الخميس، ١١ أكتوبر ٢٠١٢

عايزين تنفيضة

بالأمس صدرت أحكام بتبرئة متهمي موقعة الجمل، ورغم انفعالي بالجو العام الذي يغلب عليه الحزن وخيبة الأمل إلا أن انفعالي الشخصي كان على العكس من ذلك. فما حدث بالأمس هو هدم صارخ وصريح لأسطورة إمكانية تحقيق الانعتاق في الإطار المؤسسي القائم، تلك الأسطورة التي كانت آخذة في التوغل والسيطرة على إدراكنا وكانت تكاد تقودنا إلى التكلّس الفكري والحركي والوظيفي، فكنّا نقترب من أن يتموضع كل منّا في زاوية ما – من الصورة الأكبر – يرسم حدودها ويستمد من احتلاله لها شرعية وجوده كمكوّن من مكونات تلك الصورة الأكبر، وكانت الصورة الأكبر آخذة في ترسيخ نفسها ترسيخا عصيا على التغيير يدعم تمترس مكوناتها في زاويته الأصغر.

فجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تبني شرعية وجودها على ظلم مبارك لها، ظلت تبني شرعيتها على مواجهة فلول الحزب الوطني في الانتخابات، ثم إزاحة العسكر، ثم ظلم الإعلام، ثم ظلم المزايدين من النخب السياسية والعلمانيين أعداء الوطن والدين كارهي الرئيس مرسي المؤيد من رب العالمين. فهم حتى بعد أن وصلوا إلى السلطة على المظلومية قائمون، يستمدون شرعيتهم من مواجهة "غول" ما.

ومعارضة الإخوان انقسمت لثلاثة أقسام. المعارضة "البنّاءة" وهي تلك المعارضة التي تسعى لتقويم المسار بدافع الحفاظ على مصلحة الوطن والنظام العام وهي معارضة "محايدة" تستمد شرعيتها من كونها "صوت العقل" عند الإخوان وعند الجمهور فنجد مثلا من يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية ثم ينتقد "بمنتهى الأدب" قرارات وتوجهات الرئيس عبر حسابه على تويتر !!. وهناك المعارضة "الشعاراتية" التي ترفع شعارات التنوير والحرية والدولة المدنية في مواجهة حكم الإسلاميين الرجعيين الظلاميين المتخلفين، وهم يستمدون شرعيتهم عند الجمهور من اللعب على وتر الفزع، خاصة وأن بذور الفزع مزروعة لدى قطاعات كثيرة واسعة من المجتمع المصري، فتجد هذه المعارضة مثلا تقيم الدنيا ولا تقعدها عند أي ظهور لعبود الزمر "الإرهابي" ويصمتون عن عن عشر سنوات قضّاها ظلما في السجن بعد أن كان قضى مدته، فهي ليست معارضة مبادئية متسقة مع نفسها بل معارضة شعاراتية ديماجوجية تخاطب في كثير من الأحيان قطاعات معينة من المجتمع. أما المعارضة الثورية فهي الوحيدة التي لا تستمد شرعيتها من مواجهة طرف ما، فهي تواجه السلطة أيا كان من يحتلها ومن تلك المواجهة واستعدادها للتضحية في سبيل مشروع الانعتاق تستمد شرعيتها.

الأزمة أننا كنا نقترب من الوصول إلى القناعة بأن تلك التركيبة هي التركيبة الأمثل لكل الفئات. فالإخوان يحكمون "بعذر"، والمعارضة البناءة تعارض "بعقل"، والمعارضة الشعاراتية تعارض "بعنف"، والمعارضة الثورية تضحي "بصدق". فصار كل منا يبذل الوسع في أن يجري في المكان بكل جدية ومثابرة، صار لكل منا دور يجتهد في أن يؤديه ببراعة حتى يحافظ على وجوده في تلك المسرحية العبثية التي تنتهي من حيث تبدأ كل ليلة. كنا بحاجة إلى "تنفيضة"، هزّة عنيفة تدفع كل منا للخروج عن النص، لمحاولة تغيير المسار الذي يجري عليه ليربك المشهد ويغير الصورة الكبرى. بالطبع لم نكن بحاجة إلى لعبة كراسي موسيقية نبدّل فيها الأدوار، بل كنا بحاجة إلى أن يتحدّى كل منّا حدود دوره، فيحكم الإخوان بحق (وقد كنت أتمنى أن يأتي خيرت الشاطر رئيسا للوزراء وأن نرى مشروع النهضة بحق) وتطوّر المعارضة الشعاراتية شعاراتها إلى برامج وتنظيمات وأحزاب، وأن يوجّه الثوار تضحياتهم إلى مكانها الصحيح، إلى العدو الحقيقي، إلى الدولة. لم أذكر المعارضة البناءة/المؤدبة/الأليفة فهؤلاء سيدور الكون وسيتغير كل شيء وسيظلّون مقيمين على ما يفعلون، فهم مثقفوا الدولة "أصحاب الضمائر" !!!!!!

كنا نحتاج إلى "تنفيضة" تدفع كل منّا لاختبار حدود دوره وتجاوزها لإرباك المشهد العام، فهل تكون موقعة الجمل هي تلك التنفيضة، كما كانت قبل ذلك هي العلامة الفارقة في مسار إسقاط مبارك؟!


باسم زكريا السمرجي
11/10/2012

هناك تعليق واحد: