التدوينة موجهة بالأساس للمهتمين بمشروع عبد المنعم أبو الفتوح – مصر القوية، وهي ليست إلا بعض النقاط القصيرة التي أحاول التفكير فيها معكم من واقع نتيجة الانتخابات التي تكشف عن جولة إعادة تدور بين اثنين من الثلاثي حمدين – شفيق – مرسي.


  • إن نظرنا نظرة سريعة لدوافع التصويت لأعلى المرشحين الرئاسيين حصدا للأصوات (مرسي – شفيق – حمدين – أبو الفتوح – موسى) نجد أنها بالأساس هوياتية إما لصالح المشروع الإسلامي أو فزعا من المشروع الإسلامي، ولا يتجاوز تلك الثنائية الاستقطابية إلا أبو الفتوح فكان أغلب المصوّتين له يصوّتون للطرح الوطني الجامع الذي يطرحه، وهذه حقيقة يجب البناء عليها بقوة.
  •  بينما كنا نتابع النتائج ونتناقش قال أحد الأصدقاء كلاما معناه أننا مستحقون للفوز لأننا أكثر الحملات التزاما بالمعايير الأخلاقية، فكان ردّي عليه ببساطة أنه على ما يبدو ليس هذا كافيا للفوز في الانتخابات التي على ما يبدو "بشكل عام" هي الممارسة الأكثر انتهاكا لفكرة الديمقراطية ذاتها التي تعني حكم الشعب. فللفوز في الانتخابات مقتضيات لا تتوفر إلا في ماكينات الحشد الانتخابي التي في الغالب تعتمد على الحشد على شعارات زائفة، أو تفعيل شبكات مصالح على الأرض، ليس على الخطاب السياسي "المنطقي" 
  • لذلك كان لابد للحملة أن تعلم على مستوى ما أن فرصتها في المنافسة الانتخابية ضعيفة لأنها تعتمد على الخطاب السياسي المنطقي، لا على الشعارات الهوياتية أو الأيدولوجية الزائفة. ولكن بناء على النقطة الأولى لا يجب أن يتفكك المشروع بل يجب أن يتبلور في مشروع سياسي يعمل في إطار الدولة حتى وإن فشل في الوصول إلى السلطة، (وأظنه لن ينجح في الوصول للسلطة وإن ظل ينافس) فهو يمكن أن يمثل رقما صعبا في المعادلة السياسية يحرسها من الاعوجاج، وليس الأمر بالعسير فلا يجب على مشروع "مصر القوية" سوى أن يبلوّر مشروعه السياسي في كيان مستقل يتواجد في المعارك السياسية بهدف ضبط الإيقاع دون أن يكون جزءا من مشروع آخر .. فمثلا في جولة الإعادة عليه أن يعلن دعمه للطرف الأقل محافظة (نقول مجازا الأكثر ثورية) دعما مبادئيا دون أن يكون جزءا منه على المستوى الحركي
  • بالإضافة إلى التواجد في المعارك السياسية على ذلك الكيان أن يخلق أجندته "السياسية" الثورية حتى لا يكتفي بدور الحارس الذي يمنع الممارسة السياسة من التراجع بل يدفعها للأمام ويعيد تشكيلها أيضا ويعطي فرصة للثورة أن تتجذر اجتماعيا


والله أعلم


باسم زكريا السمرجي
25/5/2012

السبت، ١٩ مايو ٢٠١٢

لا انتخابات تحت حكم العسكر؟!

أتفق مع الذين يرفعون شعار "لا انتخابات تحت حكم العسكر" وأختلف مع دعوة الكثير منهم لمقاطعتها. وأتفق مع الذين اختاروا خوض غمار الانتخابات – مرشحين وداعمين ومؤيدين ومصوّتين – وأختلف مع خطاب الكثير منهم الذي يتصوّر أننا فعلا بصدد انتخابات حقيقية تحت حكم العسكر. يبدو التناقض جليا في العبارة السابقة، غير أن معركة متناقضة كمعركة انتخابات الرئاسة التي نحن بصددها لا تصفها سوى عبارة متناقضة كتلك.

