الجمعة، ٢٩ أبريل ٢٠١١

مدخل جديد للتعامل مع الثورة المصرية

حقيقة الأمر أنني لم أكن أنتوي الكتابة تحت هذا العنوان بل على العكس كنت على وشك كتابة ما هو عنوانه"يا ما كان في نفسي ... على هامش ثورة سبقت صانعيها" وكنت أنوي أن تكون مجرد تنهيدة أسى من تلك التي يطلقها "اللي حب ولا طالشي" لولا الأصدقاء عبد الرحمن أبو ذكري، باسم فتحي، أحمد بدوي، إسماعيل الاسكندراني، نهى خالد، كريم سرحان فلهم الفضل في بث الأمل في نفسي مرة أخرى فلقد كنت أفتقد من أرى أنه يقدم تصورا صحيحا عن الثورة المصرية ومعيار الصحة هنا هو القدرة التفسيرية للطرح كما علمنا د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله.


أما عن الطرح الذي أراه ذا قدرة تفسيرية أعلى من غيره للثورة المصرية فهي أن الثورة المصرية كمثل الثورات الكبيرة في تاريخ البشرية التي أسست لنقط تحول في تاريخ البشرية كمثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الإيرانية. وهذا النموذج الذي تطرحه الثورة المصرية لم يتبلور بعد ولكن نستطيع أن نستبين على الأقل ملامح مدخله الذي هو مكمن التفرد في النموذج. ومدخل هذ النموذج هو في تجاوز فكرة السلطة الفوقية برُمتها وبرِمتها سواء كانت هذه السلطة رسمية تدعي امتلاك "شرعية" الفعل أو سلطة فكرية تدعي امتلاك "شرعية" الفكر. هذا النموذج الذي لا أراه يتجاوز الأيدولوجيات فقط وإنما هو يتجاوز وهم الانصياع الواجب لأشكال المؤسسات الحداثية اللاإنسانية ويبحث عن بديل إنساني يحقق فيه الإنسان فردانيته في إطار مجتمع إنساني لا مجتمع صناعي.


نستطيع من هذا المدخل أن نفسّر ما حدث في الثورة وما بعدها من تجاوز لوهم "شرعية" الدولة الرسمية ومظاهر ذلك التجاوز لم تكن في ميدان التحرير فقط حيث قامت دولة موازية تقوم بكل وظائف الدولة بدون (ختم النسر). وإنما مظاهر ذلك التجاوز - الذي كان تجاوزا نفسيا بالأساس - تتجلى في اللجان الشعبية التي قامت في طول البلاد وعرضها وقامت مقام أجهزة الدولة الخدمية. وحين أقول اللجان الشعبية فأنا أقصد اللجان الشعبية الشعبية التي أقامها أهالي الأحياء ذاتيا ولا أقصد اللجان الشعبية "الرسمية" التي أقامتها الأحزاب أو المؤسسات. يتجلى تجاوز نموذج الدولة أيضا في الإضرابات الفئوية والاعتصامات والمظاهرات التي غمرت البلاد وآخرها اعتصامات قنا ورفضهم للمحافظ الذي أظن أن أساسها كان رفضا من أهلنا في الصعيد لمركزية العاصمة.


ما كان (يحز في نفسي) حقا هو أن النخب السياسية تحاول استيعاب الثورة في الكيانات التقليدية كالأحزاب والجماعات والجمعيات وكان بعض من أساتذة العلوم السياسية يتباكون ضياع الدولة ويتنادون فيما بين سطورهم بوجوب عودة "الخوف" للمواطنين من السلطة. ذلك الخوف الذي يُسمّونه "هيبة الدولة" حتى يخيل إلينا من سحر المصطلح "العلمي" أنه يسعى ويتناسون أن العقلية الجمعية للشعب المصري صارت تلقف ما يأفكون حين تجاوز الوعي الشعبي العام فكرة الدولة كلها وفرض على الجميع مدخلا جديدا للتعاطي مع الثورة المصرية.


وبعد أن كدت أفقد الأمل أتى الأصدقاء السالف ذكرهم على غير موعد وعلى غير علم بم كان يؤرقني ليعلنوا بأشكال مختلفة أنهم وبطرق مختلفة يشاركونني وأشاركهم الاعتقاد بوجوب البحث عن مدخل جديد للتعاطي مع الثورة المصرية فلهم الشكر وما أستطيع أن أقوله أنه دقت ساعة العمل ولا رجوع لا رجوع


وفي النهاية أدعو كل من يشاركني هذا الطرح وهذا الفهم أن يعلن ذلك وأن ننضم لبعضنا البعض ونعمل معا فالثورة المصرية إما أن تكون انتفاضة شعبية أطاحت رئيسا وأتت بغيره وإما أن تكون بداية لتاريخ جديد





باسم زكريا السمرجي

باحث في مركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية

29/4/2011

الأحد، ١٧ أبريل ٢٠١١

الإسلام والأيدولوجية

تتغلب أمة على أخرى في حركة التاريخ بأن تعولم مفاهيمها التي هي مصدر معياريتها، فتقيس باقي الأمم نجاحها وتقدمها منسوبا إلى مفاهيم الأمة المتغلبة فيما يُظـّـن أنها المفاهيم المطلقة التي لا خلاف عليها. غير أن حقيقة الأمر أن تلك المفاهيم تكون شديدة النسبية لا توائم حقيقتـُها إلا منشئيها ولا تنمو إلا في التربة التي بُذرت فيها ،وكلما جد المغلوب في السعي وراء اللحاق بمعايير المتغلب كلما كرّس لانسحاقه ولتغلب الآخر عليه. فالأسد لا يباري النسر في الطيران والنسر لا يباري الحوت في العوم. وكان حري باللاهثين وراء سراب اللحاق بما قدّه غيرهم لأنفسهم أن يدركوا حقيقة أن طريق استعادة زمام المبادرة والغلبة من المتغلب أن يبدأ المغلوب بالرجوع إلى أصوله واستنطاقها بمعايير تناسبه هو ومفاهيم تنتمي إليه وينتمي هو إليها. فاللوم الواقع على من صنع الصنم أقل بكثير من اللوم الواقع على من رضي بالصنم إلها بل وتبارى مع غيره في إثبات جده واجتهاده في الطواف حوله.

