الثلاثاء، ٢٦ يوليو ٢٠١١

الثورة المصرية ... محاولة لتصحيح المسار

لا يخفى على أحد من العقلاء أننا نمر بأكثر مراحل الثورة حساسية منذ قيامها، تلك المرحلة التي أكثر ما تفرضه علينا الصراحة مع أنفسنا والاستعداد التام للنقد الذاتي بهدف اشتكشاف أخطائنا وتصحيح المسار. وفيما يلي أحاول أن أقدم رؤيتي لتلك المرحلة من الثورة أعترف فيها بأني لم أنجح في التحييد الكامل والتام لمشاعري الذاتية السلبية تجاه كل من يغتال رمزية ميدان التحرير الآن سواء من المتواجدين داخل الميدان أو خارجه.

إن عجلة التغيير في المجتمعات تدور بتراكم يؤدي إلى انفجار ثوري، يحدث ذلك التراكم عن طريق التدافع على امتلاك الحيز العام بين طرفين، الطرف الأول فيه السلطة، والطرف الثاني فيه طليعة شعبية تنازع السلطة على الحيز العام. و السواد الأعظم من الشعب يكون طرفا ثالثا خارج إطار ذلك التدافع حيث اكتفى بممارسة إرادته على حيزه الشخصي وبمشاهدة معركة الحيز العام دون أن تعنيه. تستمر تلك المباراة ويستمر ذلك التدافع حتى لحظة ما يشعر فيها الطرف الثالث – لأسباب تختلف باختلاف السياق – أن المعركة معركته وأنه لابد أن ينتقل من المشاهدة إلى المشاركة، وهنا يكون الانفجار الثوري وتضطر السلطة حينها أن تتنازل عن الحيز العام لصالح المواطنين الذين يديرونه فيما بينهم حتى يُعاد إنتاج التدافع مرة أخرى عن طريق تحول بعض المواطنين إلى سلطة أخرى، وهكذا تدور عجلة التغيير في مسار دائري لا تصل إلى نقطة التحقق إلا لتعيد إنتاج نفسها مرة أخرى، فالتغيير سنة الحياة. صحيح أن شكل الدولة الحديث القائم على التمثيل والتفويض لا التشارك ساعد على تعطيل عجلة التغيير بعض الشيء لكن هذا موضوع آخر ليس هنا مجاله.

في الثورة المصرية، حدث ذلك الانفجار الثوري حينما أصبح النظام المخلوع عدوا للشعب كله الذي كان يقف على الحياد يشاهد المباراة، وساعد في تأجيج ذلك الانفجار غباء النظام المخلوع في التعامل مع الغضب الشعبي، حيث كانت كل ردود أفعاله التي تتسم بالكبر الشديد تستفز الشعب في مجمله وتستعديه ضده، حتى أجبرت المؤسسة العسكرية نفسها على الانضمام للثورة. وتحليلنا لموقف المؤسسة العسكرية لا يمكن أن يكون تحليلا بسيطا يختزل الجيش في موقف أحادي البعد إما مع أو ضد، بل لابد حين نحلل موقف الجيش أن ننظر إليه نظرة بها قدر أعلى من التركيبية ومراعاة تعدد الأبعاد، فالجيش كأفراد هم صورة من المجتمع المصري، منهم من هو مع الثورة ومنهم من هو في صف النظام السابق إما لفائدة مادية من الفساد أو لأنه تماهى مع النظام السابق كالعبد الذي يتماهى مع سيده تماهيا يُشعره بأن الحياة بدونه غير ممكنة. غير أن ما المشترك بين أفراد الجيش المنتمين إلى المؤسسة العسكرية العقلية المحافظة التي تؤخرهم عن مربع الفعل إلى مربع رد الفعل، لذلك كان موقفهم من الثورة دائما يعتمد على حركة الشارع نفسها، وحينما كان الزخم "الشعبي" في الشارع أكبر وأضخم من أن يُطعن عليه، انحازت المؤسسة العسكرية لا للثورة، ولكن لأقل الخيارات خسائرا من وجهة النظر المادية.

الأزمة أننا ونحن نستكمل ثورتنا ونهتف "الجيش والشعب إيد واحدة" لم نفرّق بين تفاعل أفراد الجيش وحسابات المؤسسة العسكرية التي تتعلق باستمرار انحيازها لأقل الخيارات خسائرا من وجهة النظر المادية، واعتمدت في ذلك على رومانسيتنا الزائدة في التعامل مع أنفسنا التي جعلتنا نغفل أن الشعب حديث عهد باقتحام الحيز العام، فسهّلت تلك الغفلة على المؤسسة العسكرية مهمة فتح أبواب خلفية في قطار الثورة ينزل منها الشعب ويعود مرة أخرى إلى Comfort Zone اعتاد عليها وهي موقع المشاهدة، وباستمرار تغافلنا وربما تعالينا على الشعب انتقل كثير من فئات الشعب من موقع المشاهدة إلى موقع رفض الثورة أصلا، وهذا واقع لايجب أن تذهب بنا نرجسيتنا الثورية بعيدا لننكره.

ومما عمّق الأزمة أن القوى الثورية نفسها انقسمت وصارت لا ترى إلا عيوب بعضها البعض، فالثوار في الميدان تقودهم مزايداتهم الثورية إلى العديد من المواقف التي أقل ما توصف به هو الرعونة والتهور أو الخوف من المزايدات المضادة كما لو كانت الثورة مجرد "خناقة" يسعى كل طرف فيها ألا "يعلّم" عليه الطرف الآخر، والثوار خارج الميدان قادتهم مزاياداتهم الوطنية إلى التنقيب عن أخطاء الميدان وتضخيمها وجعل تلك الأخطاء هي عنوان الميدان حتى يبرروا لأنفسهم التخلي عنه.

ما يُضفي على هذا المشهد شكل من أشكال العبثية أو الكوميديا السوداء هو أن كل الحركات والأحزاب المنظمة في مصر لا تستطيع "مجتمعة" أن تكوّن كتلة حرجة مصرية، والثورة خير دليل على ذلك، فما بالك إن كانت متناحرة فيما بينها؟!

الخطورة أنه لو استمر الأمر على ماهو عليه فسيستمر تساقط الشعب من قطار الثورة وستتحول الثورة إلى صدام بين طليعة ثورية طائشة وسلطة عسكرية غاشمة صداما قد يقدم في مرحلة من مراحله ذريعة للمؤسسة العسكرية أن "تقوم بدورها في حماية البلاد من أيدي المخربين والعملاء" وسيكون دورا يحظى بتأييد شعبي خاصة وأنه يخاطب هاجسا عن المصريين مفاده أن مصر لا يصلح لها إلا العسكر.

