الجمعة، ٢٥ مارس ٢٠١١

مشروع التوعية السياسية في الشارع

لي صديق طلب مني أن أعينه على ما يعتزم فعله من نشر للتوعية السياسية لرجل الشارع البسيط ففكرت أن أكتب كلاما عاميا بصيغة السؤال والجواب لرجل الشارع البسيط وأرجو منكم إفادتي بملاحظاتكم وإضافاتكم وشكرا


يعني ايه دولة مدنية؟

يعني دولة اللي بيحكمها القانون المدني مش القانون العسكري ولا القانون الديني


وايه المشكلة يعني لما يحكمنا القانون الديني؟

المشكلة إن لو واحد بيحكم باسم الدين هيبقى هو مصدر الشرعية .. يعني ايه؟ يعني اللي يقول عليه هو الصح لأنه هيبقى بيحكم باسم ربنا بقى وطبعا انت عارف إن ماحدش يقدر يعمل كده غير سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام إنما من بعده لازم اللي يحكم يحكم برأي الناس وقانون الأغلبية، وبعدين احنا في مصر أصلا عندنا مادة بتقول إن الإسلام هو دين الدولة وإن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع وكلنا مسلمين ومسيحيين راضيين بيها إنما اللي مانرضاهوش إن واحد ييجي يحكمنا ولو غلط واحنا اعترضنا عليه يقول لنا أنا باحكم باسم الدين ولو اعترضتوا عليا يبقى بتعترضوا على ربنا ... ساعتها يبقى احنا لبسنا ف الحيط


طيب يعني الناس اللي قصدها إننا نفصل الدين عن الدولة قصدهم كده؟

مش كلهم .. في ناس بيقولوا كده إنما في ناس تانية ودول الناس اللي فاهمين غلط. بس دول قليلين وسيبك منهم آخرهم يطلعوا ع التليفزيون أو يكتبوا كلمتين ع النت


دول الناس ولاد الـ..... اللي عايزين حرية في كل حاجة وعايزين يفتحوها على البحري بقى...

مش شرط برضه. أصلا انت تتفق معايا إن أكبر ذنب ممكن حد يعمله إنه يكفر صح؟ طيب تعرف إن ربنا بقى أعطانا الحرية حتى في الكفر للي عايز يكفر؟ مش ربنا بيقول "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"؟ يعني اللي عايز يكفر يكفر هو حر فأكيد أي حاجة تانية بقى هتبقى أقل من الكفر يبقى عنده حرية إنه يعملها. الحرية تبقى مؤذية لما تتعدى على حرية حد تاني وساعتها ماتبقاش حرية تبقى قلة أدب. يعني ماينفعش واحد يمشي عريان في الشارع ويقول دي حريتي لأنه كده بيؤذي المجتمع كله. إنما الحرية الصح هي اللي ييجي معاها مسؤولية على طول. انت عارف احنا ليه ربنا هيحاسبنا ومش هيحاسب الحيوانات ولا الملايكة حتى؟ علشان احنا عندنا حرية الاختيار وهم ماعندهمش فمع الحرية تيجي المسؤولية والحساب على طول. وبعدين الدولة المدنية مش علشان الحرية بس، إنما علشان حاجة تانية مهمة جدا ويمكن أهم من الحرية كمان وهي العدل والعدالة الاجتماعية.


يعني ايه العدالة الاجتماعية؟

شوف يا سيدي .. العدالة الاجتماعية دي يعني من الآخر الناس كلها تبقى مرضيّة. يعني أقل عامل في البلد يبقى بياخد مرتب يكفيه إنه يعيش ويفتح بيت ويعلّم عياله. طبعا العدالة الاجتماعية مش معناها إن الناس كلها تبقى أغنيا أو الناس كلها تبقى فقرا لأن ربنا خلق الناس طبقات وهتفضل طول عمرها طبقات. الفكرة بس إن أقل واحد في البلد يبقى معاه اللي يكفيه إنه يقضي حاجاته الأساسية وحاجات أولاده زي المسكن والمأكل والملبس والتعليم كمان. والعدل مع الحرية دول هم اللي يعملوا "إنسان" وهم اللي يفرقوا الإنسان عن غير الإنسان.


أكتر حاجة بقى تضمن لنا تحقيق العدل والحرية والكرامة دول هي الديمقراطية .. ويعني ايه ديمقراطية؟

يعني ببساطة حكم الأغلبية. الشعب في انتخابات حرة نزيهة يختار اللي هيمثلوه في البرلمان بجد وبعد كده القرار يبقى بالأغلبية جوة البرلمان فيبقى كأنك بتاخد رأي الشعب كله في كل حاجة


طيب افرض الأغلبية دي اختارت حاجة غلط؟

ازاي بقى؟ دايما رأي الأغلبية هو الصح حتى لو كان غلط .. ازاي؟ علشان رأي الجماعة هيبقى على الأقل بيجنبنا المشاكل اللي ممكن تحصل جوة المجتمع وتقسمه فحتى لو الجماعة غلطانة من وجهة نظرك لازم تعرف إن رأيها هو الأصلح لها حتى وإن ماكانش هو الأصح في كل الأحوال


طيب افرض أنا مش موافق على رأي الأغلبية؟

ماهي حاجة أساسية في الديمقراطية إننا نحترم الاختلاف طالما في الصالح العام طبعا يعني زي الاستفتاء على التعديلات الدستورية مثلا كان في ناس بتقول نعم وناس بتقول لا والاتنين كانوا خايفين على البلد بس دلوقتي نعم كسبت المفروض بتوع لا مايتقمصوش بقى إنما يحترموا رأي الأغلبية ويشتغلوا معاهم لمصلحة البلد. وده في كل حاجة بقى لأن كمان انت النهاردة لو أقلية بكرة تبقى أغلبية في حاجة تانية وهكذا. مشكلة حسني مبارك إنه كان دايما زانقنا ومش مخلينا نعرف نختلف مع بعض علشان ماكانش في حرية وكان هو اللي بيختار لنا وكلنا كنا عارفين إن أي حاجة في مصلحته هي غلط وأي حاجة ضده فهي صح إنما دلوقتي بقى هنبقى دايما محتارين ما بين حاجتين أو أكتر صح وفي مصلحة البلد وهي دي بقى ممارسة الحرية. وبعدين الديمقراطية الصح هي إن يبقى في كذا اختيار قدامك والناس تختار بحرية والأقلية ماتتقمصش من الأغلبية والأغلبية ماتمشيش تدبّح في الأقلية برضه إنما الاتنين يشتغلوا مع بعض على حسب نتايج التصويت الحر النزيه


طيب خلينا بقى نتكلم شوية عن مؤسسات الدولة...

أولا: يعني ايه دولة؟

يعني المؤسسات أو الهياكل التنظيمية اللي بتنظم الحياة بين الناس علشان تحقق لهم المصلحة. يعني كل مؤسسات الدولة دي شغلتها إنها بتدير أملاكنا بس احنا ناس عندنا أملاك (مصر دي ملكنا كلنا على فكرة) فاحنا بس مش فاضيين ندير أملاكنا فبنوكّل ناس بدل مننا يديروها لنا، يشتغلوا موظفين عندنا يعني وبنديهم مرتباتهم من ضرايبنا.


طيب ايه هي سلطات الدولة؟

أولا عندك حاجة اسمها السلطة التنفيذية ودي هي الحكومة بكل وزرائها ودي من اسمها كده هي سلطة تنفيذ القوانين. القوانين اللي بتتحط في البرلمان هم اللي بينفذوها. والوزارة دي يا إما تبقى تابعة للبرلمان لو انت نظامك برلماني، يعني الحكومة يختارها البرلمان على حسب الأغلبية ورئيس الوزرا هو اللي بيبقى المنصب الرئيسي في البلد إنما منصب رئيس الجمهورية بيبقى منصب شرفي زي تركيا كده يا إما نظامك يبقى رئاسي فالريس يعيّن الحكومة وتبقى الحكومة تابعة له زي أمريكا كده.


وبعد كده عندك السلطة القضائية ودول القضاة طبعا، ودول المفروض يفضلوا مستقلين عن الحكومة وعن الرياسة والسلطة الوحيدة اللي فوق القاضي تبقى هي ضميره علشان ماينفعش مثلا الريس أو رئيس الوزرا يقول للقاضي احكم بايه وماتحكمش بايه.


وبعد كده عندك السلطة التشريعية ودي سلطة مهمة جدا لأن دي هي اللي بتحط القوانين والتشريعات اللي البلد كلها بتمشي عليها والسلطة دي بتتكون من أعضاء البرلمان وشغلانة أعضاء البرلمان دي في ناس كتير بتتلغبط فيها علشان كده لازم نقولها بوضوح. عضو البرلمان بيشتغل شغلانة مهمة جدا وعلشان نعرفها لازم نفتكر اتفاقنا إننا اصحاب البلد والبلد دي ملكنا واننا بنوظف الحكومة والريس دول عندنا علشان يديروا أملاكنا. فعضو البرلمان بقى هو إنه بيمثلنا في إدارة أملاكنا وده عن طريق إنه بيقوم بدورتشريعي ودور رقابي. يعني ايه؟ يعني بيقترح قوانين أو يوافق أو يرفض قوانين مقترحة وده الدور التشريعي أما الدور الرقابي بقى فهو إنه يراقب على الحكومة أو حتى الرئيس ويشوفهم بيشوفوا شغلهم صح زي ما وظفناه ولا بياخدوا مرتباتهم من ضرايبنا ومش شايفين شغلهم؟ وساعتها بقى يقدم استجوابات ويروّقهم


وبالنسبة للدستور بقى .. يعني ايه دستور؟

من الآخر هو اسمه عقد اجتماعي. يعني عقد احنا كشعب بنمضيه مع الناس اللي في الحكم علشان نضمن حقوقنا عندهم وأي عقد في الدنيا بيبقى في طرفين والطرفين بتوع العقد الاجتماعي ده هم المحكوم كطرف أول والحاكم كطرف تاني. زي عقد التوظيف كده احنا كشعب بنوظف حكامنا. فبنوظفهم بعقد يقول لهم هم هيعملوا ايه بالظبط علشان لما نحاسبهم نحاسبهم على أساسه. بس علشان يبقى العقد ده سليم لازم احنا كشعب نتوحد ونتفق على اللي احنا عايزينه كلنا علشان ماحدش يضحك علينا يبقى لازم كلنا نصدق إننا أول حاجة مصريين فقرا وأغنيا ولا مسلمين ومسيحيين وأي ملة تانية لازم كلنا نصدّق إن المصلحة واحدة وهي مصلحة مصر وإننا كلنا شركا في ملكية البلد دي ولازم نتفق ما بيننا وبين بعضنا علشان ماحدش يضحك علينا وياخد حقوقنا في أملاكنا




للتواصل والنقاش على الفايس بووك

http://www.facebook.com/note.php?created&&note_id=10150169416559789



باسم زكريا السمرجي

25/3/2011

الخميس، ٢٤ مارس ٢٠١١

الإطار التاريخي والسياسي لثورة 25 يناير بمصر - بقلم المستشار طارق البشري

هذه هي الثورة الخامسة في تاريخ مصر المعاصر الذي يبدأ من بداية القرن التاسع عشر: أولها كانت الثورة التي أنتجت محمد علي ونهضته في سنة 1805، وثانيهاكانت ثورة عرابي في 1881، وثالثها ثورة 1919، ورابعها ثورة 1923 يوليو/تموز 1952، وهذه هي الخامسة ثورة 25 يناير/كانون الثاني سنة 2011. كل هذه الثورات، أو بعبارة أدق أربعة منها، ولدت من شراكة بين الشعب والجيش، فكانت حركات ثورة متصاعدة بلغت ما يكاد يصل إلى مشارف الإجماع من الرأي العام الفعال من الشعب المصري، رفضاً لنظام قائم وطموحاً لبناء نظام جديد وطني، عادل ورشيد.

وإذا كانت ثورة 1919 الوحيدة التي لم يكن لجيش مصر أثر واضح في قيامها وحمايتها أو تنفيذها، فقد كان السبب أن الجيش كان ثلاثة أرباعه مغيباً في السودان بعيداً عن أحداث مصر السياسية، وذلك منذ إعادة فتح السودان من 1896 إلى 1899 حتى عودة الجيش المصري وإخلاء السودان منه بفعل السياسة البريطانية في سنة 1924؛ بمعنى أن الثورة الوحيدة من ثورات مصر في تاريخها المعاصر التي لم يلحظ أثر للجيش فيها هي التي وقعت في حالة غياب الجيش عن مصر.

ثورة الشعب واستجابة الجيش
الانتقال إلى نظام جديد
نظام قديم يتهاوى ونظام جديد طالع

ثورة الشعب واستجابة الجيش

الحركة الشعبية كانت صاحبة السبق الأول في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، إلا أنها لم تمتلك القيادات التنظيمية والمؤسسية التي تتولى السلطة وتحل محل نظام الرئيس المخلوع.
إن ما نلحظه من قراءة التاريخ المصري إن الجيش واكب دائماً حركة الشعب المصري؛ وقد تناغم خروجه للشارع في الثورة الخامسة الجارية الآن، بعد انسحاب الشرطة يوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني، مع حركة الجماهير الثورية، وجرت أحوال الثورة من يومها حتى 11 فبراير/شباط على مستوى فائق من التحضر: شعب يحتشد بالملايين ويصر على إسقاط النظام السياسي لعهد حسني مبارك، فلا يحطم مصباح نور في شارع من شوارع مدن مصر العديدة التي احتشد بها يومياً، وجيش يتناغم مع هذه الحركة ويمارس وظيفة حماية المنشآت العامة، ويحمي حركة الشعب بدلاً من أن يقاومها أو يردعها، بالرغم من أن من أنزله للشوارع إنما قصد بذلك أن يواجه به حركة الشعب الثورية. جيش لم يطلق رصاصة واحدة على فرد من أفراد الشعب.

ولكن ثمة فارق واضح بين أحداث ثورة 23 يوليو/تموز 1953 وأحداث هذه الثورة في سنة 2011.

في ثورة 1952، وبالرغم من التجاوب الوثيق بين حركة الجيش وحركة الشعب وتوحد مطالبهما ضد النظام القائم، إلا أن الفعل الثوري الأساسي المباشر صدر عن الجيش، وهو ما حسم المعركة السياسية ضد النظام الذي كان قائماً. ويدرك من يراجع وقائع عامي 1951 و1952 في مصر أن الحركة الشعبية (حزبية وغير حزبية) التي تصاعد فعلها الثوري ضد الاحتلال البريطاني وضد النظام الملكي وجماعة الظالمين لم تستطع بتجمعها وتصاعدها كله أن تطيح بالنظام القائم بفعل ثوري متصل. وقد جاء حريق القاهرة في يناير/كانون الثاني 1952 ليضرب هذه الحركة الشعبية ويؤجل ثورتها. ولذا، تقدمت حركة الجيش في 23 يوليو/تموز 1952 لتقوم بهذا الفعل الثوري، وليلتف الشعب حولها تأييداً لهذا الفعل.

أما في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 فقد كان الفعل الثوري الأساسي هو الحركة الشعبية التي قدمت ما يزيد عن 385 شهيداً، وأكثر من 5 آلاف جريحاً، وذلك في الأيام الثلاثة الأولى لها، قبل أن تنسحب الشرطة من المدن وتترك مصر بلا أمن، وقبل أن يتولى الجيش حفظ الأمن بديلاً عن الشرطة ويتولى حماية الحركة الثورية رافضاً التصدي لها، كما يتولى حراسة المنشآت العامة، وقد جرى التجاوب بين الحركة الشعبية والقوات المسلحة في صورة بالغة الروعة.

ويظهر من ذلك أن الحركة الشعبية كانت صاحبة السبق الأول في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، إلا أنها لم تمتلك القيادات التنظيمية والمؤسسية التي تتولى السلطة وتحل محل نظام الرئيس المخلوع. والأحزاب المعترف بها رسمياً أحزاب ضعيفة ولم تعرف لها مساهمة صغيرة في إشعال الثورة أو السير بها قدماً ولا في تحريك يؤبه به للثائرين وتنظيمهم. ثمة قيادات فكرية وثقافية ثورية مشهود لها بالوطنية والمكافحة، خاصة خلال السنوات السبع الأخيرة من نظام حكم مبارك، وساهمت مساهمة جليلة وغير مشكوك في أثرها المعتبر في تهيئة الحالة الثورية، إلا أن هذه القيادات لم تكن ذات روابط تنظيمية قادرة على تحريك هذه الثورة وتنظيمها شعبياً.

وكانت ثمة حركات شعبية احتجاجية قام بها عمال المصانع وموظفو الإدارات والوزارات وطوائف الناس في المدن المصرية على مدى السنوات السبع الماضية، وهي تقدر بالمئات من حركات الاحتجاج والاعتصامات والتجمعات، تراوحت في مطالبها بين المطالب الاقتصادية المتعلقة بالأجور وحقوق العمال، وبين المطالب السياسية المتعلقة بالحريات والإفراج عن المعتقلين، أو بمطالب فئوية أخرى؛ حتى أن ثقافة الخروج والتجمع والاحتجاج صارت منتشرة وشبه مستمرة، وهي أرهصت للحدث الكبير؛ ولكنها كانت متناثرة ومعزول بعضها عن البعض في أغلب الأحيان.