وبإسقاط ما تقدم على واقعنا المعاصر نجد أن المعيارية المتغلبة هي معيارية الغرب ومنبعها منظومته المفاهمية التي بالتحليل البسيط نجد أنها تستبطن فكرة رئيسية مؤداها أن الإنسان مادة وأنه نتاج تطور طبيعي لمخلوق بدائي، وهذه الفكرة التي لا يعدو تعبير داروين "العلمي" عنها كونه انعكاسا لثقافة سائدة أو فكرة رئيسية مسيطرة على العقل الغربي. وتتجلى هذه الفكرة في أشكال وقوالب عدة منها مفهوم الأيدولوجيا. والأيدولوجيا في تعريفها الاختزالي البحت – الذي يكفينا الإطالة – هي العقيدة السياسية ولابد أن نفرق بينها وبين الإجراءات التنظيمية فالاشتراكية أو الليبرالية مثلا أيدولوجية بينما الديمقراطية هي عملية إجرائية تنظيمية بحتة تختلف باختلاف الإطار الأيدولوجي الحاكم لها، فالديمقراطية الاشتراكية غير الديمقراطية الليبرالية.

والأيدولوجيات على ما يبدو بينها من اختلاف وتناحر أدى إلى حروب واقتتال هي كلها تستبطن النظرة المادية للإنسان. فالإنسان – طبقا لهذه النظرة الداروينية – هو أحادي البعد مُكون من مادة ومادة فقط غير متجاوز لها، تحكم علاقاته القوانين الطبيعية المادية السببية الجامدة. فكل فعل إنساني يسهل التنبؤ به وتقييمه وتقويمه مسبقا بتحليل مسبباته "علميا". وفي هذا الزعم إغفال تام لمساحة الحرية التي يتفرّد بها الإنسان عن ما هو دونه. تلك المساحة المتجاوزة للقياسات العلمية المادية الطبيعية الجامدة، تلك المساحة من الحرية التي قد تجعل الإنسان يأتي بردود أفعال مدهشة يصعب بل يستحيل التنبؤ بها مسبقا أو تأطيرها في إطار مادي أحادي البعد ضيق الأفق يزعم الإحاطة بجميع أبعاد الحقيقة وحيازة كل أطراف الحق. فمثلا ليس كل إنسان يتعرض للنار يبعد يده عنه تلقائيا بل العكس تماما فقد يُعرّض الإنسان نفسه للنار بغية التطهير أو التضحية أو التعبد كبعض ديانات الشرق الأقصى أو قد يحرق الإنسان نفسه بغية إعلان موقف وليس محمد البوعزيزي – رحمه الله – عنا ببعيد.

نخلص مما سبق إلى تهافت الزعم بإمكانية تأطير كل أفعال الإنسان وتصرفاته في الإطار المادي الذي يستبطن معرفة يقينية مدّعاة بجوانب الإنسان جميعها. وهذا الزعم هو المؤسس لفكرة الأيدولوجية ذاتها فواضعوا الأيدولوجيات إنما يضعون تصورا دقيقا لكل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان يسير وفقا له المنتظمون في إطار أيدولوجي ما. وعلى النقيض من ذلك نجد التصور الإسلامي فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو المُؤيَّد من السماء، أو هو الذي يظن في نفسه ذلك ويعلم أن من حوله يظنون فيه ذلك أيضا، يقر حقيقة أنتم أعلم بأمور دنياكم وليس هذا في أمور الصغائر وفقط بل وفي أمور كبار كالحرب أيضا ففي غزوة بدر الكبرى – وهي أول لقاء عسكري بين المسلمين وكفار قريش – قال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أشرت بالرأي . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس ، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب فغورت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه ، فملئ ماء ، ثم قذفوا فيه الآنية وغير ذلك، فالنظر إلى ظواهر الألفاظ يجعلنا نتساءل هل من الحكمة أن يكون دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يقدم نفسه على أنه رسول الله "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" وكأنه يدعو القوم إلى الشك فيه وفي رسالته؟ فكيف يثقون فيمن لا يثق في أنه سيثبت على الدين؟ غير أن النظر العميق المتجاوز للألفاظ لهذا الأمر يؤدي بنا إلى حقيقة نفي الاستبداد عن الإسلام، فها هو الداعي الأول للإسلام والزعيم الروحي والسياسي للمسلمين يعلن أن الحق الثابت الذي يرجى منه التثبيت والمرجعية الحقيقية التي يقاس عليها هي مرجعية متجاوزة لأي حدود طبيعية مادية حتى وإن كانت حدود المؤيد من السماء – صلى الله عليه وسلم – بل هي مرجعية بيد الخالق – سبحانه وتعالى – المتجاوز للطبيعة والقيّم عليها غير الحالّ فيها وفي هذا نفي صريح لشبهة الاستبداد في الإسلام. فكيف يستبد برأيه من يوقن أن الحق متجاوز لحدوده. فالإسلام في جوهره رسالة تحرير عبر عنها الصحابي الجليل ربعي بن عامر حين قال: "لقد ابتعثنا الله لنحرر العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد وليخرجوا الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام" ليس رسالة استبداد فكري أو إخضاع لنظريات معينة أو أطر ضيقة محددة، بل إن الهدف الأسمى للإسلام هو إطلاق حرية الإنسان في سبيل التحقق بحقيقة إنسانيته وهو هدف مطلق فضفاض يستوعب الناس جميعا ولذلك جُعلت رسالة الإسلام رحمة للعالمين، فالمسلمون يلتقون على تلك الفكرة الجامعة وذلك الإطار الإنساني الواسع الذي يتميز بطبيعته الاستيعابية، بينما المؤدلجون يلتقون على الانصياع لفكرة وضعية ما وعلى تجلياتها في كل تفاصيل الحياة تلك التجليات المحددة سلفا والمدروسة دراسة "علمية" لا تقبل الخروج عليها.