وفي ضوء ما سبق يبدو أنه لا أمل لنا إلا أن تتوقف القوى الثورية عن النظر لبعضها البعض، أو بمعنى أدق النظر لعيوب بعضها البعض وأن تكف عن المزايدات الثورية أو الوطنية، فكلنا مصريون امتزجت دماؤنا واختلطت احتمالات استشهادنا، يجب أن نكف عن المزايدات وأن نصارح أنفسنا بحقيقة أنفسنا وبأنه لا نجاة لنا إلا بظهير شعبي من الشارع، فما يجب علينا الآن الآن وليس غدا، هو أن نتوجه للشارع كلنا بالملفات التي تمس حياتهم وهي كما أراها ثلاثة ملفات حالّة هي ملف القصاص من قتلة الشهداء، وملف الأمن، وملف العدالة الاجتماعية، ويجب أن نُحيّد تلك الملفات من تحيزاتنا الأيدولوجية والفكرية بل أن نطرحها على الشارع كأهداف للثورة أعاق التقدم فيها تعثر الثورة وليست الثورة ذاتها، بدون ذلك فـ 1954 سيكون ذكرى لطيفة مقارنة بـ 2011

لا يسعني إلا أن أعلن عن افتقادي الشديد للعبقري جمال حمدان، رحمه الله



باسم زكريا

26/7/2011

باحث في مركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية

السبت، ٢٣ يوليو ٢٠١١

الجيش والنخبة ... إيد واحدة

أولا: أنا هاكتب بالعامية علشان مهتم إن كلامي يوصل لأكبر قدر ممكن من الناس

ثانيا: لو مهتم تقرأ المقدمات اللي بنيت عليها النتايج دي فهتتعب نفسك معانا معلش وتقرا المقال كله. أما لو مهتم تعرف الاستنتاج النهائي وخلاص يبقى حضرتك تدخل على طول على الفقرة رقم 5 (اللي تحتها خط) أما لو مهتم تعرف النتيجة النهائية أوي (البرشامة يعني) فحضرتك هتقرأ الفقرة اللي أولها "طيب الحل ايه من وجهة نظري المتواضعة يعني؟"


على ما أظن إن دلوقتي دخلنا في مرحلة من مراحل الثورة لاتحتمل إننا نفضل نردد أساطير الجيش والشعب إيد واحدة، والجيش هو اللي حمى الثورة، وإن الشعب المصري بيدوب في التراب اللي بتعطره البيادة الميري. احنا كلنا بنقول لبعضنا مبروك لما ناخد إعفاء من التجنيد الإجباري وبنعزم بعض وبنحتفل، واللي بيدخل علشان "يخدم الوطن" بنقول عليه لبس في الحيط وبيفضل يجيب وسايط علشان يحاول يروح حتة يعمل فيها شغل إداري لطيف ويروّح بيتهم كل يوم وكده ... فين بقى حب الشعب للجيش ده؟

أولا الجيش مش حاجة واحدة، يعني ماهوش مجموعة من باتمان وسوبرمان وأبطال "الكوميكس" اللي هم الخير المطلق ولا مجموعة من الشياطين يعني، هم مجموعة من المصريين فيهم الطيب وفيهم الشرير، فيهم اللي مع الثورة واللي ضدها، فيهم اللي كان مع التوريث واللي ضده، والكلام ده مش على المجلس العسكري بس إنما على الجيش كله. يعني العساكر والظباط اللي تعاطفوا مع الثورة ليهم زمايل تانيين ضربوا الشباب عند سفارة الصهاينة، وليهم زمايل تانيين هم اللي عذبوا الشباب في المتحف وهكذا. إنما المشترك في كل العقليات العسكرية هي إنها عقليات محافظة مش ثورية راديكالية. قبل ما تاخد الخطوة لازم تفكر مليون مرة في كل الاحتمالات، وده بالظبط اللي حصل في الثورة.

الجيش "تفاعل" مع الثورة وكان بيستجيب لموجاتها إنما ماكانش بيحميها، ليه بقى؟ زي ما قلنا لأن الجيش مش على قلب رجل واحد أصلا فاللي بيحصل إن الجيش كان بيتفرج على الثورة ويحسب احتمالات التدخل في كل مرحلة من خلال أجهزتهم المعلوماتية، وكان دايما الرد بيجي إن الشعب ده عنده استبيع وعنده استعداد يموت علشان مبارك يرحل، وكان منظر الناس اللي بتنام في الميدان تحت جنزير الدبابات علشان يمنعها من التحرك لفض الاعتصام كفيل بإنه يوصل الرسالة دي. وطبعا موقعة الجمل كانت فرصة كبيرة للجيش إنه يختبر قوة الثورة برضه وقوة تمسك الشعب بها وعلشان كده شفنا حياد الجيش السلبي في اليوم ده. يعني من الآخر الجيش كان بيتفرج على الشارع وبيحسب، وكان الرد اللي بييجي الشارع بيقوّي الاتجاه المنحاز للثورة في الجيش.

بعد الثورة بقى النخب التقليدية ابتدت تتصدر المشهد وتمثل الثورة وهي أصلا مالهاش أي أهلية لتصدر المشهد الثوري لأن وجودها في الثورة لم يكن يتجاوز وجود المواطن البسيط فيها بل على العكس كان كل شوية يطلعوا لنا بافتكاسة كده علشان ينهوا الثورة، لأنهم كانوا ومازالوا محبوسين في خبراتهم القديمة وماعندهمش الخيال اللازم للثورة. فلما ابتدت النخب القديمة دي تتصدر المشهد وتدوّر على مصالحها الشخصية أو تطبق رؤيتها الفكرية أو الأيدولوجية. الجيش استلمهم بقى.

الجيش ابتدا يلعب مع النخبة لعبة لطيفة أوي وهو إنه يلبّس طاقية ده لطاقية ده. يعني يجيبوا ناس من النخب الإسلامية ويفهّموهم إنهم لازم يحموا البلد من التدخل الأمريكي ومحاولات طمس الهوية والأجندات الخارجية ... إلخ ويتعاملوا معاهم على إنهم هم الوحيدين المستأمنين على البلد وكأن المعلومات اللي بيقولوها لهم دي معلومات أمن قومي "توب سيكريت" ماحدش يعرفها غيرهم. وييجي الجيش برضه (ممكن يكونوا ناس تانية في الجيش) يقعدوا مع الليبراليين والعلمانيين يفهموهم إنهم هم اللي بيحموا البلد من محاولات الإسلاميين للقفز على السلطة لتحويل مصر إلى إيران أو سعودية وبرضه يتعاملوا معاهم على إنهم هم الوحيدين المستأمنين على البلد وكأن المعلومات اللي بيقولوها لهم دي معلومات أمن قومي "توب سيكريت" ماحدش يعرفها غيرهم. الطرفين بقى يبتدوا ياخدوا مواقف على أساس المعلومات دي من غير ما يقولوا المعلومات طبعا لأنها "توب سيكريت"، واللطيف بقى إن المعلومات دي الشارع عارفها وحاسسها وماهياش "توب سيكريت" ولا حاجة خالص، فبالتالي الشارع بيتعامل مع النخبة بطريقة "لا يا شييييييخ ما صدقتكش أنا كده".

الخسارة اللي بنخسرها بقى هي الانقسام اللي بيحصل بسبب المواقف المفتعلة دي، والانقسام ده هو اللي بيضعف الطرف من الجيش اللي مع الثورة، ولأنه جيش .. يعني عقلية محافظة مش ثورية اللي هيحصل إنه هيتكتف ومش هيلاقي حجة يحمي بيها الثورة أو يكمّل الاستجابة لمطالبها أو يقف في وجه الطرف العسكري اللي طمعان في السلطة. وهينتهي الأمر للنموذج التركي الأتاتوركي على أحسن تقدير يعني ويبقى كل ثورة واحنا طيبين بقى وبعودة الأيام. الجميل بقى إن تفاعل الإسلاميين مع الشارع بيقوّي جدا الطرف الطامع في السلطة من الجيش، لأن كل اللي بيعملوه إنهم يتهموا الشارع بإنه عميل وأجندات (سمعنا الكلام ده فين قبل كده فكروني لو سمحتوا؟) وهم مش واخدين بالهم إنهم لما يسيبوا الشارع يبقى يتوقعوا إن أي حد تاني من أصحاب المصالح هيدخل يملا الفراغ. وعلى فكرة بقى الأجندات كانت موجودة فعلا في الثورة لكن "الزخم الشعبي" كان أقوى وكان مبتلع تأثير الأجندات دي، إنما لما ينفض الزخم الشعبي ده تأثير الأجندات هيبان. المهم إن الشعب دلوقتي مزنوق بين ناس أصحاب مصالح فعلا وناس عندهم مشاكل وراثية في جينات الذكاء السياسي. والتاريخ مش هينسى ده ومش هيسامحهم.

طيب الحل ايه من وجهة نظري المتواضعة يعني؟

أنا مش مع إسقاط المجلس العسكري دلوقتي خالص لأننا فعلا ماعندناش بديل لكن مع استمرار الضغط عليه زي أيام الثورة كده لحد ما نستلم السلطة المدنية المنتخبة (وفككوا من حوار الدستور أولا ده بقى انتهى) والضغط يكون كالتالي:

إن النخب (اللي عايز فيهم التاريخ يفتكروا بالخير يعني) ينزلوا للشارع تاني ويعرفوا إن الدوا مش عند الجيش أو السلطة أيا كانت، إنما الدوا عند الشعب، عند الشارع. فهم لازم ينزلوا الشارع تاني ويتكلموا على الملفات الحالية اللي بتهم الناس فعلا. ملف محاكمات القتلة (على الأقل ظباط الداخلية يعني)، وملف تطهير الداخلية، وملف "ملامح" العدالة الاجتماعية ويفضل الحشد الشعبي شغال على الملفات دي. ونفكّنا من موضوع عجلة الإنتاج والاستقرار دول دلوقتي لأن مافيش حاجة اسمها استقرار طول ما العدل ما اتحققش، دايما هيفضل في قلق واضطراب. لو عايزين استقرار حلّوا التلات ملفات دول وخلوا عندك ثقة فينا احنا الشعب إننا نقدر نعمل ده لأننا فعلا قدرنا نعمل اللي حضراتكم ماقدرتوش تعملوه من زمان وأسقطنا مبارك.

يبقى يتلغي أي كلام عن هوية الدولة ده وأي كلام عن دستور وانتخابات ووثيقة مبادئ حاكمة وكل الكلام الفارغ ده والناس كلها تحشد على التلات ملفات دول نفضل نضغط بيهم على السلطة علشان نبوظ أي خطط لعسكرة الدولة أو اختطافها من طرف فصيل سياسي دون آخر، وبعدين لما نستلم السلطة المدنية بقى نبتدي نتكلم في الاستقرار وعجلة الإنتاج والاقتصاد وكل الكلام اللطيف ده.

والله الموفّق والمستعان




باسم زكريا السمرجي
23/7/2011

الجمعة، ٢٢ يوليو ٢٠١١

في النقد الذاتي: المفكرون بين رفاهية المثالية وتحقيق الاستخلاف

بسم الله الرحمن الرحيم.

أكتب ما أكتب اليوم ما يمكن أن يُصنّف كنوع من أنواع النقد الذاتي اللاذع. وقبل أن أكتب أود أن أوضح أنني من الممكن أن أفقد جزءا كبيرا من علاقاتي الاجتماعية بسبب أن البعض لم يعتد أن يتعامل مع النقد والنقد اللاذع ولكنني لن أكون أكرم على الله من أبي الأنبياء إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام حينما كسّر أصنام قومه ثم حين يأس منهم اعتزلهم وما يعبدون وهاجر إلى ربه لا زاد له إلا إيمانه، وحسبي فيما سأقول أنني لا أقصد نقدا لأشخاص فإني أنزّه نفسي عن الارتباط "بالأشخاص" هجوما أو دفاعا، وإنما نقدي لبعض تصرفات وسلوكيات أشخاص أحترمهم وأختلف معهم وأرفض بعض تصرفاتهم وبعض سلوكياتهم، ولست ممن ينكرون المركّب الذاتي في الفعل أو السلوك أيضا ولكني فقط أتساءل من أكون أنا حتى أحكم على إنسان لا أعرف عنه إلا بعض ما ظهر من أفعاله؟ فالحكم على الأشخاص حكما كليا هو أمر خارج قدرة الخلق ولا يقدر عليه إلا خالق الخلق سبحانه.

إذا تناولنا وظيفة المفكر في التصور الإسلامي فلن نستطيع أن نتناولها بعيدا عن مفهومين يبدوان متضادين، المفهوم الأول هو مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض والمفهوم الثاني هو تأقيت الوجود في الأرض، بل وتأقيت وجود الأرض ذاتها، تأقيتا يُسقط أي تصور عن إمكانية تحقق "اليوتوبيا" أو "الفردوس الأرضي". هذان المفهومان الذان يبدوان متضادين – وهما ليسا كذلك –يحتمان على المفكر أن يكون دوره وسطا بين نقيضين، بين قعود عن العمل، وبين تعلق بنتائجه، ذلك التوسط يجعل من السعي الدائم للإصلاح، دون التعلق بالنتائج، هو الغاية. أما الوصول فلا يكون إلا في حياة أخرى. لذلك قال الله تعالى "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" اليقين الذي فسّره العلماء بالموت، والعبادة التي نفهمها بالمفهوم الشامل في إطار قوله تعالى " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرآنا يمشي على قدمين"، ولذلك أيضا عندما امتدح الله رسوله – عليه الصلاة والسلام – قال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وذلك "الخلق" العظيم ليس إلا نتيجة تمثل فلسفة التوحيد والتحقق بها تحققا انطبع على خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذكر الله لخلق النبي عليه الصلاة والسلام رسالة لنا لأن نعلم أن وظيفة الأفكار إصلاح الأخلاق ومن ثم الأفعال.

ما أشير إليه هنا هو انقلاب بعض المنتسبين إلى الفكر الإسلامي على ما تقدم واكتفاؤهم بالتمركز حول أفكارهم وتكلف العناية بصياغتها حتى يصيبهم التكلس المانع من الحركة، ويظنون ظنا – لا أدري ما مصدره – أن معركتهم في الكتب بينما معركة العوام في الشارع. ولأن الشارع – الذي هم منفصلون عنه – هو مناط اختبار أفكارهم وأطروحاتهم، تكون تلك الأفكار منفصلة تمام الانفصال عن الواقع المجتمعي، فيغيب أصحابها في عزلة شعورية عن المجتمع، ليس ذلك فحسب، بل في بعض الأحيان لا يستطيعون تمثّل ما يدعون إليه فيقعوا في عزلة شعورية عن ذواتهم. وتصير مهمتهم في الحياة لا أن يعمّروا الأرض ولكن أن يشاهدوها من شباك القطار، ساخطين على كل شيء، دون تقديم أي بديل أو محاولة لإصلاح أي شيء، هؤلاء – في رأيي – لا يختلفون عن المثقفين العدميين العبثيين إلا في اللغة. لديهم رفاهية المثالية في التنظير، فهم غير مرتبطين بإصلاح واقع ما (صحيح أن فكرة الاتصال التاريخي وفكرة "علم ينتفع به" يُخلّفه المرء بعد وفاته فكرة وجيهة ولكن حكمة الله التي اقتضت أن يولد شخص ما في زمان ومكان معينين تقتضي أولا أن يكون إعمار الأرض في ذلك الزمان وذلك المكان مناط تكليفه، فإن استفرغ الوسع ونفذت منه الأسباب فليختر الهجرة المكانية أو العزلة الشعورية) غير أن انفصالهم عن الواقع وانغماسهم في التنظير انغماسا يتيح لهم رفاهية الحلم بالمثالية حلما مُعجزا لهم ولمجتمعهم، يُعجزهم عن الحركة. ولن أقول أنه من السهل مقاومة "رفاهية المثالية" وألعاب الصياغة اللفظية للأفكار تلك أو أنني استطعت تجاوزها ولكني أرْجِع الفضل في ذلك إلى اثنين أولهما هو أستاذي د. المصطفى حجازي الفيلسوف والمفكر الاستراتيجي الذي حين ناقشته في هذا الأمر قال لي كلمتين خفيفتين المبنى ثقيلتين المعنى، قال لي إن أعمق وأعظم فلسفة هي فلسفة التوحيد التي أرسل الله بها رسله، وهي لم تكن فلسفة نظرية بل كانت فلسفة تطبيقية تسير على الأرض. وثانيهما هو د. أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي الذي أذهلتني قدرته على التعامل مع مخزونه الحضاري "القديم" – وهو يُعرّف "القديم" بأنه المتجاوز للزمن أصلا، الذي ليس له نقطة بداية – أذهلتني قدرته على الانطلاق من ذلك "القديم" إلى الواقع "الجديد" وتكييف الواقع ليتوافق مع "القديم" بأكبر درجة ممكنة.