كان هذا هو الحال قبل الثورة، وهو يكشف عن أمر هام، وهو أن هذه الثورة بجماهيرها الحاشدة التي فاجأت القاصي والداني، وبتناميها المطرد، وبتحديها إرادة حسني مبارك، ووعيها بأهدافها ومطالب الشعب المصري، وبذكائها الجماعي في اكتشاف كل محاولات التضليل وزيف الوعود غير الجادة، وبقدرتها على تصعيد الموقف السياسي والتمسك بأهدافها وتثمينها، وبحسها السلمي، حتى في مواجهة عنف السلطة التي مارست ضدها القتل والتجريح، وتمييزها بين العدو والصديق، لم تكن ذات قيادة تنظيمية واحدة تعبر عنها وتتحدث باسمها. ولعل ذلك كان من توفيق الله سبحانه لها، لأن الفرد أو الأفراد يمكن أن يخطئوا وأن تتشعب بهم السبل، لاسيما وهم يتعاملون مع أحداث لم تكتمل في تتابعها اليومي، ولم يكن أحد من أطراف الصراع الدائر يملك تقديرا دقيقاً لحجم قوته الحقيقية إزاء وقائع وتصرفات تتتالى. لذلك، كان الحس الثوري العام هو المسيطر، وهو ما يستدعي استجابة شبه لتلقائية من جماهير لم تكن الروابط التنظيمية تسعهم أو تسع غالبيتهم.

إن عدم تبلور القيادة في زعامات، أو تشكيلات تنظيمية لها زعامات معروفة ومحددة، قد شلَّ قدرة حكومة مبارك عن أن تحدد من يمثلون شخصيات الحركة للتعامل معهم بالقمع أو بالعزل عن قواعدهم، أو بتضليلهم بأمر من الأمور. إضافة إلى ذلك، أحسب أن ما ساهم في نجاح هذه الثورة، كانت القدرة الهائلة للشعب المصري من أقصاه إلى أدناه على أن يندرج في حالة شعورية واحدة ينجم عنها موقف مشترك أو مواقف متشابهة وإحساس عارم واحد.

الانتقال إلى نظام جديد

عدم تبلور القيادة في زعامات، أو تشكيلات تنظيمية لها زعامات معروفة ومحددة، قد شلَّ قدرة حكومة مبارك عن أن تحدد من يمثلون شخصيات الحركة للتعامل معهم بالقمع أو بالعزل عن قواعدهم، أو بتضليلهم بأمر من الأمور.
لكن كل ذلك شيء وأن تسقط سلطة سياسية وتحل محلها سلطة أخرى شيء آخر؛ ذلك لأن السلطة هي مؤسسة، أي تنظيم مؤسس يجمع إرادات وينظمها ويقرر ويدفع بأفعال من خلال جماعات بشرية منظمة بطريقة تتجمع بها المعلومات ثم تتخذ القرارات وتتوزع التكليفات وتتحرك الأفعال. والثورة الشعبية بغيتها في النهاية سلطة الدولة، أي الإمساك بمؤسسة الدولة؛ والدولة لا تستقيم مع فراغ مؤسسي، ولا يمكن أن تحتمل مثل هذا الفراغ، وهي لا تتلاءم مع السيولة التنظيمية، ولا بد لمن يمسك بها ويسيطر عليها أن يبني كياناً تنظيمياً، وهذا ما لم تكن أحزاب المعارضة المصرية الضعيفة تستطيعه، لأنها لا تملك زمام الثورة، ولا الكيانات التنظيمية الناشئة يمكن أن تمسكه، ولا السيولة التنظيمية التي اتصفت بها الثورة أن تحوز عليه.

وهكذا تقدم الجيش المصري لملء هذا الفراغ. كان المؤشر الأول على عزم الجيش على اتخاذ مثل هذه الخطوة هو انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بغير رئاسة القائد الأعلى حسني مبارك، وبرئاسة المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة، وإصداره البيان رقم واحد معلناً مبادرته للعمل السياسي وحمايته لمكاسب الشعب المصري ولطموحاته. ثم جاء تخلي مبارك عن رئاسة الجمهورية في 11 فبراير/شباط، وإناطة السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهذا يفيد بأن السلطة في الدولة باتت تمارس من خارج مؤسسات دستور 1971، لأن المجلس الأعلى ليس من الهيئات المناط بها طبقاً لهذا الدستور أن تصدر قرارات سياسية أو أن يصدر عنها فعل سياسي. بكلمة أخرى، أدى تخلي مبارك عن الحكم إلى انتقال السلطة السياسية بموجب شرعية الثورة وتجاوزاً لأحكام الدستور؛ وأعلن الجيش بموجب الشرعية الثورية انتماءه للشعب المصري واكتسابه الولاية الشرعية للحكم وعزمه الحفاظ على مكتسبات الشعب ورعاية طموحاته.

احتاج هذا الانعطاف في مقدرات الدولة المصرية إلى أن يصدر القائمون الجدد على الحكم بياناً يحدد ماهية السلطة، والهيئة التي تقبض عليها، وماهية الوضع الدستوري الذي يحكم الوضع الجديد، وتلتزم به القيادة. فصدر بيان يقرر أن تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم سيكون لمدة محددة، وأن الدستور معطل وأن ثمة سعياً لتعديله؛ وهو ما يعني أن المجلس الأعلى سيتولى سلطة رئيس الجمهورية لمدة ستة أشهر فقط، وأن الدستور لم يلق به جانباً كلية، ولكنه معطل، وأن ثمة تعديلاً سيعد لأحكامه؛ هذا فضلاً عن حل مجلسي الشعب والشورى. وما يعني أيضاً أن المجلس الأعلى سيتولى سلطة هذين المجلسين أيضاً خلال الفترة الانتقالية.

ونحن نعرف أن المؤسستين اللتين تمارسان العمل السياسي الدستوري، وتتخذان القرارات بشأن هذا العمل، هما رئاسة الجمهورية بسلطاتها التنفيذية، ومجلسا الشعب والشورى بسلطتهما التشريعية؛ وقد انتهت الأولى وحل الأخيرين، وصار المجلس الأعلى يمارس جميع السلطات مؤقتاً في فترة انتقالية. وبات واجباً خلال الفترة الانتقالية أن يعاد بناء هذه المؤسسات الدستورية السياسية على نحو ديمقراطي، لتعود إلى ممارسة سلطاتها الدستورية؛ وهذا على وجه التحديد هو مجال التعديلات في الأحكام الدستورية التي كلفت بها اللجنة المناط بها وضع التعديلات على دستور 1971، والتي تشرفت برئاستها، وتمت المصادقة على التعديلات في استفتاء شعبي. وقد استهدفت هذه اللجنة إعادة بناء مؤسسات الحكم والدولة خلال الفترة الانتقالية على أسس ديمقراطية بقدر الإمكان؛ ومع الاستفتاء الشعبي على التعديلات وتشكيل هذه المؤسسات السياسية يعود مؤقتاً دستور 1971 إلى سابق وضعه حتى يتم إعداد دستور جديد يعكس الأوضاع السياسية لحقبة ما بعد الثورة.

نظام قديم يتهاوى ونظام جديد طالع

ما نستطيع أن نقوله إذن أن ثمة عدداً من النتائج الهامة التي ولدها لحراك الثوري الذي شهدته مصر مؤخراً، والذي لم يزل مستمراً:

أولى هذه النتائج، كانت إطاحة الرئيس حسني مبارك وأسرته من الحكم، ووضع نهاية قاطعة لاحتمال انتقال الحكم إلى ابنه. إن رئيس الجمهورية من الناحية التنظيمية والسياسية، وحسبما آلت الأوضاع في النظام المصري، وبخاصة في عهد مبارك، هو من تدور حوله سلطات الدولة، ويعني سقوطه أن نظاماً سقط ودولة تغيرت، أو أنها في طريقها إلى التغيير في صورة ملموسة. كما قد أطيح فعلاً بالكثير من رجالات نظام الحكم، مثل شريحة رجال الأعمال المرتبطين بالنظام ولجنة السياسات في الحزب الوطني وقيادات من هذا الحزب وأنصار جمال مبارك. هذه الشريحة في الحقيقة هي من كان يسيطر على رأس الدولة المصرية بمباركة ودعم من رئيس الجمهورية وحماية منه، وقد كان نفوذها يتصاعد تدريجياً حتى تمت لها السيطرة على النظام السياسي كلية خلال السنوات العشر الماضية، بحيث خلت لها الأجواء داخل جسم السلطة، بدون أن تظهر لها مقاومة ملموسة من القيادات التقليدية الأخرى في جهاز الدولة.