نظريا، انتخابات الرئاسة – كأي انتخابات – تدور في الحيز السياسي يحكمها قانون العرض والطلب؛ فهي عملية تنافسية بين أطروحات وبرامج يدفع بها أصحابها لسوق السياسة بهدف جذب أكبر عدد من المشترين، ويفوز بها من ينجح في إقناع أكبر عدد ممكن من الناس أن معروضه من البرامج والأفكار السياسية هو ما يخاطب – بأكبر قدر ممكن من الكفاءة – احتياجاتهم. وتفترض النظم الديمقراطية المستقرة أن تكون حدود وقوانين سوق السياسة موضوعة مسبقا ومعلومة للكافة ومُتفّق عليها من الجميع حتى تتحق ما يمكن أن تسمّى بالمنافسة الشريفة بين البرامج والأطروحات السياسية المختلفة.

أما انتخابات الرئاسة التي نحن بصددها في مصر فهي انتخابات تُجرى في خضم ثورة حيث حدود وقوانين السوق السياسي مازالت لم تُرسم بعد. والأهم أنها أيضا تقام في ظل حكم عسكري يُفترض بموجبها أن "يسقط حكم العسكر" فيُخضع العسكر أنفسهم لسلطة المدنيين. وهو أمر لم يُبد المجلس العسكري حياله نوايا طيبة؛ فمن كان واهما أن المجلس العسكري سيغلّب منطق الرشد على منطق القوة – فيسلّم السلطة "المطلقة" للمدنيين المنتخبين –  لابد أن يكون قد أفاق على المحاكمات العسكرية للمدنيين أو محاولات المجلس العسكري لفرض وضع مميز في الدستور أوغيرها من الممارسات التي لم تدع مجالا للشك أن المجلس العسكري يغلّب منطق القوة على منطق الرشد وأنه لن يدع السلطة تفلت من يديه دون أن يضمن لنفسه موقعا وصائيا ما على السلطة المدنية.

لذلك فإن معركة الانتخابات الرئاسية – على أفضل تقدير – هي معركة إصلاحية لا تتعدى كونها درجة أرقى من الممارسة الديمقراطية لم يمر بها الشعب المصري من قبل. ولكن من ناحية أخرى، فإن الثورة حيث تكون الجماهير، وإلا تحوّلت لسجالات فكرية نخبوية لا تكون الغلبة فيها للفكرة الأصلح بل لمن لديه ما يكفي من القوة لفرض فكرته. ولا يخفى على أحد أن الجماهير شغوفة بخوض غمار الانتخابات الرئاسية، رغم أن تلك الانتخابات تقوم تحت حكم العسكر الذي بدأت معدلات الغضب الجماهيري تتزايد في مواجهته. ربما يلوم البعض على الجماهير ذلك الوعي المتناقض غير أن الجماهير لها فلسفتها التي لابد أن نحترمها حتى نستطيع أن نفسّرها ومن ثم نستطيع الاشتباك معها بدلا من التعالي عليها، هذا إن أردنا الحديث عن الثورة!

لكن، هل يعني هذا أنّ علينا أن نخوض تلك المعركة بقواعدها التي فرضتها السلطة طالما الجماهير اختارت ذلك؟! بالقطع لا، فدور المثقفين والنشطاء والنخب أن يكونوا مع الجماهير لا ليسلّموا لهم أنفسهم بل ليكتشفوا ويكشفوا عن التناقضات الكامنة في كل أطروحة من أطروحات السلطة واستخدام تلك التناقضات للوصول إلى أطروحة مضادة تقود إلى قدر أعلى من التحرر من هيمنة السلطة؛ أي أن علينا أن نحول المعركة الإصلاحية لمعركة ثورية من خلال حركة الجماهير من داخلها فلا نتعالى على معارك الجماهير ولا نخضع لها تماما بل نشتبك معها.