ما دفعني إلى ذلك الحديث هو تراكم أكمل حلقاته تصريح للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر حيث قال كلاما معناه "أنه محافظ ليبرالي يميل إلى اليسار" فكان ذلك التصريح غنيمة للذين يفتشون عن فرص يومية للجدل فانبرى الجميع يعلّق على تلك الجملة ويرد على الرجل "واللي يتشدد له" على الفايس بوك. وفيما يلي أمثلة من ردود أصدقاء أحترمهم


الأخت أميرة محمد: عبدالمنعم أبو الفتوح : أنا محافظ ليبرالي أميل لليسار ،،، ده علي اتجاه القبلة طريق إسكندرية كده علي ما أعتقد


الأخ أحمد عبد الفتاح: بمناسبة عبد المنعم أبو الفتوح: قعدنا نقول سقوط الأيديولوجيا سقوط الأيديولوجيا لحد ما الأيديولوجيا دعت علينا دعوة ولية ف ساعة مغربية وربنا تقبل وقالنا خدوا .. وهتعدي علينا أيام نترحم فيها ع الأيديولوجيا ونقول ولا يوم من أيامك.. احنا أسفييييييييين يا أيديولوجيا


الأخ عبد الرحمن أبو ذكري (ردا على الأخت أميرة): أنا مُحافظ ليبرالي أميل إلى اليسار قليلاً، وذلك لأني ماركسي لينيني مُلتزم بالإسلام وبالقوميّة العضويّة للفولك المصري، وعلى هامش ذلك فأنا لا أستطيع التخلّي عن ميلي لليمين المتطرّف وليبراليتي المحافظة؛ مُحافظة القاهرة طبعاً وليس مُحافظة الإسكندريّة كما أرجفت اﻷخت أميرة محمد محمد محمد سامحها الله! باختصار أنا مُسلم مُشرك مُتأمرك شيوعي، فليس ألذ من اﻷكل على كُلّ الموائد، أنا المتطفّل، انتخبوا المتطفّل منزوع القيم!


الأخ عبد الرحمن أبو ذكري (ردا على رسالة خاصة من د. هبة رؤوف): تكرمت الدكتورة هبة رؤوف مشكورة بإرسال الرسالة التالية لشخصي المتواضع، تعليقاً على الحالة التي كتبتها على صفحتي باﻷمس، وظهرت على صفحة اﻷخت أميرة: "السلام عليكم. تعليقك على تصريح أبو الفتوح عند اميرة يحتاج منك مراجعة. خشيت عليك منه حين يوضع الميزان. تحياتي". وتعليقي هو: التصريح نُسب إليه، والحالة المكتوبة هي ردّاً على الخبر، وليس ردّاً على المرشح المحتمل. والدكتورة تعرف اكثر منا الفارق بين الخبر المنسوب لشخص، وما يقوله هو علناً، وبين الرد على كلامه، والرد على خبر منسوب له. فضلاً عن أني لم أذكر "اﻷخ" المرشح المحتمل بالاسم، ولا حتى بالإشارة، وكان الكلام على لساني أولاً وأخيرا، ولمن شاء الرجوع للحالة التي كتبتها أمس. فلماذا تُفتّش في النوايا وتُحوّل الموضوع لاختصام شرعي بشكل "لطيف"؟ وما دامت المسألة سياسية/إجرائية بحتة بعيداً عن "المحاسبة الفقهية" كما تكرمت هي في تعليقاتها عند اﻷخت أميرة محمد محمد محمد، فلماذا حولته -بشكل لطيف- إلى مُحاسبة أخروية في حالة تعليقي؟ ولماذا هذا التناقُض؟ هل لأن هذا التصريح الصحفي -أياً كان مصدره- سقطة لا يمكن تغطيتها إلا بالتهديد بالسلطة الشرعية الأخروية، أو بليّ أعناق المصطلحات والعبث في مدلولاتها التاريخية لتحمل المعاني المرادة عسفاً وقهرا؟؟!! أنا أفهم أن الدكتور المرشح المحتمل، وحتى السيدة الفاضلة الدكتورة هما من الشخصيات العامة، وهما قطعاً يعرفان أن من ارتضى العمل العام فيجب عليه تحمل لأواؤه، فلم هذه الحساسية المفرطة تجاه النقد؟؟! وإذا كانت الدكتورة الكريمة تُصنف نفسها، بأنها تتموقع بين الاشتراكية واللاسلطوية، فإن جاء مثلي ناقداً مُتعللاً بأن الاشتراكية طوباوية مُعادية للإنسان بطبيعتها، وأن اللاسلطوية لا ترفض السلطة السياسية أو "الإكليريكية" فحسب، بل ترفض فكرة المركز أصلاً، فهل ستعتبر الدكتورة هذا نيلاً من مكانتها قد يُعاقبني عليه المولى عز وجل يوم القيامة؟؟؟!! أم ستتأول لنفسها باشتراكية غير الاشتراكية التي نعرفها، وأناركية غير اﻷناركية التي نعرفها؟؟


وفي ثنايا التعليقات تجد أحد الشباب العشريني الذي لا تتعدى خبرته في الحياة المائة كتاب التي قرأها وبعض الامتحانات الجامعية أو الأنشطة الطلابية يرد على من يحاول أن يتأول للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فيقول أن هذا التفسير أكبر بكثير من عبد المنعم أبو الفتوح ويرد عشريني آخر يقول ساخرا "هو أبو الفتوح بيعرف ينظّر ... ماكنش ده هيبقا حاله"


أنا قد أختلف مع الدكتور أبو الفتوح في تصريحه، فأنا أريد تجاوز التصنيفات جميعها، غير أني لا أجده تصريحا كارثيا باع الرجل فيه مبادءه أو شيئا من هذا القبيل، لكني أرفض التطاول وأرفض الخوض في النوايا وأرفض أن يُنصّب أحد نفسه القيّم على الحقيقة المطلقة خصوصا إن كان يفتقد الخبرة الحياتية اللازمة لذلك.