وثانية هذه النتائج، أن الحراك الثوري الشعبي أطاح بالنفوذ السياسي لجهاز الشرطة، وهو النفوذ الذي انحرف بالشرطة عن وظيفتها في حماية الأمن العام خلال العشرين سنة أو ما يزيد على ذلك من فترة حكم حسني مبارك. والمصريون يعرفون أن إدارات الدولة المختلفة في المجالات كافة كانت قد أصبحت خاضعة لجهاز الشرطة الذي استشرى فيها وتخللها جميعاً تقريباً. وقد أعاد الحراك الثوري بذلك، في المقابل، للقوات المسلحة المصرية ما كانت عليه من نفوذ سياسي قبل عهد حسني مبارك.

ما ساهم في نجاح هذه الثورة، كانت القدرة الهائلة للشعب المصري من أقصاه إلى أدناه على أن يندرج في حالة شعورية واحدة ينجم عنها موقف مشترك أو مواقف متشابهة وإحساس عارم واحد.
وثالثة هذه النتائج، أن الحراك الثوري أنتج جيلاً جديداً من الشباب، وقذف به كالموجة العالية الغزيرة إلى قلب الحياة السياسية لمصر؛ جيل ستظهر آثاره في الشهور والسنوات القادمة. وقد حاولت في دراسات سابقة أن أرصد حركات الشباب منذ بداية القرن العشرين، وقد بدا لي أن ظهور حركات الشباب يرتبط بحالة عدم التبلور الكافي للأهداف السياسية والاجتماعية للجماعة الوطنية المصرية، وعندما تكون التشكيلات المؤسسية والتنظيمية في المجتمع عاجزة عن التعبير عن هذه الأهداف، إما بسبب القمع أو لما تحمله من إرث مرحلة تاريخية سابقة لم تعد أهدافها تتناسب وأهداف المرحلة الراهنة. في مثل هذا الظرف تظهر حركة شباب جياشة من خارج أطر النظام القائم وتلفت إلى نفسها الأنظار بفجائيتها وكثرتها العددية وتلقائيتها وجيشانها؛ وهي تكرس بهذا الوجود ميلاد واحد أو أكثر من الكيانات السياسية ذات التأثير الممتد لعدة سنوات أو عقود قادمة. بعض هذه الحركات الشبابية ظهر منفرداً ومتميزاً بذاته في فترة لم يكن بها مد ثوري، وبعضها ظهر وتم استيعابه في حراك ثوري شامل كان هذا الشباب هو من فجرها أو هو من قدم لها الزخم والفعالية العالية. وتعد حركات شباب 1906، 1935، 1946، 1972، أمثلة على النمط الأول. وأما مثال النمط الثاني فنشهده في ثورات 1919، 1952، 2011. ولذلك، فلا بد لهذا الحراك الشبابي الثائر أن يتبلور في تشكيلات تنظيمية، تنشأ من هذا الزخم السياسي الحادث وتجمع الناشطين السياسيين حول الأهداف السياسية والاجتماعية التي قامت الثورة من أجلها، وتحفظ ما يمكن أن نسميه بروح الحراك الحاصل بوصفه دافعاً وجدانياً وثقافياً عاماً للبذل والتضحية والإصرار.

وتكشف حركات الشباب في سياقها التاريخي عن أن الأمور تسير وتتغير مهما كانت ضخامة المعوقات التاريخية، ومهما كانت جهود الحكام والنظم القائمة في قمع الحركات المعارضة، ومهما طغى الاستبداد وبغى؛ لأن كل وسائل القمع والطغيان إنما تلحق في جبروتها جيلاً قائماً، ثم يظهر جيل آخر جديد يشب في خلسة بعيداً عن عيون الرقباء الفاحصة والمراقبة والحارسة للأوضاع القائمة؛ جيل لا يعرف القائمون على الحكم لغته الفكرية أو السياسية ولا يعرفون أشخاصه وتنظيماته، وليس له سجلات في أجهزة الأمن؛ وهو ما يجعل حركته طليقة غير مقيدة.

كان نظام حسني مبارك، قد أكمل إغلاق كل منافذ المقاومة المرئية له؛ فالأحزاب السياسية محاصرة في نشاطها منذ عشرات السنين، لا تجد فسحة عمل سوى إصدار الصحف والأحاديث في الغرف المغلقة؛ والنقابات المهنية مفككة؛ والاتحادات العمالية مسيطر عليها من قبل رجال النظام؛ والأحزاب الجديدة عاجزة عن اكتساب الشرعية نظراً لسيطرة الدولة القانونية على الإمكانات القانونية لتشكيل الأحزاب؛ وإدارات الحكومة والجامعات وغيرها مسيطر على أمنها السياسي من قبل الشرطة؛ وأية تشكيلات أخرى تصنف بأنها خارجة عن إطار القانون وتعامل بالعنف؛ والصحافة الحرة في النهاية مملوكة لرجال أعمال يمكن الضغط عليهم ومساومتهم على مصالحهم الاقتصادية والمالية. ومن جهة أخرى، فإن حركات الاحتجاج السياسي التي تتعهدها عناصر مثقفة كانت محدودة الفعالية، وليس لرجالها علاقات تنظيمية بفئات الشعب، ولا تملك فكراً عميقاً مؤثراً أو صوتاً جهيراً وحركة شعبية؛ وحركات الاحتجاج الشعبي في المصانع ومناطق التجمع تتعلق بمطالب فئوية، وهي مجزأة، متفرقة، ويمكن قمعها بسهولة نسبية، أو التعامل مع كل منها بالترغيب والترهيب، قبل أن تتحول إلى أفعال جماعية. وقد بدا لوقت ما أن لا مخرج من هذه الحالة التي أطبقت على البلاد وأغلقت المنافذ. فماذا حدث؟ جاءت شرارة الثورة من شباب ليسوا من هذه الفئات والهيئات والتشكيلات السابقة، وقامت مقام العمل التنظيمي في توليد حراك واسع، ساعد على سعته أن الشعب المصري كان يعيش مناخاً ثورياً بالفعل. وقد نجحت الحركة لأنها لم تصدر في بدايتها عن المؤسسات المفككة ولا عن الأحزاب المخنوقة ولا عن المثقفين الثوريين المرموقين، وأنها بعيدة تماماً عن أعين أجهزة الأمن وعمال النظام السياسيين، لعدم سابق معرفة بها، ولا تعامل معها. وهذا مفاد القول المأثور (اشتدي أزمة تنفرجي)، وقول القرآن الكريم {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى}.

من المستحيل لأي نظام حكم فاسد تخطاه الزمن وعجز عن مواجهة التحديات التي تحدق بالجماعة أن يبقى.
وربما يمكن القول في النهاية، أولاً، أن من المستحيل لأي نظام حكم فاسد تخطاه الزمن وعجز عن مواجهة التحديات التي تحدق بالجماعة أن يبقى، وأنه لا بد في وقت ما أن تظهر من القوى الشعبية المتجددة ما يزيله ويقضي عليه. وأن لكل نظام حكم، ثانياً، شرعية تلتصق به، وأن فعل إزالة هذا الحكم لا بد أن يأتي من خارج حدود هذه الشرعية، التي تفصل عادة على مقاس النظام الحاكم. إن الخروج على هذا النظام يعني فيما يعني خروجاً على الشرعية التي أسست له، ويعني وجوب إنشاء شرعية جديدة تستجيب لمتطلبات النظام الجديد وعلاقاته السياسية والاجتماعية. وهذا ما يستدعي وضع دستور جديد فور القضاء على النظام البائد. وترتبط الفترة الانتقالية التي تعد فيها الأسس السياسية والاجتماعية للمرحلة التاريخية الجديدة، وما يواكب هذه الأسس من نظم دستورية ومؤسسية، بظهور تكوينات حزبية جديدة تعبر عن القوى الحاضنة لحاجات المجتمع في الظرف التاريخي الراهن


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/19DE2515-6C4F-47CD-A07A-5261F7EFB22C.htm?GoogleStatID=27

تعليقا على الدعوة للتظاهر غدا

يا جماعة أنا رأيي إن الناس في الشارع مش مع التظاهر دلوقتي
فالتظاهر دلوقتي والاعتصامات بتكرّس عزلة النخبة عن الشارع إنما احنا ممكن نعمل ضغط شعبي بطريقة تانية
يعني مثلا البيان اللي عمله بعض النشطاء علشان يقدموه للنائب العام يطالبوا فيه بمحاكمة زكريا وسرور وصفوت موقع عليه لغاية دلوقتي حوالي 10 آلاف واحد في 3أيام تقريبا
لو وصلت ل 100 ألف توقيع (وكلها بالرقم القومي) يبقى احنا كده بنعمل ضغط شعبي لأن ال100 ألف دول لو طلبهم ماتنفذش هينزلوا الشارع لوحدهم