والاشتباك مع معركة انتخابات الرئاسة فرصة حقيقية لتجاوز الاستقطاب الإسلامي العلماني الذي أوقد ناره المجلس العسكري في استفتاء مارس وساهم في إشعالها على مدار عام ويزيد بقصد أو بدون قصد النخب السياسية الإسلامية وغير الإسلامية على السواء، مما جعل الخيار المطروح على الجماهير خيارا هوياتيا بين الإسلام واللاإسلام بدلا من أن يكون خيارا سياسيا بين الثورة واللاثورة، فتأخرت الثورة كثيرا وتم التشويش عليها بذلك الاستقطاب الهوياتي الزاعق. من هذا المنطلق، يستطيع أن يستغل الثوار الاهتمام الجماهيري بمعركة انتخابات الرئاسة لخلق تيار قوي يخرج بخطاب الثورة من الغرف النخبوية المغلقة ويطرحه على الجماهير خطابا يؤكد على أن أجندة الثورة هي أجندة سياسية لا هويّاتية تتبنى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع أي؛ إعادة توزيع السلطة والثروة بين أفراد المجتمع بحيث تسترد الأغلبية المظلومة قدرا من حقوقها من الأقلية المتحكمة في هيكل توزيع الثروة والسلطة الحالي. فإن نجح ذلك التيار في الوصول إلى السلطة، تكون أجندة الثورة قد استطاعت أخيرا أن تدق أبواب السلطة مدعومة بجماهير اختارتها في الصندوق كما صنعتها في الشوارع من قبل، وتستمر القوى الثورية في ممارسة الضغط من أسفل على الرئيس لمعادلة ضغط جماعات المصالح – المُهدَدة بالثورة – من أعلى فتستطيع الثورة أن تستكمل مسارها وأن تؤسس بيئة سياسية مناسبة لمنافسة ديمقراطية تجري في الانتخابات اللاحقة، وإن لم يستطع ذلك المشروع الوصول إلى السلطة فإنه سيبقى نواة وأساس لمشروع معارض قوي يستكمل المعركة في الشارع بشكل أكثر تنظيما، يكشف عورات السلطة ويطرح خطابا ثوريا وبديلا سياسيا مقنعا للجماهير.

لا أتصور أنه يمكننا الحديث عن الثورة ونحن نخضع لخطاب السلطة فنتحدث عن انتخابات الرئاسة وكأنها انتخابات حقيقية بين مرشحين وبرامج، كما أنه لا يمكننا الحديث عن الثورة أيضا ونحن نتعالى على معارك الجماهير أو ونحن نساهم في تشويش وعيها بتعميق الاستقطاب الخاطئ الذي لا يصب إلا في مصلحة المالكين الحاليين مفاتيح السلطة والثروة في البلاد



باسم زكريا السمرجي
19/5/2012

الجمعة، ٤ مايو ٢٠١٢

ليلة الغريبين


ليلة فيها ارتكبنا السماء

غريبين كنا وكان القمر كسولا ملتحفا بالسواد

حتى رآنا .. توسّل إلينا كي نؤجل حكايتنا

حتى يستطيع أن يعبّئ ذاكرته بالحكايا الجديدة

كما يتوسل إليّ الوزن الآن لكي يمسك بزمام القصيدة

لكن، كان النسيم أضعف، كما هو طيفك الآن ..

وأنا يا غريبة كما تعلمين ..

قوي على البندقية، ضعيف أمام النسيم

وليس في ذلك مقابلة أو تضاد .. بل هو عين الترادف

***

على حافة التوهج وقفنا طويلا

نسلم أنفسنا للنسيم .. فيحملنا

بعيدا إلى ساحة الامتزاج السماوي البريء

إلى الكمال الذي لا يكتمل إلا باشتياقه المتجدد لنقصانه

***

كنا غريبين حتى أسكرنا النسيم

وامتدت برفق يداه، تنزع عنا رداء الغرباء ..

فنخرج من حدودنا إلى اللاحدود،

حيث تتشابه أوجه حجر النرد

فيصير كل شيء لا شيء ..

ويصير اللاشيء كل شيء

ربما لهذا زهدنا فتجاوزنا التوهج لما هو أبعد

***

وما بعد البعيد ..

لا تهم اللغة،

فكان الكلام لنا هو ذلك النقصان ..

المكمل لاكتمالنا



وما بعد البعيد..

لايهم من نكون أو ما نكون

فلقد رأيتك فراشة ورأيتك غزالة

ورأيتك في كل تلك الصور التقليدية التي تعلمناها في المدارس

ورأيتك مئذنة تخرج من سطح كنيسة

مصباحا كهربائيا خافتا ..

يتظاهر بأنه "لمبة جاز" تقليدية

رأيتك قمرا جنوبيا حملته رياح الشمال

ورأيتك أغنية تفرد لي جناحها لأنام

فكان من الطبيعي أن أستيقظ لأجد نفسي طائرا

يجيد الغناء

***

كنا غريبين .. وكانت الليلة

فارتقيناها لتوغل في غربتها

بينما نحن صعدنا فلم نعد كذلك




باسم زكريا السمرجي
2/5/2012

الأربعاء، ٢ مايو ٢٠١٢

شهادتي على اشتباكات العباسية

مبدئيا .. أنا عارف إني مش هاجيب التايهة ومش هانوّر المحكمة ومش هاجيب الديب من ديله بس بشكل ما حاسس إن عليا واجب إني أدوّن اللي شفته النهاردة، وعارف كمان إن مش كل ما يُعرف يُقال وكده بس متهيألي إن الحقيقة وقتها كل وقت والثورة قامت علشان ندوّر ع الحقيقة مش علشان نتاجر بيها ونشتغل "سياسة"

امبارح بالليل طبعا زي معظم الناس معرفتش أنام وصحيت الصبح مقدرتش أعمل أي حاجة غير إني أروح على الاعتصام. نزلت محطة مترو كوبري القبة ومشيت الخليفة المأمون كله الدنيا أمان والمواصلات ماشية ومفيش أي حاجة لحد ما وصلت للاعتصام عند ميدان العباسية برضه الدنيا أمان والعدد قليل جدا في الاعتصام، وأنا ضعيف في تقدير الأعداد لكن ما أظنّش إنهم يعدّوا مئات .. وصحيح مشفتش ولا يافطة لحازم أبو إسماعيل لكن أغلب المعتصمين سلفيين وده طبعا مش معناه إنهم يُعتدى عليهم أو يُسلبوا حق من حقوقهم بأي شكل من الأشكال.

المهم، عديت الاعتصام ولاقيت ناس من ناحيتنا محتلة الكوبري مأمّناه (وأنا مش هاقول ثوار وبلطجية .. هاقول من ناحيتنا ومن ناحيتهم) وساحة المعركة الأساسية هي موقف أوتوبيس العباسية .. الملاحظة الأساسية هي إن الناس اللي من ناحيتنا والناس اللي من ناحيتهم شبه بعض، الفرق بس إن ناحيتنا في سلفيين كتير .. السلاح الأساسي في المعركة الطوب والمولوتوف، وشفت اتنين من الناحية التانية معاهم فِرَد خرطوش .. واللي بيحصل كالآتي: احنا محتلين ساحة موقف الأوتوبيسات كله تقريبا معظم الوقت وهم واخدين البيوت في ضهرهم والطوب والمولوتوف شغال، وفي كذا فرشة خضار اتحرقت في الموقف من المولوتوف بتاعنا، وكل شوية العيلين اللي معاهم خرطوش يضربوا علينا فنرجع لنص الموقف أو نرجع لحد ما نجيبهم عند الكوبري فالناس اللي واقفة فوق الكوبري تحدف عليهم من فوق فيرجعوا ونتقدم تاني .. وهكذا، يتقدموا فنرجع ونتقدم فيرجعوا، في معركة متكافئة لأقصى حد .. مشفتش إصابات عندهم لكن شفت عندنا إصابات أغلبها من الطوب

الناس اللي بيضربوا علينا قلت إنهم شبهنا، وفيهم حتى عيال صغيرة وناس تانية بتحدف طوب حتى بطريقة ماتدلّش على إنهم محترفين إجرام .. لكن في ناس منهم شكلهم فعلا محترفين إجرام، وفي ناس من عندنا شكلهم برضه محترفين إجرام والسلاح الوحيد اللي شفته من ناحيتنا واحد معاه مطواة كان عايز يدخل الناحية التانية يجيب واد كده كان بيحاول يستفزّنا .. (بالمناسبة، أرجوكم محدش يزايد عليا في حوار الناس اللي شكلهم محترفين إجرام ده، أنا ولا شاب برجوازي ولا طبقى وسطى ولا كل الكليشيهات دي)

في ميدان العباسية العربيات بتعدّي عادي .. وشفت حالتين مرة عربية تاكسي ومرة عربية سوزوكي صغيرة معدية والناس حدفت عليها طوب لسبب مش فاهمه في حالة السوزوكي لكن في حالة التاكسي على حسب ما فهمت إن الراجل كان بيزمّر لهم علشان يعدّي .. وشفت حالة تانية لواحد كان ماشي وبيقول كلام من نوعية خربتوا البلد فواحد من ناحيتنا قلع له الحزام وكان هيدبّ فيه لولا الناس حاشته .. سمعت من أكتر من حد كلام عن الإحباط وعن إنها شكلها كده مش هتخلص إلا لو جبنا سلاح .. أنا مشفتش سلاح بعيني لكن كان في ناس بتتكلم عن "رغبة" مش "نية" في إنهم يجيبوا سلاح وذخيرة

الخلاصة: أنا أول مرة أبقى متلخبط لأن اللي بيدبّوا من الناحيتين زي ما قلت شبه بعض .. شكلهم مدني وماستبعدش يكون في بلطجية في الناحيتين فالموقف الأخلاقي فعلا صعب وهي مش هتتحل إلا بإن الناس ترجع لمكان الاعتصام وماتخرجش منه تمهيدا لفضّه لأن الموضوع قلب لتار مع أهالي العباسية .. وسمعت كلام إن أهالي العباسية بيقولوا احنا مش **لات علشان تيجوا تضربوا فينا، ماتضربوا في اللي بيضربوكوا (ويقصدوا الجيش والشرطة)

آخر حاجة: محدش يحمّس الناس إنها تنزل تنصر اخواتنا اللي بينضربوا هناك لأن اللي بيضربوا برضه شبه اخواتنا اللي بينضربوا واحتمال يكون منهم إصابات وشهداء برضه أنا معرفش .. اللي عايز ينزل ينزل بمبادرة كبيرة لمحاولة تخليص الناس وإرجاعهم

الحاجة اللي بعد الأخيرة: الدم اللي سال متحمل جزء كبير من مسؤوليته حازم أبو إسماعيل ... أنا أتقرب إلى الله ببغضي هذا "الرجل"

ملحوظة: دي شهادتي ليوم الأربعاء 2 مايو 2012 من حوالي الساعة 9:30 صباحا إلى حوالي الساعة 12:30 مساء



باسم زكريا السمرجي
2/5/2012

Reflections about Vienna


Last week, I was invited to Vienna to talk about the Egyptian Revolution. Although the visit was too short and very condensed I got the chance of knowing some of the Austrian people who, I dare to say, became my friends by now. And as it was my first time to be to Europe and as learning is what drives me most, I went there with my mind wide open to learn as much as I can from the experience. Before going any further, I’d like to thank all the people I met there and were a source of inspiration to me: Magda, Helmut, Martina, Klaudia, Ramin, Andre, Katrin, Reza, Sara, Nadia, Ines, Nadja, and Patrizia.

What was very inspiring for me is the fact that however different our societies are, deep down we are the same human beings; we share the same pains and fears, and same hopes and aspirations. For example, I enjoyed the quietness of the city which we lack in a crowded city like Cairo and while I was thinking that every human being would love to live in a quiet place like this my friends there was bored of this quietness and seeing it as a sign of lack of liveliness. Another astonishing example for me was that while I was discussing with some of my friends how weak the Egyptian state were to the extent that it was controlled by the interest groups, they responded that it’s the same with the Austrian state – but maybe with a nicer interface – to the extent that they told me that in Egypt it’s much better that the people started to realize and mobilize; I became more appreciative of what is happening in Egypt but I became more aware of how similar we are in our deep human nature, and I became more aware of a theoretical fact I learned before but I’ve seen it manifested before my eyes; that identities are socially constructed illusions not humanly embedded nature, and the sad fact is that they are constructed upon what differentiates us rather than what unites us, which distracts our consciousness and thus our struggles to be between peoples instead of being against the minorities who control our resources in each and every country, a distraction that benefits nobody but those minorities and false battles which have inevitable outcome of further consolidation of the authorities in the hands of those minorities.

An interesting lesson I learned also was that I became more appreciative of the genius of Karl Marx, the guy who invented the concept of Dialectical Materialism; that each and every historical epoch carries within its own contradictions which gives the people the opportunity to push for a higher degree of emancipation. I’ve seen it in the revolution of the means of the communication which in one hand allowed the authorities to extend their hegemony over us, and on the other hand made it easier for us to get together, understand each other and unite against the authorities. Another example of the Dialectical Materialism was extremely manifested in the English language which is from one hand considered as a sign of the United States hegemony and on the other hand made it easier for us to damn this hegemony in the same language and think how we can encounter it.

In one final word, they are not “they” .. they are just another group of “we”; the big human family.

Bassem Zakaria Al-Samragy
May 2nd,2012


P.S.: don't count that much on Austrian friends to show you around the place .. they are just as tourist as you are :P

السبت، ٧ أبريل ٢٠١٢

عن عمر سليمان وحتمية التوحّد

لو مستعجل، اقرا الخلاصة على طول


قاعدة
ليست الثورة صورة جماعية يقف فيها الجميع صفا واحدا، يرسمون ابتسامة بلهاء على وجوههم. بل إن الثورة صراع بين تصورات متناقضة تناقضات جوهرية، وحّد بينها النظام السابق الذي طال استبداده الجميع، فما أن كسرت الثورة قشرته حتى تسارعت القوى السياسية في ملء الفراغ الضئيل المتولّد عن كسر تلك القشرة، وبالفعل نجحت جماعة "الإخوان المسلمون" في شغل ذلك الفراغ.


تمهيد
أتفق مع صديقي الباحث علي الرجّال في أن الثورة المصرية تحمل في طيّاتها ثلاثة أنماط، الثورة المضادة ويتمثّل في المجلس العسكري، والنمط الإصلاحي ويتمثل في جماعة "الإخوان المسلمون" والنمط الثالث وهو النمط الثوري السائل الذي يتمثل في مجموعات وأفراد لا يجمعهم تنظيم أو حتى عدد محدود من التنظيمات.

تتفق قوى الثورة المضادة مع القوى الإصلاحية في عدة نقاط أهمها:

  • أن كلا منهما متمثل في مؤسسة هرمية تسير فيها المعلومات والأوامر من أعلى لأسفل، مما يسهّل عليهما الحركة ككتلة صلبة في اتجاه محدد
  • أن كلا منهما ذو عقلية محافظة، لا يستطيع أيا منهما الدفع في اتجاهه بشكل راديكالي نظرا لمركزية فكرة مصلحة الدولة – التي تتأثر بالقطع بأي حركة راديكالية في أي اتجاه – في النسق الفكري لكل منهما، ونظرا أيضا لطبيعة الإدارة المترهلّة في كلتا
  • نظرا للطبيعة المؤسسية لكل منهما نجد أن كليهما يتعالى على الفصيل الثالث – قوى الثورة – وينظر إليه على أنه مجموعة من التحركات العشوائية التي لا يجب أن يُلقى لها بال. فنجد أن كلتا المؤسستين لا تتحركا في اتجاه الثورة إلا اضطرارا
تسهّل نقاط الاتفاق السابقة عملية عقد الصفقات بين الطرفين (وأقصد هنا الصفقات بمعناها المحايد لا بمعناها السلبي). ليس هذا فحسب، بل إنها تسهّل على الولايات المتحدة عقد الصفقات والتفاهمات مع كليهما، فليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تصطدم تلك القوتان، فصراع الأفيال لا يخرج منه الرابح إلا مثخنا بجراح قد تمنعه من السيطرة على النمل العشوائي الذي لا يمكن التنبأ بحركته. لذلك فإننا نعلم أن الأمريكان حاولوا التوسط بين الإخوان والمجلس العسكري في أزمتهم الأخيرة. وعلى ذكر الأزمة الأخيرة، فقد لا أجد تفسيرا سوى أن الإخوان لم يرضوا بترسيم حدود السلطة بينهم وبين المجلس العسكري – ذلك الترسيم الذي ربما تم برعاية أمريكية – وأرادوا أن يزيدوا من مساحة سلطتهم، الأمر الذي لم يسمح به المجلس العسكري فتصاعدت وتيرة "العِند" بين الطرفين حتى دفع الإخوان بمحمد مرسي كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر الذي يبدو أن وضعه القانوني لم يتم تسويته بالكلية. ورغم أني أتصور أن الخلاف بين المجلس العسكري والإخوان خلاف حقيقي إلا أنني لا أتصور أن ينزل أيهما لساحة مواجهة مباشرة نظرا لطبيعة كليهما المحافظة