أما بالنسبة لكلام د. أبو الفتوح فهو يتحدث في مجتمع لم تفلح محاولات أدلجته أصلا فلم تدخله أيدولوجيا وتبقى فيه كما دخلت فالاشتراكية المصرية "الشعبية" – التي يقبلها الشعب وليس النخبة – ليست الاشتراكية الطوباوية الحلولية الـ.... الـ.....، هي فقط العدالة الاجتماعية، والليبرالية المصرية "الشعبية" هي التحرر المحافظ واقتصاد السوق الحر الملتزم. فالأمر أهون من بيع المبادئ وإبرام الصفقات وما إلى ذلك، بل على العكس أنتم من وضعتم الإسلام في مقابل الأيدولوجيات وكأنه في مقارنة معها لا قيما عليها كلها


نسأل الله العافية والهداية والتوفيق



باسم زكريا

22/7/2011

باحث بمركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية

الثلاثاء، ١٩ يوليو ٢٠١١

موسم الهجرة إلى الداخل - نثر

يحمل في حقيبة الأشياء
قلبا ... ورفات احتمال مزيف
وبعضا من أناشيد صامتة
ووسادة الذكريات المعبأة بعقارب ساعات تائهة
ويجلس في ركنه الممتلئ به...
يراقب تخلي الشمس عن ظلّه...
حتى يخبئه في عباءة الليل المسبلة ... ويرحل

***

يصاحب "لاعبة نرد"...
لينشد معها "كلمات سبارتكوس الأخيرة"...
وهما يمتطيان مشانق القيصر...
إلى الداخل
حيث هو هي، وهي هما
حيث كل شيء لا شيء ولا شيء إلا كل شيء

***

يراقبان أشجار الكلمات تتخلى عن أوراقها
والصمت يقبل ...
كخريف يحترف إزالة كل مظاهر البهجة المزيفة
لتتفتح كل الأزهار الخجلى ...
بعيدا عن عدسة الكاميرا
وتتبادل الرحيق مع فراشات أسكرها غزل "درويش"

***

والفراشات / الصمت / سبارتكوس / درويش / الموت / الحياة ...
يرتبون أنفسهم تلقائيا ...
حتى تكتمل صورة الداخل
فيريان نفسيهما
هو هي وهي هما




باسم زكريا السمرجي
19/7/2011

الاثنين، ١٨ يوليو ٢٠١١

الميدان ... ملك لنا

حتى الآن، التغيير الجذري الوحيد – والأهم – الذي أحدثته الثورة المصرية هو تغيير معادلة اتخاذ القرار في مصر، فقبل الثورة كانت أطراف معادلة اتخاذ القرار لا تخرج عن أسرة حاكمة، تأتمر بأوامر أمريكية إسرائيلية في قلب تلك المعادلة ومؤسسات أمنية وقوى معارضة سياسية مصنوعة تدور حول ذلك القلب، وغاب الشعب المصري مالك الوطن وموضع القرار، وصاحب المصلحة الحقيقي، من المعادلة، حيث كان يُختزل الشعب في مؤسسات تمثيلية نعرف جميعا حقيقتها وفي نُخب معارضة يسهل التلاعب بها – في الغالب – فهي نخب صنعها النظام على عينه. فكان الشعب مُرتهن بين مطرقة نظام قمعي وسندان نُخب تدّعي تمثيله ادعاء يقدح في حقيقته إما غياب الأهلية أو فساد الطوية.


ما حدث في الثورة المصرية هو أن الشعب المصري خرج معبرا عن نفسه، ثائرا على سلطة تقمعه ونخبة تدّعي تمثيله، فكان وجه الثورة الشعبوي البديع هو ضمانة استمرارها وصيانتها من التلاعب المخابراتي الذي كان يقوم به النظام باستخدام بعض النخب التي اعتاد أن يلعب معها مثل تلك اللعبة. ثم انتهت الموجة الأولى من الثورة بذلك الوجه الشعبي البديع لتعود النخب مرة أخرى تتصدر المشهد تمارس ما اعتادت على ممارسته. تفتعل خلافا أجوفا تتقاتل حوله لا علاقة له بالفعل ولا بالفكر. تختلق فزاعات مُتوهّمة ولكن الإلحاح عليها يجعلها تقوم بدورها كفزاعات حقيقية. رأينا هذا في الخلاف حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية، رأينا هذا في الخلاف حول "الوثائق" ما فوق الدستورية، رأينا هذا في شيطنة السلفيين والإخوان، رأينا هذا في العلاقة مع المجلس العسكري نفاقا وهجوما لا علاقة لهما بالموضوعية.


والخطر في تلك الممارسات النخبوية لا يكمن في أن الشعب سيتراجع عن ممارسة دوره في عملية صناعة القرار، بالعكس فهذه هي نقطة اللارجوع التي وصل لها الشعب. غير أن الخطورة تكمن في أن الشعب – حين تختفي من أمامه المظلة الوطنية الجامعة – ستمارس كل مجموعة دورها في صناعة القرار في نطاق نفوذها وفي مجتمعها الفرعي مستقلة عن الوطن كمظلة جامعة ومقصد لتحقق الإرادة. وإن ما يقف بيننا وبين تحقق ذلك الخطر هو – في رأيي – اعتصام التحرير الذي أهم ما يميزه عدم وضوح المطالب مما يؤكد على شعبويته وانحسار دور الساسة فيه.

إن اعتصام التحرير – الخطوة التي تلحق السويس دوما – هو الضامن لتخفيف الضغط عن السويس وهو الضامن لتحفيز باقي الشعب المصري وتذكيره بفكرة "بالوطن" القائمة على التضحية أصلا. ولا أتجاوز إن قلت أن نجاح اعتصام التحرير هو الضامن لاستمرار الثورات العربية ونجاحها كما يقول أصحاب تلك الثورات أنفسهم.


إن اعتصام التحرير بوجهه الشعبوي هو الضامن أن الشعب المصري قادرٌ على تطوير ممارسته لإرادته في إطار الوطن، تلك الممارسة التي تنضج مع الوقت وتعدّل أخطائها تلقائيا، ولمن ينكر على المعتصمين تعطيل مصالح الناس أو إغلاق مجمع التحرير وما إلى ذلك أقول أن الوطن مُقدّم على الدولة وإنفاذ القصاص – ليس وفاء للشهداء ولكن تحقيقا للعدل الذي هو من مقاصد الحياة على أقل تقدير – مُقدّم على إنجاز إجراءات جواز سفر أحد المواطنين، وأقول إن عجلة الإنتاج – التي هي أصلا متراخية – لا جدوى من دورانها في أرض لا أمتلكها وإن أرضا لا يُنتصر فيها للمظلوم ولا يؤخذ فيها على يد الظالم أرض لا يمتلكها إلا من عطّل إنفاذ العدل.


ولمن ينكر على الثوار ثورتهم ويدعوهم إلى التهدئة والثقة في السلطة أقول أنني وبصفة شخصية لا مبرر لي لأن أثق في سلطة لم أخترها بنفسي، إنني حتى حين أختار سلطة سوف أستمر في مراقبتها، فكيف بسلطة لم أخترها أصلا، سأظل أراقب عليها وأضغط عليها بكل أنواع الضغط وأخطيء في الوسائل ثم أعدل المسار كجزء من رحلة تعلم ممارسة الإرادة.