ده نموذج البيان من مدونة "نوارة نجم"

وده للي عايز يوقع إلكترونيا
ودي صفحة الفايس بووك الخاصة بالموضوع



يبقى الأجدى مطلقا يا جماعة إننا نطبع البيان ونمشي في الشوارع نكلم الناس عنه ونلم توقيعاتهم أو نقول لهم يوقعوا ازاي علشان مطالبنا تبقى مطالب شعبية فعلا

الأربعاء، ٢٣ مارس ٢٠١١

خاطرة صباحية عن الشخصية المصرية

تحذير: إن كنت من هواة الاستغراق في التفاصيل فأظن أن لديك أعمالا أخرى تقوم بها أهم من أن تكمل قراءة هذه الخاطرة

صباح اليوم وفي طريقي إلى عملي كنت أستمع إلى الصورة الغنائية الشهيرة "قسم وأرزاق"، والتي تمثل مع مثيلاتها من الصور الغنائية والأوبريتات الإذاعية ملمحا من ملامح فترة من الفترات التي ازدهرت فيها الهوية المصرية، تلك الفترة التي حتى وإن لم تمكنّني أعوام عمري الثلاثة والعشرون من بلوغها فإني أشعر بالحنين إليها وكأني أنتمي إليها فكريا. تحكي تلك الصورة باختصار مُخلّ عن "مرزوق العُتَقي" الرجل الفقير الذي يضطره حسد الأغنياء على سعادته رغم الفقر إلى السفر خارج البلاد للبحث عن الرزق ويسافر فعلا ويرزقه الله من حيث لا يحتسب. ما دفعني إلى كتابة تلك الخاطرة هو ذلك المشهد الإذاعي الذي في جزئه الأول تجتمع أسرة مرزوق المُكونة منه ومن "أم شوق" زوجته وأولاده السبعة تجتمع تلك الأسرة على الغناء والرقص فيما بدا أنه جزء من روتين يومهم قبل النوم وبعد الانتهاء من طعام العشاء. أما الجزء الثاني ففيه توقظ "أم شوق" "مرزوقا" مع صياح الديك ليصلي الفجر وتقول له "أبو شوق .. الفجر بيدّن ..قوم لاجل ما تلحق الصلاة في الجامع" فيجيبها بأن يتلو الشهادتين ثم يلقي عليها تحية الصباح "صباح الخير يا ام شوق". رغم أن بعض ضييقي الأفق يرون هذا تناقضا بين الرقص والغناء من ناحية وصلاة الفجر في الجامع من ناحية ولكني أراه أحد الملامح الفطرية للشخصية المصرية التي كانت تنظر للحياة بصورة كليّة تجعل المقاصد الحياتية نصب أعينها مهما اختلفت حالات التعبير عن تلك المقاصد وبدت متناقضة لمن لا يبصرون أبعد مما تراه أعينهم. وهذا هو ما غاب عن إخواننا السلفيين الجدد فهم لديهم معلومات كثيرة منبتة عن بعضها البعض كوّنوا منها نسقا معرفيا يشبه الفسيفاء المشوه الغير المتجانس وصار هذا هو مفهومهم عن الحياة ومصدر معياريتهم الذي يحكموا من خلاله على مدى صحة واستقامة البشر. لقد حوّلوا الدين إلى مجموعة من القوانين المادية الجامدة التي لا يصح أن تحكم "حياة" البشر وهذا مناف لطبيعة الدين أصلا كإطار أخلاقي عام يمكن أن تنضبط فيه جميع أنماط حياة البشر حتى وإن لم يؤمنوا به.

وأود أن أقول فقط للذين يخافون من المد السلفي أن ما يقدمه هؤلاء السلفيون الجدد لا يصح أن يكون منهج حياة وانكشاف هذا المنهج في النور الآن سيعجّل بكشف عواره وسيعجّل أيضا بأن تطرده فطرة المصريين البسطاء ولكن الخطر كل الخطر ألا يجد المصريون البديل.



باسم زكريا السمرجي
23-3-2011

الثلاثاء، ٢٢ مارس ٢٠١١

قراءة في نتائج الاستفتاء

إن القراءة العميقة لنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية – تلك القراءة التي تتجاوز نسبة الرافضين في مقابل الموافقين – تكشف لنا – إن وضعت في موضعها الصحيح من سياق الثورة العام – عن نمط معين للواقع المصري لابد أن ندركه جيدا ونعي أبعاده حتى نصحح خطواتنا فيما يأتي من وقت.

إن نتيجة الاستفتاء التي جاءت باكتساح من قالوا نعم – وهو ما لم أكن أتوقعه ولم أسعد به رغم أني قلت نعم– غير أن تلك النتيجة تكشف عن الوزن الحقيقي لشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وبرامج "التوك شو" ومدى قدرتها على توجيه الشارع، فغالب تلك الأدوات كانت توجّه الشارع في اتجاه رفض التعديلات الدستورية وهو ما لم يستجب له الشارع. لأن الفريد في ثورة 25 يناير أنها ثورة شعبية خالصة كانت الخطوة الأولى فيها للشارع ولم تكن لطليعة سياسية ما التحق بها الشارع، كما أن الأفكار الملهمة لهذه الثورة كانت الأفكار الإنسانية العامة (كرامة – حرية – عدالة اجتماعية) ولم تكن أفكار أيدولوجية بعينها، لذلك فإن الشرعية الثورية الحقيقية في الشارع لا في المنتديات الثقافية أو السياسية. الشرعية الحقيقية بيد الشعب لا بيد نخبة سياسية أو جماعة أيدولوجية ما.

إن من يدّعون أن العامل الرئيسي لقبول الناس التعديلات الدستورية هو استخدام الدين في الدعاية من الإخوان والسلفيين هم يغالطون أنفسهم بغية الهروب من المسؤولية، فالذين قبلوا التعديلات الدستورية – كما أراهم – كانوا على ثلاثة أقسام، قسم من المقتنعين بأن ذلك هو الخيار السياسي الصحيح للبلاد في هذه الفترة، وقسم آخر تم التدليس عليه حين قال له البعض أن "لا" تعني إلغاء المادة الثانية من الدستور وفي هذا الشأن لم يتلق هؤلاء المُدَلـَّس عليهم رسالة مغايرة في الشارع من فريق لا، وقسم آخر وهو ذلك القسم الذي كان قبوله للتعديلات قبولا طائفيا صرفا ويقابله الذين رفضوا التعديلات الدستورية رفضا طائفيا صرفا أيضا. وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أنه إن صح خطاب النخب الرافضة للتعديلات كانوا سيكسبون قسما كبيرا من الذين تم تضليلهم ولم يجدوا ما ينفي عنهم هذا الضلال وسيبقى الطائفيون في الجانبين يلغي بعضهم بعضا.

إن تفرّد ثورة 25 يناير كما أسلفنا أنها ثورة شعبية خالصة، فلا مرشد فكري لها ولا قائد حركي، هي ثورة كانت الخطوة الأولى فيها للشارع، للعقلية الجمعية للشعب المصري لا لطليعة ثورية ما أو لفكرة أيدولوجية محددة – ومن كان يظن أن الطليعة الثورية هم نشطاء التويتر والفايس بووك فليراجع نتائج الاستفتاء – ولما كانت الخطوة الأولى للشارع كان بديهيا أن تكون الشرعية بيده يمنحها أو يمنعها فلا قائد ولا طليعة ثورية تملك الشرعية بل إن مصدر الشرعية هو الشارع وهو من يعطي الشرعية لمن طلبها منه وخاطب عقليته الجمعية ولكي تطلب الشرعية من الشارع لابد أن تتكلم لغته وتعرف أين يتجه وأن تكون موجودة في قلب خطوته ترشيدا وليس إرشادا. وتلك الحقيقة التي أظنها غائبة عن وعي معظم "النخبة" التي انتخبت نفسها على أساس الأعلى صوتا أو الأكثر عددا أو الأكثر تواجدا على شاشات التليفزيون، انتخبوا أنفسهم على هذا الأساس وتحصّلوا على شرعية مزيفة مصدرها نظام مبارك. فأي تحرك في اتجاه مضاد لمبارك كانوا يظنون أنه تحرك شرعي يضيف إلى رصيدهم، وتلك هي الخدمة التي كان يؤديها نظام مبارك لهؤلاء النخب فهم لم يكونوا يحتاجون لكثير تفكير أو وعي لكي يدركوا أن الحق في "مكان ما" في "اتجاه ما" مضاد لاتجاه نظام مبارك. أما وقد سقط نظام مبارك فقد انكشف الغطاء عن تلك "النخبة" حيث صار لزاما عليها أن تبذل مجهودا أكبر في التفكير والتحليل الذي لا ينتهي على شاشة التليفزيون أو على صفحات الجرائد أو في المدونات بل التحليل الذي يفضي إلى تحرّك على الأرض في "الاتجاه الصحيح" نحو "المكان الصحيح" وليس "اتجاه ما" نحو "مكان ما".