خلاف آخر بين فكرة الأيدولوجيا والفكرة الإسلامية هو في علاقة الفرد بالمجتمع. فالأيدولوجيات على اختلافها الظاهري تنظر للمجتمع البشري كمجتمع النحل حيث مناط التمايز بين البشر وبعضهم – بمقتضى هذه النظرة – هو تمايز وظيفي ومعيار الكفاءة هو زيادة الإنتاج المنسلخ من كل معايير أخلاقية، فيصير الإنتاج من أجل الإنتاج والتسلح من أجل التسلح بل ويصير مكونا أساسيا في معيار تقييم تقدم الأمم هو قدرتها على التدمير، وفي الحرب الباردة لنا عبرة. يتحول الإنسان – وفق هذه النظرة – إلى موظف مسلوب الإرادة لا يُراد منه إلا التحقق بحقيقة وظيفته في المجتمع فينسحق الجوهر الإنساني تحت وطأة عجلة الإنتاج وثقافة الجماهير ويصير المجتمع هو الغاية والمقصد والمنال. وهذا هو ما يقف التصور الإسلامي على نقيضه فهو يكرّس لمبدأ الفردانية ولكنها فردانية إنسانية أيضا ليست فردانية حيوانية فالنظرة الإسلامية تسوّي بين الفرد والمجتمع حيث أن المرجعية التي لابد أن يرجع إليها كليهما – الفرد والمجتمع – متجاوزة لهما بل يقيس كل منهما الآخر عليها ولذلك حين سأل حذيفة بن اليمان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حديث طويل عن الفتن ماذا يفعل إن تفرق المسلمون ولم يكن هم جماعة ولا إمام رد عليه – صلى الله عليه وسلم – : "فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو تعض بأصل شجرة ، يدركك الموت وأنت على ذلك" فكان أن بيّن أن الأصل المتجاوز، لحدود المجتمع ولحدود الفرد هو الذي يُرجع إليه ويتخذ على أساسه المرء موقفه حتى وإن كان ذلك الموقف هو اعتزال المجتمع تماما في تلك الصورة المجازية.

لكل ما تقدّم أرى أنه من الظلم للإسلام كدين ودعوة وفلسفة أن يُختزل في "أيدولوجية" حتى وإن كانت الأيدولوجيات كلها تبحث عن تحقيق السعادة الإنسانية فهو بحث في المكان الخاطئ فالإنسان الدارويني الذي يبحثون عن سعادته غير موجود سوى في توهّماتهم، غير أنهم في بحثهم صادفوا بعضا من الصواب، ولذلك أتفهم من يقول أنه يأخذ من أيدولوجية ما ما يتفق والنموذج الإنساني الإسلامي ولكني أعجب من الذين يدّعون أن أيدولوجية ما هي أصل الإسلام كمن يدّعون أن النظام الاقتصادي الإسلامي هو في حقيقة الأمر نظام رأس مالي أو من يدّعون أن الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري كان زعيم الاشتراكيين مثلا وهذا كله من مظاهر الانسحاق التي ورد ذكرها في أول المقال.

إن الأيدولوجيات وقد أثبتت فشلها حيث انهزمت الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفييتي وهاهي تنهزم الرأسمالية أخلاقيا ويثور الغربيون عليها سواء في صورة رفض صريح لها أو في صورة هروب منها واللجوء إلى اليوجا وغيرها من ممارسات متعلقة بديانات الشرق الأقصى، فالعيب كل العيب أن يتخلف المسلمون – الذين علّمهم الله حقيقة الإنسان وحقيقة الحياة – عن اللحظة التي يثور فيها البشر على الأيدولوجيات ويتطلعون إلى الرجوع إلى أصولهم الإنسانية.

نسأل الله أن يهدينا إلى الحق ويعيننا على التحقق بحقيقته

باسم زكريا السمرجي
باحث في مركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية
17/4/2011

الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١١

من هي القوى الوطنية بقلم د. المصطفى حجازي

من هى القوى الوطنية؟!


سؤال قديم جديد - ملح فى كل وقت وأكثر إلحاحاً فى لحظات تفاقم أزمات الوطن. يرد هذا السؤال أكثر مايرد -تصريحاً وتلميحاً- فى أدبيات من توصف بقوى المعارضة بعد كل هزيمة تلحق بمستقبل الوطن فى موقعة من مواقع معركته السرمدية من أجل الحرية والعدل والكرامة.


و ينصرف السؤال عادة إلى نوع من الفرز القائم على إقصاء بعض أطراف تلك النخبة الفاعلة فى المجتمع – تحت لواء المعارضة السياسية – لأطراف أخرى منها وتظهر دعاوى التخوين وادعاءات ملكية صكوك الإخلاص والخلاص والوطنية فى هذا الإطار. وينتهي الأمر عادة إلى تصنيفات فاسدة على معايير فاسدة، تكرس الاستقطاب وبأس البين الشديد والفشل وذهاب الريح.

الصادم أن البحث لإجابة هذا السؤال يبدأ بفرضية خاطئة، آن أوان تصويبها، وهى أن النظام السياسي المصري يستقيم فى حقه تصنيفات من نوع حكومة (موالاة) ومعارضة.


وواقع الأمر أن ذلك غير صحيح بالكلية. فالنظام السياسي المصري بكل فاعليه ولاعبيه ومراقبيه ومشاهديه، من الرخاوة والسيولة بمكان بألا يصح فى حقه تصنيفات تصح فى حق نظم مستقرة أو على الأقل شبه متزنة بحد أدنى من الحقوق والواجبات. فالنظام السياسي بل والاجتماعي الاقتصادي كله فى حالة توازن الفوضى أكثر من أى شئ آخر.


وعليه فيلزم بداءة أن نعلم أن البحث عن تعريف من هي القوى الوطنية يتطلب عودة إلى أساسيات إنسانية مرتبطة بتعريفات المجتمعات ومعنى الدولة والتأكد من مدى ثبوت، بل أقول قبول هذه الأفكار فى المجتمع المصري الراهن. فنحن لانستطيع أن نفرز القوى المجتمعية السياسية إلى معسكرى حكم ومعارضة مع التلميح (كما تتصور القوى غير الحاكمة المعارضة ظاهراً) بأن صفة الوطنية -و المعني بها الإخلاص لقضايا الوطن الحقيقية- هي من نصيب نخبة المعسكر غير الحاكم والتي تبدو معارضته لمعسكر الحكم تصريحاً. لانستطيع أن نقوم بهذا الفرز بين جماعة واحدة متسقة تماماً فى معظمها مع مبدأ أساسي يحكم جل أفرادها وهو التوافق على غياب فكرة المجتمع ومعنى الدولة عملياً عن كل أساس فكري أو تطبيقي تعلَمُوه أو اعتنقوه أو مارسوه.

فعند البحث عن تعريف للقوى الوطنية وتحديد من يمثلها من فاعلي الساحة السياسية المصرية بل ومراقبيها، نجد أن ما يصح فى حق ما يسمى"النظام الحاكم" يصح فى حق ما يسمى "النخبة المعارضة" مع غياب تفصيلة واحدة وهي غياب سطوة الحكم عن أفراد النخبة المعارضة.


أما درجة الإيمان بفكرة المجتمع والدولة بداية من وجود مشروع جامع متوافق عليه وغياب الشخصنة والقبول بالآخر، بغية العيش المجتمعى فى ظل دولة. "فالجميع، مع بعض التخصيص، متطابقون، متوائمون مع ثقافة المماليك والإقطاعيات أكثر من التواؤم مع ثقافة الدولة الراعية التى تحكم الجميع".

إذاً واقع الحال والتعريف العلمي يسوقانا إلى أن القوى الوطنية المصرية ،

  • أولاً: لا يكون البحث عنها في إطار الفاعلين السياسيين ولكن يكون البحث الأدق والأولى فى المجتمع المصري على سعته.
  • ثانياً: تكون القوى الوطنية- الواجب البحث عنها فى رحم المجتمع المصري الأخصب وليس فى رحم القوى السياسية العقيم- هي كل من يصح فى حقه – اعتناقاً و ممارسةً– فكرة المجتمع ومعنى الدولة المقدمة على كل ما هو شخصي، بحيث لا تقاس قيمة لأي ما هو شخصى إلا فى سياق ما هو فى إطار المصلحة الأولى والأعلى للمجتمع والدولة. ولا يكون معيار إنكار الذات هو درجة اللد فى الخصام مع معسكر الحكم ومقدار الأذى اللاحق بصاحبه جراء ذلك الخصام والتماهي فى حالة التضحية المُدَّعاة بين فريقين، مقصد تخاصمهم هو الانتصار لذواتهم أو لأيديولجياتهم على حساب معنى الدولة والمجتمع.
  • ثالثاً: فيكون تعريف كل ماهو مجتمعى متعد للشخصنة هو المتوافق عليه مع الإقرار بقبول الآخر والتنازل المشترك من أجل التعايش المشترك.

"وعليه فإن القوى الوطنية التى تستحقها مصرنا، هي ليست الأكثر إلحاحاً على الصدامات الرمزية بل هي التى تمتلك أهلية قيادة المجتمع نحو ممارسة ملكيته لوطنه من خلال منح شرعية الحكم أو منعها".

وتكون شواهد هذه الأهلية هي كفاءة استجلاء الهدف الجامع والمشروع الجامع للأمة في كل مراحله ثم كفاءة الدفع نحو هذا الهدف تخطيطاً، وتواصلاً وتحقيقاً للتوافق. وأن تلزم نفسها والمجتمع – قناعة – بمعيار قياس وحيد وهو ذلك الهدف الجامع المحقق لحقيقة معنى الدولة الراعية المهيمنة، فيصير الاختلاف الأيديولجى تنوعا يثري القوة ولايغري بالعصبية وتصير خلافات هذه القوى الوطنية التى نحن بصدد تعريفها (إن حدثت تلك الخلافات) خلافات تجويد لا خلافات تجميد.


ومع انسداد الأفق الديمقراطي السلمي للإصلاح السياسي كأحد مداخل الإصلاح الاجتماعي الاقتصادى والإصرار على دفع الأمور إلى غير ذلك من طرف لاعبي السياسة على ضفة الحكم مع إصرار لاعبي السياسة على الضفة الأخرى على إحالة الأمر إلى رمزية صدام وصراع إعلامي فالأمانة تلزمنا بأن نمعن البحث عن تلك القوى الوطنية على مدى ليس بقصير وفي دوائر الشباب الناضج فى هذا الوطن. ولا يقتصر تعريف الشباب على مرحلية عمرية صغيرة فكم من شباب فى مقتبل العمر اكتهل بل شاخ بفقدانه القدرة على الحلم والأمل وتلوث نضجه بأمراض من سبقوه من شخصنة وانغلاق فى أيديولوجيته وتقديمها دوماً عن فكرة المجتمع حتى صارت عصبية مقدمة عن معنى الوطن.


وأخيراً يلزمنا أن نؤكد أنه لم يبق للاعبي السياسة على ضفتي النظام (حكومة ومعارضة) من سبيل لنيل شرف تعريف القوى الوطنية المستحقة لمصر إلا أن تؤسس الطريق للقوى الوطنية القادمة أو تفسحه. وإن كان لها أن تؤسس رصيد من مصداقية قادمة لدى الشارع مع إصرار على البقاء فى مكانها داخل لعبة السياسة فإن الحلول المطلوبة والحالة صارت شديدة الراديكالية لأهل ضفتي النظام، فأهل الحكم سيصيرون أقرب إلى التنازل القسري عن مواقعهم أمام خطوات صادقة من أهل ضفة المعارضة تتجاوز الاحتجاجات الرمزية إلى مابعدها... وهو شديد القسوة.





د. المصطفى حجازي

مفكر مصري

ديسمبر 2010


صفحة د. حجازي على الفايس بووك

http://www.facebook.com/Dr.Higazy

الأحد، ١٠ أبريل ٢٠١١

محمد حسني مبارك ... الزعيم الحقيقي لثورة 25 يناير

يتوجه الشعب المصري العظيم بخالص الشكر والعرفان للسيد الرئيس محمد حسني مبارك الذي لولا ما جادت به قريحته وفاضت به حكمته لما كتب الله لهذه الثورة أن تتم وأن تصحح مسارها ذاتيا في كل مرة كانت تبدو وكأنها ستحيد عن مسارها أو سترتد على عقبها

حرمتنا من طلتك البهية يوم الخامس والعشرين من يناير وتركتنا لغربانك السود ينثرون علينا عطورهم تسيّل منا الدموع ويعملون فينا هراواتهم تدغدغ فينا الضلوع. وظللت "تتفرج" علينا كأب حنون يتابع بابتسامة حنو بالغ ابنيه وهما يمزحان ولكن حينما "تقّلنا عليهم في الهذار شوية" أعلنت أنك ستخاطبنا بعد قليل. وامتد القليل وتمادى وحبسنا الأنفاس والأنفس حتى إذا طلعت علينا وبلغت القلوب الحناجر وسكت التصفيق (صحيحٌ لم يكن هناك تصفيق ولكننا اعتدناه فتخيلناه) ثم ها أنت تهم بالحديث فإذا بك تحرك شفتيك ولا تخرج صوتا

نستمر نحن في الحج إلى مقام سيدي التحرير وبعد أن اعتدنا عليه واعتاد عليه حتى كدنا نصاب بالملل تطل علينا تعاني صعوبة في الحركة حتى أنا لاحظنا أنك كنت معتمدا في وقفتك على عكازا اسمه "متلازمة ستوكهولم" فنبيت ليلتنا وفي كل بيت انقسام بين من يحملون داء استوكهولم وغيرهم من المواطنين المصريين الذين لم يرضوا عن الأدواء المصرية كالكبد الوبائي والفشل الكلوي بديلا

ولكن ولأنك نعم الأب ولا ترضى لنا أن نمضي أيامنا في مثل تلك الحال تطلق علينا صباح اليوم التالي أصدقاءك الأنعام ليوحدوا صفوفنا مرة أخرى



وأخيرا وليس بآخرا بعد أن انقطعت بنا السبل وآلت الثورة لمشارف الارتداد وانصرفنا عن دماء شهدائنا إلى صد غزوة الصناديق. وذهب الذاهبون إلى تواطئ المجلس العسكري أو تباطئه. وارتد الثائرون على أنفسهم. وافتقدنا دفة القيادة الثورية التي كانت بيديك تديرها بحكمة وانقطع منا الرجاء بعد أن تهورنا وعزلناك فكيف نؤمل فيمن ليس فينا؟ ولكنك أبيت إلا أن تقوم بدورك وتهاتفنا قبيل استدعائك للمحاكمة لتوحدنا مرة أخرى وتذكرنا بأنك أنت هدفنا ولا سواك


شكرا سيادة المخلوع
وصدق اللي قال عاش مبارك موحد الأديان
:)

الاثنين، ٤ أبريل ٢٠١١

عن الوضع العربي من وحي محي الدين ابن عربي - بقلم د. عزمي بشارة



"اللفظ الذي يهيمن على المعنى لا يعول عليه".