لن أناشد القوى السياسية أن تحافظ على وحدة صفها ولن أناشدهم أن ينضموا لجموع الشعب فهذا من المعلوم من الثورة بالضرورة وهم ينكرونه إما عقيدة أو ممارسة، فلا أرى فيهم إلا امتدادا لاستبداد نظام المخلوع الذي وإن اتخذ أشكال أخرى، فالرابط بين كل تلك الأشكال هو غياب الثقة في قدرة الشعب على الاختيار، فنظام المخلوع كان يقول أن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية وأنه وغير ناضج بما يكفي للاختيار ونتذكر جميعا "أوف كورس ... بط هوين" التي أجاب بها اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع على كريستيان أمانبور حينما سألته عن الديمقراطية، تحول ذلك الشكل من انعدام الثقة إلى أن المصريين صوّتوا بنعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لجهلهم ولعدم أهليتهم للاختيار ولسهولة التلاعب بهم مما سمح للمتاجرين بالدين أن يوجهوهم، ثم تحوّل أيضا من طرف – المدافعين عن الشرعية الشعبية – إلى اتهام المعتصمين والثوار بأنهم يتم التلاعب بهم لتحقيق المشروع الأمريكي للانقلاب على الشرعية الشعبية، فما الفرق بين نظام مبارك والنخب الحالية؟ وما الفارق بين الداعية السلفي الذي قال بأن الشعب لا يجوز أن يختار مرشحا بشكل مباشر بل لابد أن يُعرض المرشحون أولا على أهل الحل والعقد "الناس اللي بيفهموا في البلد" حتى تتم عملية تنقية المرشحين قبل عرضهم على الشعب، هل يختلف ذلك الداعية عن فقهاء القانون الذين قالوا أن الأمّي لابد أن يكون صوته في أي عملية تصويتية بنصف صوت؟ تعددت اللغات والكبر واحد.


لن أناشد القوى السياسية، لن أناشد سوى الشعب المصري في عمومه، أنا غير موافق على كل ما يحدث في الميدان وأعلم أن كثير منا كذلك ولكن الميدان ملك لنا جميعا وإن حدث فيه ما يخالف ما نحب فهو يحدث لأننا غبنا عنه، فلنعد إليه جميعا كتفا بكتف ويدا بيد نتعلم جميعا كيف نكون شعبا نمتلك وطنا، نمارس عليه ملكيتنا له وإرادتنا لإصلاحه، نحتوى بعضنا البعض، نتسامح مع اختلافاتنا ونتقوى بها، نراقب أنفسنا ونتعلم من بعضنا، شعبا عظيما يمتلك وطنا عظيما يمتلكه.




باسم زكريا السمرجي
باحث بمركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية
17/7/2011

الثلاثاء، ١٢ يوليو ٢٠١١

خواطر عن الميدان

أنا مؤمن بالله المتجاوز للطبيعة ومؤمن بالحياة الآخرة فالدنيا دار تأقيت لا وقت لدينا لننتظر فيها ثمر ما غرسناه لا وقت لدينا فيها يتسع إلا لأن نحياها فلا تحدثوني عن الاستقرار وعجلة الإنتاج

من لم يمر بالميدان فهو "ماعدّاش على مصر" ومن لم يقضِ ليلة في الميدان مفترشا الأرض متلحفا بالسماء فهو "ماعدّاش على نفسه" الميدان في قلب الدولة والوطن في قلب الميدان

خدوا البلد واتركوا لي ميدان التحرير. وطن قرر يكتشف نفسه ويتمرد على الدولة

خذو دولتكم واتركوا لنا الميدان. فالميدان أصبح وطنا داخل الدولة لكنه يتجاوزها

الميدان بؤرة تراحمية في قلب دولة تعاقدية غاشمة

الميدان مركز تراحمي في قلب دولة تعاقدية غاشمة تجور على مساحات الإنسان وتُخضعها لمعاييرها اللاإنسانية

يكون الميدان في أحسن حالاته مع غياب المطالب فالمطالب للساسة بينما الغموض وغياب التوجه هو باعث للتوهج الثوري الإنساني

يكون الإنسان في أحسن حالاته الإنسانية حينما يخترق حدود المؤسسات التعاقدية ويتفاعل مع غيره، إنسانا كان أو غير ذلك تفاعلا تراحميا ينطلق فيه من إنسانيته وينتهي عندها

لا أظن أن أحدا يفهم الغضب والثورة على أنه إسراف في الضحك وإلقاء النكات كالمصريين

المصريون يخافون حينما يضحكون ويقولون "اللهم اجعله خير" ويضحكون حينما يثورون ويغضبون

أن تضحك حينما يكون البكاء منطقيا، وأن تبكي حين يكون الضحك منطقيا هو إثبات لإنسانيتك الخاصة بك وحدك المتجاوزة للمنطق


باسم زكريا السمرجي

12/7/2011

الاثنين، ١١ يوليو ٢٠١١

"The Philosophy of Supplication" A MUST READ

By, Dr. Ali Shariati

My Lord, give me the capability to tolerate an opposing point of view.

My Lord, keep me wise and aware, so that I may not judge someone or some idea right or wrong unless I have understood him/her or it correctly and completely.

My Lord, help me so that I may be aware of the differences between humanity, thoughts, and relationships, and so that I may be capable of distinguishing each of them.

My Lord, give me absolute submission through faith (Iman), so that in the world, I may be in absolute rebellion.

My Lord, inspire me with the piety of rebellion so that I may not stumble in the grandeur of my responsibilities. And save me from the piety of avoidance so that I may not be wasted in the corner of solitude.

My Lord, grant my soul noble worries, troubles and fears. Grant pleasures to your insignificant servants, and grant me honorable concerns and pains.

My Lord, free me from the four prisons of "nature", "history", "society", and "self", so that I may recreate myself in the form that You originally created me, not as an animal who adapts to the environment, but so that I may make my environment adapt to Me.

My Lord, burn in me the sacred fire of doubt, so that it may burn away every certainty that others have imprinted on me. And then, from its ashes, raise the light of certainty, clear of any fog.

My Lord liberate me from the poverty of translation, and inferiority of imitation, so that I may break out of the inherited moulds and so that I may resist the new moulding of the West. And so that I may not, like some, wait to move my mouth as others speak.

My Lord, I thank you, as Hadrat Husain (AS) did, for having chosen my enemies from the fools. For having a few stupid enemies is a mercy that Allah grants His special slaves.

My Lord, save me from the friendships and animosities of insignificant and small souls by granting me the friendships of Great Souls such as that of Ali, and of Beautiful Hearts in humanity.

My Lord, inspire our "open minded" ones who consider economics essential that economy is not the goal, and inspire our clergy and religious ones that economy is ALSO essential.

My Lord, grant me success in struggling during failure, in having patience in disappointment, in going alone, in Jihad without weapons, in working without pay, in making sacrifice in silence, in having religious belief in the world, in having ideology without popular traditions, in having faith (Iman) without pretentions, non-conformity without immaturity, beauty without physical appearance, loneliness in the crowd, and loving with the beloved knowing about it.

My Lord, don't grant me knowledge that will not be useful to humanity. Don't make me addicted to the barbaric ignorance of the fine arts, so that while under intoxication of elated feelings and of the heights of lofty understanding, I will fail to see the depth of hunger in the eyes of the hungry or the black bruises of an abused human.

My Lord, tell to the materialists that HUMAN is not a plant which grows due to a coincidence in nature, history and society. Tell my people that THE ONLY path towards you passes through THE EARTH, and show ME a shortcut.

My Lord, inspire our religious people to realize that Adam is made of dust. Tell them that a material phenomenon suggests God's existence as much as an inexpalainable unseen one; that God is as much in this world as in the next.

My Lord, grant me the grace that my Faith (Iman) will not provide me with fame and wealth. Grant me the power to give away my wealth as well as my fame for the sake of my Iman. So that I may not be of those who take the money from the world and work for Deen, nor of those who take the money from the Deen and work for the world.

My Lord, grant me such a life that on my death-bed, I may not be resentful of its worthlessness. And grant me such a death, that I may not mourn for its uselessness. Let me choose that, but in the way that pleases you the most.

My Lord, You teach me how to live; I shall learn how to die.

".....Thou,Lord! you who have given generosity to the sons of Adam, You who placed Your trust upon the shoulders of the children of Adam, You who selected all of your prophets to teach the Book and establish justice, You who say that greatness belongs to You, ...we are Your people.

We have faith in You and the message of Your prophets. We ask for freedom, awareness, justice and greatness. Grant us these as we are greatly in need of them. More so that at any other time we are sacrificed by slavery, ignorance and weakness. Oh, God, destroy those who claim power on this land, those who deny your signs, those who kill your prophets, those who kill the people fighting for the freedom of the masses, and those who kill the people who invite others to justice and equity. Oh God of K'aba! Do not allow these people who pray morning and night, oriented towards your house, who circumambulate around the home of Your Abraham, to be the sacrifices of ignorance and blasphemy and to be put in bondage by the oppressions of the oppressors of the times like Nimroud.

And you, Oh Mohammad , the prophet of awareness, freedom and power! A fire has started in your house and is spreading. A destructive flood is coming from the West upon your land. Your family has for many centuries remained asleep in the black bed of abjectness. Awaken them! As God has said, "Arise and remind them."

And you, Oh Ali. You who are entitled "Lion of God", "Man of God and the people", "Lord of Love and of the Word", we have lost our worthiness to know you. They have removed 'knowing you' from our minds but our love for you continues to exist. It has
caught on fire in the depth of our conscience and the membranes of our heart. How can you leave your lovers in abasement? You who could not bear the slightest oppression towards a Jewish woman who was living under an Islamic government, now look at the Muslims who are living under Jewish oppression.

And you, Oh Zaynab, daughter of Ali, you who have Ali's tongue, speak with your community. Oh, woman whose courage has taught courage to your people, mention your name in the hearts and souls of the women of our nation who desperately need you to put the fire of love and pain in their souls. They need you more than ever. On the one hand, ignorance has placed them in slavery and abasement . On the other hand, the west pulls them towards a hidden enslavement. help them to revolt against their new and old foolish ways, save them from being tools of the traditions and new amusement.

Oh Hussain! What can I say to you? "..in such a dark night...in the middle of an ocean erupting with waves and terrible whirlpool..." You selected RED DEATH in order to release your lovers from the BLACK DEATH. Still with every drop of your blood, you give life to a nation, make the heart of history beat,
give heat to the depressed crops of each age, give the excitement of life as well as hope and love.

Our faith, our nation, our history, our future and the integrity of our present... all are in need of you and your blood

الخميس، ٧ يوليو ٢٠١١

ثورتنا..من إدارة الأزمة الى أزمة الادارة بقلم د. المصطفي حجازي

ثورتنا..من إدارة الأزمة الى أزمة الادارة

ثورتنا بين حداثة العهد بالإرادة و حداثة العهد بالإدارة

ثورتنا بين أزمة الإدارة و أزمة الإرادة

الميدان واحد و اسمه التحرير كان و سيظل .. و الدعوة واحدة اسمها مليونية كانت و ستظل .. ولكن المشهد ليس واحد و الواقع ليس واحد بين الميدان و الدعوة بين ٢٨ يناير و حتى ١١ فبراير ومشهد وواقع ٨ يوليو . الميدان و الدعوة هما مرآة واقعنا و فيهما نقرأ شهورنا الست الماضية و نستشرف شهورنا بل سنينا القادمة . و الفارق بين ميدان يناير و يوليو و دعوة يناير و يوليو هو الفارق بين ماضى مصر و مستقبلها, بين روح و عقل من أقر الماضى و استقر فيه و به و بين من أستشرف المستقبل و استجلب بوادره. و سيبقى هذا الفارق مراوغا مراوحا بين الضيق و السعة بقدر المراوغة و المراوحة بين الماضى و المستقبل و تقدم إرادة أيهما على الآخر.

ميدان تحرير يناير مشهده هادئ رغم صخبه .. واع .. حكيم .. غير قابل للاختراق أو التبديد ..هو مشهد عموم المصريين و تيار هذا المجتمع الرئيسى. دعوات الالتحام من أجل الحرية و العدل و المستقبل. كتلة مصرية متناغمة رغم الاختلاف ..مترابطة برباط الوطن .. حالمة لهذا الوطن .. أرادت و قررت و قادت .. شارع سابق لنخبته التقليدية المقرة و المستقرة فى روح الماضى و عقله .. تيار رئيسى مصرى قاطع فى قراره بأنه صاحب الحل و العقد و الإرادة .. مؤسسة عسكرية تتطهر بماء الوطن و تنحاز لإرادة عموم المصريين غير عابئة بمجمل نخبته الزائغة الباهته غير المعبرة إلا عن نفسها..مؤسسة عسكرية تفهم من السياسة الانحياز للإرادة الشعبية إن صدقت و تبدت و تفهم تأصيل و إنشاء تلك الحقائق السياسية و لاتفهم من السياسة (حتى حينها) ترتيب الاوراق و إخراج المشاهد السياسية و التمثيل النوعى المتوهم.. مؤسسة عسكرية كسرت حاجز زمنها فى لحظتها فانتمت لعقل و روح من استشرف المستقبل و جاء بأول بوادره. ميدان تحرير يناير شعب يريد و مؤسسة عسكرية تستشرف تلك الإرادة بلهفة و تقتفيها بصدق و تمتثل لها بإخلاص .. بالشعب الذى أراد و بالجيش الذى امتثل إدارة لتلك الإرادة فحماها و قام عليها ..تقدمت إرادة المستقبل من ميدان يناير و دعوة يناير. و تراجعت إرادة الماضى فى ميدان يناير فسياسيو الماضى و مثقفو الماضى و إداريو الماضى و إعلاميو الماضى نظامه و معارضته تاهوا فى مشهد الحقيقة و المستقبل (إلا من صدق نفسه بحقيقة مساهمته) و ضحلوا و سحقوا.

و لكن كانت هناك حقيقة أخرى فى ميدان يناير و هى أن أصحاب المستقبل شعبا و جيشا كانوا حديثى عهد بإرادة و حديثى عهد بإدارة. فلا عموم شعبنا تمرس على بلورة إرادتهم و إنفاذها و لا سبق أن فعلها واقعا إلا فى أيام يناير و لا جيشنا تمرس أو وجب له أن يقوم على إدارة شئون وطن. و من تلك الحقيقة نبت مشهد ميدان تحرير ٨ يوليو.

ميدان تحرير يوليو مشهد صخب .. نخبة ماضى فعلت ما لا تتقن غيره .. زاحمت بالمناكب على صدارة مشهد .. تدفع أصحاب مشهد يناير خارج الميدان بدعوى أن دورهم انتهى (كله بلسان الحال و ليس بلسان المقال) .. عموم المصريين .. من صنعوا مشهد يناير و اقاموا رأس جسر المستقبل فيه بوضوح قرارهم و إرادتهم .. تزاحم على وعيهم الغض نخبة الماضى (سياسية و إعلامية و إدارية) بالتدليس و إدعاء الحكمة و الوصاية .. ترويع فكرى باختلاق قضايا خلافية أسوأ ما فيها ليس أنها خلافية و لكن لأنهم ليس أهل إختلاف و لكنهم أهل خلاف .. مولوتوف سياسى لحرق وعى الناس و أعصابهم و تأجيج مشاعرهم و الانتهاء بهم إلى موقع المضطرب غير القادر على الفرز أو الاختيار أو القرار.