إن سلّمنا بما تقدّم كمنطلق حركي، سيكون لزاما علينا أن نفكر في أساليب ووسائل جديدة لإدارة المراحل القادمة من الثورة المصرية لأن العقل الجمعي المصري – حتى وإن كان قادرا بعبقريته على الفرز العبقري – فهو يحتاج – شأنه شأن أي عقل جمعي – لإدارة وترشيد وأشدد على أنه يحتاج إلى إدارة ترشيد وليس سلطة وإرشاد. ومن أراهم أهل لتلك الإدارة هم ما أسميهم "النخبة المجتمعية" وهي تلك النخبة التي يقدّمها المجتمع وينتخبها انتخابا ذاتيا وتنطلق تلك النخبة في تحركاتها من منطلق مجتمعي بالأساس، يتجلى ذلك المنطلق في التحركات السياسة أو في غيرها. وليست النخبة المجتمعية بديلا عن النخبة السياسية بل هي مؤسِسَة لها تتوافق على الغايات وتقدمها للنخب السياسية حتى تصيغ لها الوسائل والأدوات المحققة لتلك الغايات والراعية لها. ولا أقول بأنه يجب علينا إقصاء كل النخبة السياسية وانتخاب نخبة جديدة إنما لابد من ضبط الإطار الفكري والحركي والتوافق عليه ومن ثم من أراد أن ينتظم في هذا الإطار قديما كان أم جديدا فهو في قلب النخبة ومن لم يرد فسيظل معزولا عن المجتمع ككل يقضي وقته "جنرال قهاوي" يتغنى بأمجاده ويندب حظه مع رفاقه على "قهوة المعاشات – تويتر سابقا".

ينقلنا مفهوم النخبة المجتمعية إلى أولويات العمل فيما يأتي من وقت، وما يلفت نظري الآن هو السعي الحثيث لكثير من الناس "الآن" في تأسيس الأحزاب السياسية أو اختيار مرشحي الرئاسة. وعلى أهمية تلك الأدوات "الأحزاب و مرشحي الرئاسة" فلا أرى أن وقتها هو الآن حيث أنها كلها أدوات لابد أن تُوصِّل إلى غايات، ونحن الآن في وقت يحتّم علينا البدء بخلق التوافق المجتمعي على الغايات حتى يكون تحاورنا واختلافنا حول الوسائل تحاورا واختلافا صحيا وفعالا. هذا بالإضافة إلى أن الصورة الذهنية للأحزاب عند رجل الشارع المصري هي صورة سلبية، فهو يعرف أن كل الأحزاب كانت منخرطة بشكل أو بآخر في لعبة الإفساد السياسي التي كان يديرها الحزب الوطني فارتبطت عنده كلمة "أحزاب" بالمنتفعين أو الفاسدين أو الساعين إلى السلطة بهدف السلطة وليس بهدف الخدمة. إن الأجدى مطلقا الآن هو أن تقوم تلك النخبة المجتمعية سالفة الذكر بتأسيس جماعة ضغط مصرية بطول البلاد وعرضها أو بعبارة أخرى "التيار الرئيسي المصري" ويتأسس ذلك عن طريق إدارة حوار يقود إلى التوافق حول الغايات المجتمعية المصرية التي يتأسس عليها فيما بعد البناء السياسي المتعدد، وحتى لا يكون الكلام كلاما مجرّدا – يسبح في فضاء الفلسفة – بدون تجليات على الأرض أقول أنه يجب على النخبة المجتمعية أن تنزل إلى الشارع وتدير حلقات الحوار في الشارع ومع الشارع كخطوة أولى يسير معها بالتوازي الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة عن طريق البحث عن من يُتوسّم فيهم الأهلية لتمثيل ذلك "التيار الرئيسي المصري" في جميع الدوائر الانتخابية والدفع بهم للترشح في الانتخابات كمرشحين مستقلين ثم دعمهم حتى يكون مجلس الشعب القادم مؤسسة تعبّر عن المجتمع المصري حقيقة، ثم تبدأ بعد ذلك الخطوة الثانية وهي الحوار المؤسسي حول الدستور الجديد. الذي سيكون الانتهاء منه بمثابة إعلان انتهاء الثورة والبدء في مرحلة البناء.




باسم زكريا السمرجي
22-3-2011

الأحد، ٢٠ مارس ٢٠١١

عن دور النخبة فيما يأتي من وقت

إن لحظة الثورة بطبيعتها هي لحظة حقيقة تتكسر على صخورها أمواج الأوهام وتنجلي في آتونها معادن الحقائق. ومن أهم ما انكشف لي من حقائق في هذه الثورة، حقيقة النخبة وماهية دورها. تلك الحقيقة التي ظلت مشوّهة على مدى عقود مضت في مصر. حيث أن أي تعريف للنخبة لابد أن يحمل معنى انتخاب المجتمع لتلك النخبة لتقوم بدور هو كما أراه ترشيد للفعل الشعبي وليس إرشادا له، إدارة وليست سلطة ويكون ذلك الترشيد وتلك الإدارة عن طريق ربط الفعل بالفكر لتحقيق مصالح المجتمع، وبالتالي فالنخبة هي "مجموعة من قادة الفكر والرأي لابد أن تنتخب انتخابا ذاتيا من المجتمع، تعبّر عن تياره الرئيسي وتمارس دورها في الترشيد الفكري تطوّعا لتحقيق مصالح المجتمع". وإن اتفقنا على الانطلاق من هذا التعريف المتقدم سنكتشف أن ما غلب على مصر في العقود الماضية هو مضاد ذلك تماما. فالنخبة – غالبا – كانت تنتخب نفسها، تنعزل عن المجتمع وتمارس السلطة الفكرية عليه فتزيد في انعزالها وتزيد في طرد المجتمع عنها، وكثير منهم كانوا يرتزقون من كونهم نخبة فيكون سعيهم حثيثا لتحقيق مصالحهم الشخصية لا مصالح المجتمع.

كان كل ما تقدّم هو ما تجلّى فيما أسميه عقلية "سلم النقابة" وأقصد نقابة الصحفيين التي كان سلمها هو المكان الذي اعتاد مشهد عشرات المتظاهرين المحاطين بآلاف من عساكر الأمن المركزي في مظاهرة تستمر لساعات تنتهي في الغالب باعتقال البعض والتعدي على البعض وفرار البعض الآخر ولكن أهم ما كانت تنتهي إليه تلك التظاهرات هو تكريس العزلة بين النخبة والشعب. فالنخبة تزداد يأسا وإحباطا من الشعب "اللي مش عارف مصلحته" والشعب يزداد نفورا من النخبة التي – كما يراها – لا تهتم إلا بالنضال الإعلامي والمصالح الشخصية.

ثم اندلعت ثورة 25 يناير والتي لا أبالغ إن قلت أنها كانت نتيجة لتراكم ثوري امتد في مصر لقرون مضت بدأ ربما منذ النضال المصري ضد الاحتلال الفرنسي، غير أن الجديد في تلك الثورة أنها قامت واستمرت بعيدا عن توجيه النخب السياسية فذروة التراكم الثوري – فيما أرى – كانت حادثة مقتل الفتى السكندري خالد سعيد وما حملته من رسالة واضحة مفادها أن قمع نظام مبارك لا يقع فقط على السياسيين أو أصحاب الرأي أو من اختاروا ألا يسيروا "بجوار الحائط" بل إن النظام المصري قد وفّر خدمة توصيل القمع للمنازل. فكانت الرسالة واضحة للمصريين وهي أنه ليس لديكم ما تخسرونه. تلك الرسالة مع رسالة أخرى أرسلها لنا الشعب التونسي مفادها أن الشعب يمكن أن يطيح بالحاكم، هاتين الرسالتين كانتا ذروة التراكم الثوري.