"كل صمت لا يحتوي الكلام لا يعول عليه".
" كل معنى احتوته عبارة لا يعول عليه".
"تعظيم الحق في بعض الأشياء لا يعول عليه".
النقص للشيء دون وعي هذا النقص لا يطور حاجة ولا يعول عليه.
"الجوع لا يعول عليه".
الجهل لا يعول عليه.
الفقر لا يعول عليه.
كل حرية دون عدالة ليست حرية ولا يعول عليها.
كل عدالة دون حرية ليست عدالة ولا يعول عليها.
كل مساواة دون حرية ليست مساواة بالحقوق تتحول إلى مساواة بالعبودية ولا يعول عليها.
كل دولة بمواطنين دون مواطنة لا يعول عليها.
كل مواطنة تشمل انتماء لدولة ولا تشمل انتماء لمجتمع لا يعول عليها.
كل مواطنة دون مساهمة في إنتاج خير عام في الحيز العام ليست مواطنة ولا يعول عليها.
أي مواطن لا يدافع عن حيزه الخاص لا يعول عليه.
أي امتياز مولود، أي فضل مولود لمواطن على آخر ينسف المواطنة ولا يعول عليه.
كل مساواة لا يسبقها مساواة أمام القانون، وكل قانون لا يساوي بين الناس فيما لا فرق فيه لا يعول عليه.
كل مساواة تختزل إلى تشابه ولا تتضمن فرقا لا يعول عليها.
كل دولة ليس فيها فصل بين الحيز الخاص والعام، والمال الخاص والمال العام ليس فيها فساد، لأنه ليس فيها غير الفساد، ولا يعول عليها.
كل إصلاح دون مصلحين إصلاحيين لا يعول عليه.
كل إصلاح لا يهدف إلى تحسين الأحوال بل للإبقاء عليها ليس صالحا ولا يعول عليه.
كل إصلاح في نظام الحكم والإدارة لا يشمل إصلاح القيم والأخلاق السائدة وثقافة الناس السياسية ووعيهم بحقوقهم وتوقعاتهم من الحكم ومن المواطنة لا يعول عليه.
كل سياسة في دولة هي ملك لعائلة ليست فعلا في الحيز العام أي ليست سياسة إذا لا يعول عليها.
كل أصالة قائمة بذاتها، هي أصالة على مستوى الهوية، أي ليست أصالة ولا يعول عليها.
كل أصالة تكتسب أصالتها من كونها ضد الإبداع والتطوير أي هي صورة انعكاسية عن الآخر ليست أصالة ولا يعول عليها.
كل أصالة لم تكن يوما حداثة ولا تريد أن تصبح حداثة ليست أصالة بل تقليدا ولا يعول عليها.
كل سياسة دون عاطفة لا يعول عليها.
كل عاطفة ليس فيها حب لا يعول عليها.
حب المال والجاه والثروة والمنزلة وليس حبا لشخص أو للناس أو لله، ليس حبا، ولا تقوم عليه السياسة التي يعول عليها.
كل تعصب هو تقمص لتقليد التقليد، ولا يعول عليه.
كل شجاعة ناجمة عن تعصب هي خوف، رغم أنه خوف من الخوف، ولا يعول عليها.
كل تحويل لصفات ولد عليها الإنسان إلى مزايا يتعصب لها كأنها أفكار أو يفتخر بها كأنها بفضله أو إنجازا منه، يستعيض عن حب الناس بالتعصب للذات التي تتشكل على هذا النحو كمجموعة صفات دون إنسان، ولا يعول عليه.
التعصب ليس عقلا وليس حبا وليس إيمانا حرا ولا جمالا ولا يعول عليه.
كل تعصب لانتماء لمجموعة من البشر هو جاهلية ويستعيض عن حب الناس بالتعصب للذات التي تتشكل على هذا النحو كجماعة من البشر دون إنسان ، ولا يعول عليه.
كل تعبير عن مشاعر الجماهير يأتي بدل التعبير عن مصالح الناس يخلق في الواقع مشاعر الجماهير لغرض استخدامها من اجل مصلحة بعض الناس، ولا يعول عليه.
كل من يعين نفسه معبرا عن مشاعر الجماهير هو كاذب لا يعول عليه.
كل إعلام لا يفيد علما لا يعول عليه.
كل إثارة لا يعول عليها.
المزيد من الإعلام الذي لا يفيد علما لا يعول عليه.
كل نجومية لا يعول عليها.
أي استخدام للقيادة لغرض النجومية لا يعول عليه.
كل إعلام يقوم على تملق مشاعر ورأي الجمهور لا ينتج معرفة ولا يوصل معلومة ولا يعول عليه.
كل نهج قائم على الصمت عما يرتكب وإخفاء ما يمارس من ظلم بحجة جواز الكذب لغرض أسمى هو منهج ضعيف لا يعول عليه.
كل نظام يخشى حرية التعبير عن الرأي بالكلام نظام ضعيف لا يعول عليه.
كل حرية تقتصر على حرية التعبير عن الرأي لا يعول عليه.
كل مساواة بين الصواب والخطأ وبين الشائعة والمعلومة وبين الرأي القائم على تفكير وبين الكلام الذي لا يعكس أي تفكير أو موقف، أي مساواة بين ما هو رأي وما هو لا رأي، لا يعول عليها.
كل رأي نابع عن مزاج وليس عن تفكير عقلاني ولا عن موقف أخلاقي ليس رأيا ولا يعول عليه.
أي رأي ناجم عن إجبار صاحب رأي على الاعتذار عن رأيه لا يعول عليه.
أي رأي مدفوع بغيرة أو حسد ليس رأيا ولا يعول عليه.
كل واقعية تتجاهل واقع الظلم والجور والحرمان لا ترمي إلى تغيير الواقع، ليست واقعية ولا يعول عليها.
كل استخدام مقصود للدين في السياسة يحول الدين إلى وسيلة والله إلى أداة ولا يعول عليه.
كل استخدام مقصود للسياسة في الدين يحول الدين إلى إكراه أو مصلحة ولا يعول عليه.
كل متدين لا يحترم تقوى وتعبد متدينين آخرين ليس متدينا، بل متعصبا جاهليا، ولا يعول عليه.
أي هوية لا تدرك أنها مصنوعة تتعصب ولا يعول عليها.
أي هوية يبشر بها المستعمر ضد هويات قائمة لا يعول عليها.
أي هوية تعتبر الاعتراف بها بديلا عن حقوق أفرادها لا يعول عليها.
كل محاولة لفهم حالة لم تكتمل بعد دون فهم تاريخها لا يعول عليها.
كل تعال على التاريخ وادعاء فهم ما يجري دونه، كل تجاهل لتاريخ تقسيم المنطقة العربية استعماريا هو غرور وادعاء لا يعول عليه.
كل قصر لأسباب بؤس الأمة على تاريخ الظلم اللاحق بها لا يعول عليه.
كل تعامل مع الحالة العربية كأنها مؤلفة من سياسات ودول ذات سيادة لا يعول عليه.
كل من يعتبر الكيانات العربية دولا ذات سيادة لا يعول عليه.
كل كلام يقال بعد اجتماع زعيمين عربيين لا يعول عليه.
كل كلام يقال قبل وبعد اجتماع زعيم عربي بالرئيس الأميركي لا يعول عليه.
كل تجاهل لأكاذيب إمبراطورية الولايات المتحدة يفترض حق دولة بالكذب أمرا طبيعيا مسلما به، وأنه من الواقعية الاعتراف بهذا الحق، ولا يعول عليه.
كل استمرار للحديث بالسياسة دون أن يتذكر كل ما كان موقفه من احتلال العراق قبل الحرب على العراق ويحاسب نفسه علنا هو كذب وتمثيل لا يعول عليه.
كل تناول لتصدير الديمقراطية الأميركية يتجاهل تكسير العراق وتحطيم العراقيين ومحاصرة نتائج الانتخابات في فلسطين لا يعول عليه.
كل المؤتمرات التي تنظم بدعم أجنبي أوروبي وأميركي عن الديمقراطية لا يعول عليها.
كل حديث عن الجبروت الأميركي يتجاهل أن أميركا لم تربح أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم سوى في جرانادا وبنما لا يعول عليه.
كل كلام عن الشرعية الدولية لا يعول عليه.
كل صمت عن الشرعية الدولية لا يعول عليه.
أي حديث إمبراطوري في الديمقراطية خارج إطار المواطنة في الإمبراطورية ذاتها لا يعول عليه.
أي حديث إمبراطوري عن فرض السلام قد يعني مذبحة ولا يعول عليه.
أي تبشير أميركي بالديمقراطية في المنطقة العربية لا يعول عليه.
أي دعوة يوجهها مستعمر أو مهيمن أو مسيطر للقوى التي يسيطر عليها للاعتدال لا يعول عليها.
أي اعتدال نحو الخارج لا يرافقه اعتدال نحو الداخل لا يعول عليه.
أي تطرف ضد المستعمِر لا يرافقه اعتدال في المجتمع الواقع تحت الاحتلال لا يعول عليه.
أي تقسيم للأمة إلى طوائف دينية ينشئ تعدد عصبيات، ويمنع تعدد الآراء، ويقيم تعددية تجهض التعددية الديمقراطية ولا يعول عليه.
أي شخص يخلق جماعة فقط لكي يقودها، أو يخلق طائفة لكي يتحدث باسمها هو شخص لا يؤتمن، ولا يعول عليه.
أي حديث عن ظلم من يصنف كأقلية لا يتذكر الظلم اللاحق بالأكثرية لا يعول عليه.
أي حديث عن حقوق لناس صنفوا كأقلية رغم أنهم يعتبرون أنفسهم جزء من الأكثرية هو بحد ذاته ظلم ولا يعول عليه.
أي ديمقراطية تخلق أقليات ثابتة رغما عنها ليست عدلا ولا حرية، ولا يعول عليها.
أي حديث حول حق تقرير المصير للشعوب ينكر حق أكبر قومية في العالم المعاصر محرومة من ممارسة حق تقرير المصير، هي القومية العربية، لا يعول عليه.
أي سياسة تنطلق من اعتبار دولة قامت على اغتصاب أراضي الآخرين وتشريدهم دولة ديمقراطية لا يعول عليها.
أي مقارنة بين عنف المحتل وعنف الواقعين تحت الاحتلال هو مساواة بين احتلال ومقاومة الاحتلال ولا يعول عليه.
أي نقد للاحتلال لا يعتبره إرهابا للمدنيين الواقعين تحت الاحتلال لغرض كسر إرادتهم بالتحرر من الاحتلال لا يعول عليه.
أي مقاومة تعتبر العنف هدفا أو وسيلة استعراضية لا يعول عليها.
أي مقاومة للاحتلال تهدف للتنافس بعدد ضحاياها لا بمنجزاتها لا يعول عليها.
أي مقاومة لا ترمي لهزيمة الاحتلال لا يعول عليها.
أي مقاومة للاحتلال لا تهدف إلى الحرية بعد زوال الاحتلال لا يعول عليها.
أي مقاومة تحول البلد إلى مستنقع للاحتلال ومستنقع لمن يعيش تحت الاحتلال لا يعول عليها.
أي نقد يوجه للمقاومة من طرف من يعارضون مقاومة الاحتلال كمبدأ لا يعول عليه.
أي حرية لا يسبقها فعل تحرر لا يعول عليها.
أي حرية دون حرية اختيار لا يعول عليها.
أي ديمقراطية تحت احتلال لا يعول عليها.
أي انتخابات لا تحترم نتائجها لا يعول عليها.
أي مصلحة سياسية داخلية متحققة عن تحالف مع حصار خارجي على شعب بتقييد حريته وتجويعه تنتج عن رغبة بالوصول إلى السلطة وممارستها كغاية بذاتها ولا يعول عليها.
كل من يستطيع محاورة الاحتلال ولكنه لا يستطيع محاورة من يختلف معهم من أبناء شعبه تحت الاحتلال لا يعول عليه.
أي محاولة لإثارة إعجاب الاحتلال هي تكريس لحالة الدونية حتى بعد الاستقلال لا يعول عليها.
أي ادعاء أن ما يجري بين المحتلين والواقعين تحت الاحتلال هو حالة حوار هو تظاهر كاذب لا يعول عليه.
أي ثقافة تعتبر الاعتراف بها كممثل رمزي للحقوق بديلا عن الاعتراف بالحقوق لا يعول عليها.
أي مثقف يحاول أن يخلق مساواة افتراضية بحيث يعتبر تعامل مثقفي الاحتلال معه بندية، حتى لو لم يكن ندا، تعويضا عن الظلم الذي لحق بشعبه يحاول أن يستفيد من مأساة شعبه دون أن يطور ندية، إنه مأساة إضافية لشعبه ولا يعول عليه.
أي ثقافة تفترض ندية بينها وبين ثقافة الاحتلال وتطالب بمساواة على طاولة حوار في ظروف احتلال هي ثقافة زائفة لا يعول عليها.