مؤسسة عسكرية تعود إلى أصل تكوينها.. و هو بيروقراطية الانضباط و جموده قبل إدارة الاحتياج و مرونته .. مؤسسة عسكرية تنطلق بصدق من صك شرعية إدارة شئون البلاد وفقا لاستفتاء مارس الماضى مع تجاهل حقيقة واحدة أن صك شرعية الإدارة يأتى معها رشد الإدارة شرطا و إلا سقطت شرعية الإدارة من تلقاء نفسها. و معيار الرشد فى الإدارة ماهو إلا قدر تحقيق ما صدق من إرادة الشعب .. كله أو معظمه. مشهد ميدان يوليو فيه تغافل و تعال عن تلك الحقيقة .. فيه نكوص الى الماضى .. فيه إختزال لعلاقة التوكيل بالإدارة الى لحظة إصداره و التعامى عن استحقاقات الوكالة. فيه ركون الى الاستشهاد بركام مشهد الماضى على أنه قاعدة بناء المستقبل .. فالاستعانة برموز الماضى قائمة بل و توليتها أمر المستقبل مستمرة كقاعدة. الحرص على اقتفاء إرادة تيار المصريين الرئيسى و تخبته المرنة صار طرحا إعلاميا يحتج به فى صيغة نتيجة الاستفتاء أكثر من الشعور بضرورة إقتفاؤه لضمان إخلاص المواقف. حديثو العهد بالادارة سقطوا أسرى أدوات الإدارة و غابت عنهم عهد الادارة الذى أتى بهم و أهدافه.. فإن سئلوا عن تقصير فى تحقيق ملمح عدل أحتجوا بالالتزام بالقانون .. و إن تململ الناس من حضور لين فى موقع الشدة أو الشدة فى موقع اللين كان الرد هو بيروقراطية الانضباط المؤسسى .. و إن غاب منطقهم فى تسيير أمر ما أشهر فى الأوجه سلاح شرعية الاستفتاء التى أتت بهم و كأنها أتت بهم للتسيد على إرادة الناس و ليس لخدمتها.. و إمعانا فى حسن النوايا كان مرد هذا كله هو حداثة العهد بالإدارة و هو مايعذر صاحبه إن أقر به و حاول جبر نقصه. و هذه المشكلة على عمقها هى الاقل خطورة فى مشهد تحرير يوليو.

المشكلة الأشد هى حداثة العهد بالإرادة و التى تودى بجموع المصريين تدريجيا إلى حال المشاهدة بعد المشاركة.. فهم و هم يتساقط عليهم المولوتوف السياسى من هذا السياسى المهرول أو ذاك أو من هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك يبدد وعيهم الغض و يسقطوا أسرى شلل الفرز و القرار. و قيل علما أن فقدان القدرة على الاختيار و القرار تورث الشك و التوتر و الوحشة و الحزن لدى الأفراد و الأخطر أنها تخلق القلق و العدوانية فى المجتمع و تقوض فرص السلام الاجتماعى. فالشاهد أن تيار المصريين الرئيسى حين يتعالى على دوره فى أن يجتمع و يرفع رايته و إرادته فى وجه من ينصب نفسه وصيا عليه دون وجه حق أو من يدير أمره على غير تفاصيل إرادته. أخطر ما فى مشهد يوليو ليس أن معظم قوى الماضى تفعل ما تتقنه فى اتساق مع نفسها بل أن أفضل و أوجب ما أتى به المصريين من قاعدة حياة لمستقبلهم و هى "الشعب يريد" و التى توجب تحديد جسد هذا الشعب الذى يريد "التيار الرئيسى للمصريين" و بلورة إرادتهم "مايتوافق عليه هذا التيار من أهداف رغم الإقرار باختلاف المنطلقات" يتركه عموم المصريين فى إنتظار مخلص لم يأت فى الماضى و لن يأتى فى المستقبل..

يا كل منا .. يا كل من حلم لمصر بمستقبلها و أتى ببوادره فى ميدان تحرير يناير .. أنت المخلص و أنت المستقبل .. أنت من يمنح الشرعية و يمنعها .. أنت من يمنح صك الإدارة و الوطنية ووكالة التمثيل لمن يمثلك .. تجمع ...التئم .. التحم .. فى ميدان تحرير لا ينقطع و لايتغير مع الزمن اسمه تيارك الرئيسى الذى يمثل اتفاقك على مستقبلك .. اترك الزاعقين و الصاخبين و الخائفين و المهرولين و الباحثين عن أدوار .. أوجد ميدان تحريرك الدائم فى تيارك الرئيسى الذى يقرر و يحاسب و يفرز على ضفتيه كل من لا يعبر عنك .. تنادى الى ميدان تحريرك الذى يضمك و كل من مثلك ..كل إنسان .. حر .. مصرى

تيارك الرئيسى هو ميدان تحريرك الذى بداخلك .. فيه إصرارك على عدلك و حريتك و كرامتك .. فيه إصرارك على أنك قد غير قاصر لتنتظر من يعبر عن إرادتك أو يمثلها رغما عنك أو يتحدث بصوتك بغير ما أمليته عليه .. فيه كل حكمة استشراف المستقبل و عقلية المستقبل التى تجعلك أكثر أهلية أن تقوم على أمر مستقبلك ممن يدعى حكمة الماضى و هى فى حقيقتها شيخوخة الماضى و قصوره و فساده ..

الصراع القادم ضد الفساد فى مصر و الذى يرجى فيه كل أمل لهذا الوطن هو بالإسراع بالرشد فى كيفية بلورة إرادة شعبية مصرية نابعة من تيار رئيسى مصرى يحكم مصر من مدخل الإرادة "الحكم إرادة" , و هذا الرشد هو الكفيل بترشيد الموكل اليهم إدارة أمور بلادنا و الذين يتوجب أن بفرزهم ذلك التيار الرئيسى فى القريب أو من غيرهم "الحكم إدارة".

الثورة فى خطر شديد حتى و إن حضر فى ميادين التحرير ملايين المصريين حاملين روح مصر الماضى و عقله .. موائمات الماضى من أجل الاستقرار .. غياب الخيال .. تصدر المشهد لنخب باهة مدعية و تراجع لأهل كفاءة ترفعا أو فقدانا لثقة فى نفس ..

و الثورة و مصر فى أمن شديد حتى و إن غاب كل المصريين عن ميادين التحرير طالما حضرت روح المستقبل و عقله .. الروح الوثابة نحو الحرية .. المتطلعة لتقدم أهل الكفاءة و تجنيب الباهت و المدعى حتى و إن كان صاخبا مزاحما .. المتذكرة فى كل وقت أن التحدى فى أن يعرف كل منا ماذا يريد و نعرف كمجتمع كيف نبلور إرادة مجتمعية متوافقة و كيف نتنادى فى جسد تيار رئيسى يحملنا على صفحته لنعلوا على اختلافاتنا و نصل الى مستقبلنا الذى نصنع اختياراته و لا تصنع لنا.

ببساطة الثورة فى خطر إذا حضر جسدها فى ميادين التحرير و لو كل يوم و غاب عقلها و الثورة و مصر على موعد مع أفضل مستقبل لنا إذا حضر عقلها حتى و إن غاب الجسد.

مصطفى حجازى

٦يوليو ٢٠١١

http://www.facebook.com/note.php?saved&&note_id=244800768865516&id=204392726239654