والدعوة للنزول إلى الشوارع يوم 25 يناير للاحتجاج حين تناقلها النشطاء على "الفايس بووك" و"تويتر" كان أكثر المتفائلين يتوقع لذلك اليوم أن يكون يوما لبداية الاحتجاج لا الثورة ففوجئوا بملايين المصريين ينزلون إلى الشوارع يهتفون "كرامة – حرية – عدالة اجتماعية" ثم أدركت تلك الجموع بعقليتها الجمعية العبقرية أن ما يقف بينها وبين تلك المطالب الإنسانية هو النظام، فهتفوا "الشعب يريد إسقاط النظام" وظلوا على ذلك الهتاف أو تلك الحالة حتى أتم الله عليهم ما أرادوا. الجديد أن تلك الملايين نزلت إلى الشارع لأول مرة حتى فوجئ النشطاء بوجوه جديدة في الشوارع، وكثير من أصدقائي حين كانوا يتلقون رسائل مفادها "نكتفي بهذا القدر من الثورة" أو "أعيدوا الناس إلى منازلهم" كان ردّهم "الناس نزلت من تلقاء أنفسهم ولن يعودوا إلا من تلقاء أنفسهم" حتى أن الشعب أسقط من كان في الميدان معهم ثم ذهب ليتفاوض مع "عمر سليمان" على سقف مطالب أقل من المطالب الحقيقية للشعب، وهذا الملمح هو – في رأيي – أهم ملامح نضوج الوعي الشعبي المصري، وليس إسقاط مبارك. فأنت لا تحتاج إلى درجة كبيرة من الوعي حتى تنادي بإسقاط مبارك أما ما تحتاج الوعي له هو أن تسقط من يخدعك بسوء نية أو من يدّعي أنه يمثلك ويتصدّر المشهد ثم تكتشف أنه أقل منك شجاعة وخيالا.

وحالة "الشعب يريد" – التي تتجاوز الهتاف – تلك هي الحالة التي يجب أن ينبني عليها أسلوب عمل النخبة فيما يأتي من وقت ولكي يتم هذا العمل فلابد أولا أن تعرف النخبة الإجابة عن سؤالين أولهما أين ذلك "الشعب" ؟ وثانيهما كيف لها أن تدير لا أن توجه "إرادة الشعب" ؟

أما عن سؤال أين الشعب فأظن أن نتيجة الاستفتاء التي تتجه – فيما يبدو – إلى "نعم" لابد أن تعطي لهم صورة حقيقية عن مكان الشعب الحقيقي. فالتويتر والفايس بووك وبرامج التوك شو معظمهم كانوا يوجهون الرأي العام نحو "لا" ولكن فريق "نعم" – وهم ليسوا الإخوان فقط – صرف مجهوده إلى الشارع حيث يوجد الرأي العام الحقيقي وهذا هو ما يجب أن ينصرف إليه مجهود النخبة وعملها فيما تقدّم من وقت.

أما عن كيفية إدارة الإرادة الشعبية فهذا يستوجب أولا أن تدرك النخبة أن الناس لا تقبل بمن يتسلّط عليها فكريا فالناس نبذوا السلطة وهم الآن يتصرفون على أنهم هم مصدر السلطة والشرعية وهم مانحوها ومانعوها حتى وإن لم يدركوا تلك الحقيقة وتستقر في عقولهم فهي الآن مستقرة في قلوبهم كمنطَلق لتحركاتهم، ولكي تكسب النخبة شرعية في الشارع لابد أن تدرك تلك الحقيقة، حقيقة أن الشعب الذي ثار على نظام مبارك هو في الحقيقة لم يثر على شخص مبارك وإنما ثار على فكرة "السلطة" عموما، سلطة القهر والظلم وهو لن يقبل بسلطة وصاية فكرية ممن يسمّون أنفسهم نخبة، فيجب على النخبة أن تظل مع الشعب في نفس خطوته وتمارس دورها فقط في إدارة خطواته لا أن تسبقه وتنتظر منه أن يتبعها.

يجب أن يبقى الإعلام مع وسائل التواصل الاجتماعي "وسائل" لا غايات فأنا لا أفهم أن يعتبر أحد الناس أن منتهى دوره أن يدوّن أو يـ"تويت" أو يوزّع نفسه على برامج التوك شو بل يجب أن تبقى كل تلك الوسائل وسائل متصلة بغايات تتجاوزها فلا يجب أن نعطيها وزنا أكبر من وزنها الحقيقي في حياتنا وفي خريطة عملنا بل يجب أن نأخذ منها ما يخدم الغايات فقط وما يزيد فهو إسراف لا وقت له الآن.

رسالة أخيرة أوجهها لقادة الفكر وقادة الرأي تتعلق بمساحات العمل، فمساحة عمل قادة الفكر هي ترشيد أفكار "قادة الرأي" ومساحة عمل قادة الرأي هي ترشيد تحركات "الجماهير". أما أن ينشغل قادة الفكر بتوجيه الجماهير بشكل مباشر فهذا إهدار لطاقات قادة الفكر وتحميل الجماهير ما لاتطيق مما يعيدنا مرة أخرى إلى العزلة بين الفكر والفعل. وانشغال قادة الرأي بتوجيه بعضهم البعض تقصير عن أداء واجبهم، وليس المقصود هو الفصل التام بين قادة الفكر وقادة الرأي بل إن الواحد يكون من قادة الفكر في موضوع ومن قادة الرأي في موضع آخر ولكل مقام مقال ولكل حادثة حديث.

وكلمة أخيرة أقولها للنخبة بكل فرقها وأطيافها ... لقد نقلتكم ثورة 25 يناير من حالة "سلم النقابة" إلى حالة "ميدان التحرير" ولا أظن أن أحدا يريد العودة إلى "سلم النقابة" مرة أخرى.



باسم زكريا السمرجي
20-3-2011

السبت، ١٩ مارس ٢٠١١

رسائل بالصور من لجنة مدرسة عزت بالمطرية - محافظة القاهرة

رسالة واضحة وصريحة للبهيم اللي كان بيقول المصريين مش مؤهلين للديمقراطية
وللنخب اللي خايفة على الناس من الديمقراطية
وللمثقفين اللي فاهمين إن سكان المناطق الشعبية درجة تانية

دي بداية طابور الرجال
ودي تكملة الطابور
وده اللي المفروض كان يبقى "طابور" السيدات :)
وده طابور السيدات بعد ما تولى تنظيمه الجيش والشرطة والشعب :)



مبروك يا مصر
مبروك يا مصريين
الثورة انتصرت

الأحد، ١٣ مارس ٢٠١١

أنا هاقول نعم للتعديلات الدستورية ودي أسبابي

بعد متابعتي المتأنية لجميع آراء الموافقين والمعارضين دلوقتي أقدر أكوّن رأي واضح عن التعديلات الدستورية وهو إني هاصوّت بنعم للتعديلات ليه بقى؟

أولا: لازم نعرف إن التعديلات دي مؤقتة والمادة 189 مكرر بتلزم البرلمان بانتخاب جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور جديد وده الكلام اللي قاله كثير ممن أثق فيهم من الفقهاء الدستوريين



طيب ليه مانحطّش الجمعية التأسيسية دلوقتي ونحط دستور جديد؟

الرد البسيط إن اللجنة لو جت دلوقتي هتبقى لجنة معيّنة من طرف المجلس العسكري واحنا مش عايزين لجنة معينة هي اللي تحط الدستور الجديد إنما لجنة منتخبة



طيب ليه ما ننتخبش اللجنة دي دلوقتي؟

لأن الدستور ده عقد اجتماعي وسلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة ضرورة (سلطة استثنائية) وماينفعش العقد الاجتماعي ده يتحط في ظرف استثنائي إنما لابد يتحط في ظل سلطة مدنية طبيعية لأن علشان الدستور يتحط صح لابد أن تخضع كل مادة للنقاش الشعبي العام وده شئ صعب دلوقتي في ظروف السيولة اللي البلد فيها دلوقتي وبعدين هيبقى حاجة من الاتنين يا إما يتلطع دستور على استعجال بدون مناقشة ويبقى دستور وشرعية فوقية برضه أو يتعمل صح بقى ومادة مادة تخضع للحوار الشعبي العام وده هياخد وقت كتير هيخلّي المجلس الأعلى في السلطة فترة أطول



طيب ايه المشكلة إن الجيش يفضل في السلطة فترة أطول؟

مش شغلة الجيش إنه يبقى جوة البلد يحمي الشوارع ويرازي فينا ونرازي فيه مش شغلته خالص إنه يبقى شرطة وده وضح لينا جدا في طريقة فض الاعتصامات وطريقة التعامل مع مشكلة المقطم ولاظوغلي احنا مش عايزين نخبط في الجيش ونخسره لأن ده معناه إننا ننتقل من إسقاط النظام إلى إسقاط الدولة وده اللي احنا مش عايزينه نهائي



طيب دلوقتي في اعتراضات معينة على التعديلات الحالية زي موضوع الجنسية وزي الكلام اللي بيتقال عن إن وضع دستور جديد مادة غير ملزمة؟