السبت، ٢ أبريل ٢٠١١

حقيقة المرحلة واستحقاقاتها

إذا وضعنا ثورة الخامس والعشرين من يناير في سياقها التاريخي إلى جوار الثورات المصرية السابقة لها – والتي تحولت جميعها إلى أنصاف ثورات لأسباب عدة لا مجال للتفصيل فيها – نجد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي الثورة الوحيدة التي يمكن أن تكون ثورة كاملة، وهي في طريقها إلى ذلك فعلا، فلقد توافر فيها شرطان لم يتوافرا مجتمعين في ما سبقها من ثورات، وهذان الشرطان هما .. أولا: الشرعية الشعبية. وثانيا: راديكالية المطالب. فثورة الخامس والعشرين من يناير تفردت بأنها ثورة شعبية خالصة ، فلا مرشد فكري لها ولا قائد حركي، بل كانت القيادة الحركية للشعب، والقيادة الفكرية للعقلية الجمعية للشعب المصري لا لفكرة أيدولوجية ما تقودها طليعة ثورية أو سياسية محددة. ولأن "الشعب" هو من أخذ الخطوة الأولى للشارع في الثورة وهو الذي دفع الدم ثمنا لها، فالشعب هو الذي أخذ بزمام الشرعية الثورية وأدركت العقلية الجمعية ذلك تماما حتى وإن غاب ذلك الإدراك عن بعض الأفراد. والشرط الثاني الذي توافر في ثورة الخامس والعشرين من يناير – والذي كان في اجتماعه مع الشرط الأول مصدر تفرّد تلك الثورة – وهو راديكالية المطالب فمطالب الثورة كانت (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية) وهي على بساطتها وبديهيتها كانت مطالب راديكالية بالنسبة لوضع المجتمع المصري الذي غابت عنه تماما هذه المعاني بسبب طول مدة التي عاش فيها المصريون في الاستبداد، ذلك الاستبداد الذي ضاعف من أثره غياب المشروع الوطني الجامع بعد حرب أكتوبر 1973 والذي أدى إلى أن تكون صورة مصر حتى يوم الرابع والعشرين من يناير 2011 صورة أشبه بدولة المماليك فالمملوك الأكبر يتصور أنه يمتلك البلاد وما عليها ويقتطع منها ما يوزعه على أصحاب الحظوة، ودولة المماليك تلك أسوأ من المملكة حيث أن ذلك المملوك الأكبر يختلف عن الملك في انتمائه لأن الملك في الغالب يكون من أهل البلد ويعمل على بناء مجد لبلده ويعتبر ذلك جزءا من بناء مجده الشخصي أما المملوك فهو لا ينتمي إلا لكيس نقوده. وفي مثل هذا الظرف التاريخي الذي عاشت فيه مصر لمدة ثلاثين عاما كان لابد أن تغيب تماما عن المجتمع المصري قيم إنسانية كالعدل والحرية والكرامة وتحل محلها قيم الظلم والقهر والذل.