عن عمر سليمان
أولا: من لا يرى في معركة الرئاسة معركة من معارك الثورة فليقدم بديلا "عمليا" (يعني نعمل ايه بكرة الصبح؟!) أما الترفّع عن تلك المعركة دون طرح بديل هو من قبيل الترف الفكري الذي لا ينتج تغييرا ولا علاقة له بالثورة، فالثورة فعل جماهيري، والجماهير عكس الأفراد لا يمكن أن تنعتق من هيمنة السلطة بشكل مفاجئ بل يخضع ذلك الانعتاق لمنطق الجدلية التاريخية، فكل محاولة من السلطة لإنتاج نموذج للهيمنة تحمل في طيّاتها تناقضاتها التي تمكّن الجماهير من الثورة نحو درجة أعلى من الانعتاق.
ثانيا: في حقيقة الأمر، لا أخشى عمر سليمان، فكيف أخشى ممن كان على رأس جهاز أمني لم يعلم عن الثورة شيئا حتى وجدها في الشوارع؟! بل على العكس، فإن ترشح عمر سليمان يجلب للضوء ما كان خفاؤه كفيلا بحفظ هيبة جهاز المخابرات، جهاز الدولة الأشرس وربما الجهاز الأخير في الدولة الذي لا يزال يتمتع ببعض الهيبة. ولا أتصور أن عمر سليمان قد ينجح في انتخابات حرة، ولا أرى داعيا أن أبرهن على ذلك، فعمر سليمان لن يجني من تلك الخطوة سوى "التهزيئ" وهو أمر محمود بالقطع بالنسبة للثوار .. (حد يطول تيجي له فرصة يهزأ المخابرات؟!:) )

ولكن ملابسات الدفع بعمر سليمان تكشف أنه مرشح شبكات مصالح النظام العميق الحقيقي، فأحمد شفيق أضعف من أن يكون كذلك وعمرو موسى كان مُبعدا عن النظام لمدة 10 سنوات وهي مدة ليست بالقصيرة، أما عمر سليمان فكان في قلب النظام، وعلاقاته مع أمريكا وإسرائيل لا يلزمها بيان. لذلك نجد أن التليفزيون المصري استضاف توفيق عكاشة عشية إعلان عمر سليمان عزمه على الترشح، ليتحدث عن دعوته لمليونية تأييد عمر سليمان، تلك التظاهرة الضئيلة التي على أثرها أعلن عمر سليمان استجابته لجموع الشعب وعدوله عن قراره الأول بالعزوف عن الترشح ! وفي أعقاب ذلك القرار نجد أن التليفزيون المصري يذيع نبأ كاذبا عن انسحاب أحمد شفيق وخيرت الشاطر لصالح عمر سليمان، ثم يذهب عمر سليمان في اليوم التالي ليسحب أوراق ترشيحه في حراسة الجيش !

كل تلك الملابسات تكشف لنا أن النظام سيدفع بكل طاقته خلف عمر سليمان حتى وإن وصل الأمر للتزوير المباركي الفج، وهو ما أراه سيحدث. وهذا يضعنا أمام احتمالين، إما أن ينزل الناس إلى الشوارع اعتراضا على التزوير في مواجهة مفتوحة مع النظام، أو يرضى الناس بما آلت إليه الأمور ولا ينزل إلى الشوارع إلا "قلة" تُفتح لهم المعتقلات.


الخلاصة
إن كان التوحّد حتمي إما في مواجهة رصاص النظام وإما في المعتقل، فلم لا نتوحّد "بمزاجنا"؟! إن كنا نستطيع أن نربح معركة بدون دم فلم نُضطر إلى الدم؟!

لا أتصور أن هناك أي وسيلة لمنع احتمالات المواجهة الدامية مع النظام سوى أن تشكّل قوى الثورة مجلسا رئاسيا من المرشحين المحسوبين على الثورة قوامه مرشح ونائب أو اثنين. وأقصد بقوى الثورة في ذلك السياق (حملة أبو الفتوح، حملة حمدين صباحي، حملة خالد علي، وكذلك البرادعي ومؤيدوه) ولا أطرح تشكيلا بعينه لذلك المجلس الرئاسي، فقط ما أرجوه هو أن تتفق تلك القوى على معادلة ما أيا كانت صيغة تلك المعادلة. فإن كانت الثورة معركة متناقضات كما ذكرت في أول كلامي فإن وصول عمر سليمان للحكم (بأي طريقة) يعيدنا للمربع رقم واحد حيث الاتفاق حتمي. والخيار لنا، إما أن نغلب هوى النفس على الوطن فنخسرهما وإما أن نؤخر هوى النفس قليلا لصالح الوطن فنربحهما


باسم زكريا السمرجي
7/4/2012