ولما نهض المصريون ليستعيدوا إنسانيتهم أدركوا أن ما يقف بينهم وبين تلك المطالب هو ذلك النظام المملوكي فتبلورت الإرادة الشعبية في تلك الجملة العبقرية "الشعب يريد إسقاط النظام" والتي حققها الشعب المصري بصبره ومثابرته وعبقريته في التفاعل مع كل محاولات الالتفاف التي كان يقوم بها النظام. تلك العبقرية التي تجلت أكثر ما تجلت في إسقاط الرموز والنخب الذين تفاوضوا مع نظام سقطت شرعيته حين أراد الشعب إسقاطه. أما وقد تحقق لنا ذلك المطلب المبدئي وسقط النظام أصبح لزاما علينا أن ندرك حقيقة أننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة على طريق الثورة المصرية لابد لنا أن ندرك حقيقتها هذا الفصل واستحقاقاتها.


وحقيقة المرحلة التي نحياها الآن شديدة الشبه بمرحلة وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكية، فنحن الآن نعيش مرحلة ما قبل المجتمع. وما أقصده ليس غياب هياكل أو أشكال تنظيمية لتمثيل المجتمع أو التعبير عنه بل ما أقصده هو غياب "فكرة" المجتمع نفسها. تلك الفكرة التي كان غيابها نتيجة طبيعية للسياق المملوكي الذي كان يتغذي على تفكيك المجتمع وتذريره بل وهدمه وضربه ببعضه البعض ورده إلى أصوله الأولية حتى ضاعت الهوية الجامعة وصار الملاذ لكثير من المصريين هو التمترس خلف هويات زائفة فمتمرسون خلف الهلال, ومتمترسون خلف الصليب, ومتمترسون خلف مجتمعات الجولف المنعزلة...إلخ. وإن استطاع المصريون تخطي ذلك التفكيك في لحظة تاريخية ما وهي لحظة "ميدان التحرير" فلضمان استدامة هذه اللحظة لابد من مأسستها وهذا ما ينقلنا إلى استحقاقات المرحلة.


وللحديث عن استحقاقات المرحلة، وحتى لا يكون حديثا في الفراغ سأنطلق مما هو مطروح على الساحة من النخبة من محاولات لإنشاء أحزاب وائتلافات وحملات انتخابات وما إلى ذلك من أطروحات نخبوية أثبتت فشلها في كل اختبار تعرضت له منذ اليوم الأول بعد التنحي. وكان أهم اختبار هو الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أتت نتيجته مغايرة لما روّج له كل المرشحين الرئاسيين والنخب والأحزاب السياسية. وكنت أظن أن هذه النتيجة كفيلة بأن تدفع النخب لإعادة التفكير والسعي للتغيير من استراتيجيات العمل غير أنهم بدلا من أن يقروا بخطئهم ويتعلموا منه أنكروا مسؤوليتهم ولعبوا دور الضحية ببراعة حين تذرعوا بمن أساء استغلال الدين في السياسة. وما أراه هو أن تفرّد اللحظة تفرض على من يريد أن يجاريها أن يفكر خارج الإطار الذي اعتاده وهذا ما ظهر أن النخبة المصرية لا تحسنه. فالحديث الآن يدور في أوساط النخب عن الأحزاب والائتلافات ولجان للحوار الوطني "النخبوي" وما إلى ذلك يدور في فلك بناء الدولة. ووظيفة الدولة البديهية هي إدارة المجتمع. ومع التسليم بغياب المجتمع فلا معنى لبناء الدولة قبل بناء المجتمع وإلا فنحن نعيد إنتاج الاستبداد مرة أخرى بخلق شرعية فوقية تفرض نفسها على المجتمع وهذا ما ثار عليه المصريون ولن يقبلوا به مرة أخرى.


إن المجتمع الذي ثار على الشرعية الفوقية وانتزع الشرعية لنفسه لن يقبل بشرعية فوقية مرة أخرى حتى وإن تحوّرت لتصير أكثر أناقة. وحتى يعبر المجتمع عن نفسه بشكل سليم لابد من إيجاد تيارٌ مجتمعي رئيسي يعبر عن إرادة هذا المجتمع. وهذا التيار هو الذي يؤسَس عليه البناء السياسي كله بأحزابه وائتلافاته وجماعاته، فالإرادة السياسية هي تجل للإرادة المجتمعية تنطلق منها لتحميها وتعبر عن تلك الإرادة السياسية مجموعة من النخب لا يفرضون شرعية على المجتمع بل يستمدون شرعيتهم منه.


إن ما نحتاجه الآن حقا هو أن نضع أسس بناء هذا التيار الرئيسي الذي لابد له – حتى يعبر عن إرادة المجتمع الحقيقية – أن ينطلق من الإيمان بهويته وإنسانيته فأهلية من أراد الانتظام في هذا التيار كما عبر عنها د. المصطفى حجازي هي في أن يؤمن كل من ينتظم في هذا التيار بأنه إنسانٌ حرٌ مصريٌ يستطيع تجاوز انتمائه الأيدولوجي أو الديني أو الطبقي والعمل تحت راية وطنية واحدة متعددة الألوان





باسم زكريا السمرجي

باحث بمركز المربع للفكر الاستراتيجي

2/4/2011