أولا موضوع الجنسية...دلوقتي احنا بنتكلم عن رئيس الجمهورية أهم منصب في البلد وبالتالي لابد إننا ناخد أكبر قدر من الاحتياطات واحنا بنختاره وبعدين اللي أفهمه إن أمريكا مثلا بتفرض قسَم معيّن على اللي عايز ياخد الجنسية الأمريكية لابد إنه يقسم إن مصالح أمريكا أعلى من مصالح أي جنسية حملها أو سيحملها في المستقبل...ازاي بقى اللي يبقى رئيس يكون أقسم القسم ده؟!! ده غير إنه ممكن يبقى معاه جنسية إسرائيلية أو متزوج من إسرائيلية فكان لابد من اتخاذ الاحتياط اللازم ده

أما عن إن المادة 189 مكرر غير ملزمة فأنا هاحط لحضراتكم نص المادة وانتوا تحكموا

يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقًا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189



احنا عملنا ثورة علشان نسقط الدستور ازاي بقى نتحكم بيه تاني؟

دلوقتي حالا أنا باسمع لواء من المجلس الأعلى جاي على برنامج مصر النهاردة مع خيري رمضان وبيقول إن الدستور القديم سقط بتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كسلطة مش موجودة في الدستور أصلا فالدستور سقط خلاص ولما التعديلات دي هتعدي هيبقى الإعلان الدستوري اللي طلّعه المجلس الأعلى + التعديلات هم على بعض كده الدستور الجديد اللي هنمشي بيه لحين وضع الدستور الجديد



طيب ما هو إحنا لو عدينا التعديلات دي هنعمل انتخابات برلمانية سريعة وده هيبقى في مصلحة الوطني أو الإخوان؟

أولا اللواء دلوقتي لسة قايل إن الانتخابات البرلمانية مش هتبقى بسرعة وممكن تبقى في أغسطس وكمان بعد إقرار التعديلات على طول هنعدّل قانون الأحزاب وهيبقى إنشاء الأحزاب بمجرد الإخطار والأحزاب هيبقى عندها فرصة 5 شهور تقريبا تشتغل

وبعدين الوطني كان بيكسب بالتزوير + الإعلام + غياب الإشراف القضائي + غياب مراقبة المجتمع المدني + البلطجة + انضمام المستقلين + بس 30% على أعلى تقدير من القوة التصويتية هي اللي كانت بتروح تصوّت

وكل الحاجات اللي كان بيكسب بيها الوطني دي مش هتبقى موجودة ففرصهم هتقل كتير

طيب بالنسبة للاخوان فأنا حابب أنقل لكم رأي الشارع باعتباري باشتغل مع اللجان الشعبية وهو إن الناس مش موافقين على الإخوان تماما هم قبل كده كانوا بيوافقوا عليهم نكاية في الوطني بس



طيب ليه مانعملش رئاسية وبعد كده برلمانية؟

علشان ماينفعش إن الرئيس يبقى موجود من غير أجهزة رقابية (مجلس الشعب والشورى) كده كأننا بنهرب من البرلمان اللي فيه ناس منتخبة ونروح نسلّم دقننا لشخص واحد



تعليق أخير بقى...

أنا مقتنع إن الحل الأمثل كان مجلس رئاسي مدني عسكري لكن النخب للأسف فشلت في توجيه الشعب إنه يتبنى المطلب ده فالواقع دلوقتي إننا لو قلنا "لا" للتعديلات الدستورية دي ايه اللي هيحصل؟؟؟

يا إما المجلس الأعلى للقوات المسلحة هيعمل إعلان دستوري وحكم عسكري ونرجع تاني لـ1952 أو هيرجّع تاني دستور 1971 وكأن شيئا لم يكن ونرجع لمربع رقم 1 وده كلام ماحدش يتمناه




وبغض النظر عن الرأي النهائي لأي حد أحب أن أعلن عن سعادتي بالحوار الصحي الدائر الآن حول التعديلات الدستورية الذي يسود أغلبه الاحترام المتبادل ... كنا مفتقدين الديمقراطية فعلا

:)



باسم زكريا السمرجي

13/3/2011




للتواصل والنقاش على الفايس بووك

http://www.facebook.com/note.php?note_id=10150158414654789

الخميس، ١٠ مارس ٢٠١١

حول خيارات المستقبل

إن ما تواجهه ثورتنا الآن من محاولات للالتفاف حولها وتقويضها والعودة بها إلى نقطة البداية تقتضي من كل واحد منا أن يقدم ما لديه للمساعدة في تخطي ذلك الاختبار. وسأحاول من موقع المراقب أن أطرح رؤيتي لما تمر به ثورتنا الآن وكيفية الخروج منه.


أولا: الموقف من الجيش

لابد أن نقر بالدور الذي لعبه الجيش في حسم الثورة لصالح إرادة الشعب منذ يوم 10 فبراير وقت إعلان البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة حين أعلن تمام انحيازه لمطالب الشعب، ولكنه – ولحسن الحظ – لم يقم هو بالثورة ولم يكن ثائرا إنما انطلق لحماية "إرادة الشعب" وإنفاذها ولابد أن نتعامل معه في هذا الإطار فهو يحمي الثورة ولكنه لا يقودها ولن نطلب منه أن يقودها وإلا نكون كمن ينحر نفسه بيديه، ويعود طوعا بعجلة الزمن 50 عاما للوراء. أما عن من يقود الثورة فهو الشعب الذي ظل يهتف على مدار 18 يوما "الشعب يريد..." وحين أقول إرادة الشعب فأنا أقصد تلك الإرادة وذلك العقل الجمعي الشعبي المصري العبقري الذي قام بالثورة – وانتصر على النظام البائد في معركة الدم ومعركة الإرادة – لا إرادة النخب السياسية التي اعتادت على تظاهرات سلم نقابة الصحفيين. وإرادة الشعب تلك هي التي يحميها المجلس العسكري ولابد لنا أن نتفهم ذلك تمام الفهم، فتحرك الجيش يكون مدفوعا بدافعين إما بدافع الاستجابة لمطالب الشعب أو بدافع اتقاء الكوارث. وأغلب التحركات التي شهدناها للمجلس العسكري حتى الآن هي تحركات دافعها كان حماية إرادة الشعب ولنا أن نتخيل كيف يكون تحرك الجيش إذا كان مدفوعا بالخوف من وقوع الكارثة وهو تخيّل ليس بصعب خاصة بعدما شهدنا بوادر له بالأمس في ميدان التحرير ومنذ بضعة أيام في ميدان لاظوغلي، وبالأمس في ميدان التحرير

ثانيا: خطاب النخب

ينقلنا هذا إلى خطاب النخب والذي يجب أن يُوجّه إلى الإرادة الشعبية – أداة الضغط الحقيقية – ومن هذا المنطلق فإني أرى ذلك الخطاب الحلقة الأضعف في المشهد، فجموع الشعب بعد الثورة أعطت للنخب والنخب الشبابية تقديرا كبيرا على ما كانوا يقومون به على مدار السنوات الماضية وما قدموه في سبيل تحقيق ذلك الحلم الثوري وكانت تلك فرصة ذهبية لنخب الشباب كان يتوجب عليهم استغلالها للالتصاق بالشعب والخروج من مرحلة سلم نقابة الصحفيين إلى مرحلة ميدان التحرير لكن للأسف ما أراه هو ردّة عن ميدان التحرير إلى سلم النقابة مرة أخرى، فالخطاب السياسي لتلك النخب تحول مرة أخرى إلى خطاب استعلائي يمارس على الشعب نوعا من الوصاية ويتهمه بأنه شعب "مش عارف مصلحته" وأنه اعتاد حياة العبيد في تحدٍ صارخ للعقل الجمعي المصري الذي لا يجب أن نطعن عليه بعد ما رأينا من عبقرية كامنة فيه تبدّت في كل مراحل الثورة لزم البناء عليها لا تجاهلها.

ويتبدّى ذلك السلوك الاستعلائي في بعض المظاهر مثل طريقة الحديث عن التعديلات الدستورية وتكوين الأحزاب وحل أمن الدولة ووضع دستور جديد والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأنا لا أطعن على شرعية المطالب ولكني أطعن على طريقة المطالبة بها التي جعلتها مطالب "نخبوية" لا "شعبية" فبالتالي تجاهلها الجيش ولم يكترث بها.

والسبيل الوحيد لنقل هذه المطالب من مربع "النخبة تريد..." إلى مربع "الشعب يريد...." يتطلب إعادة ترتيب الأولويات في عقلية النخبة المصرية فكلنا يعلم أن البناء السياسي هو تجلٍ من تجليات المجتمع المدني ولكي يقوم البناء السياسي بناء متماسكا معبّرا عن المصلحة الوطنية لابد أن ينبني على أساس من مجتمع متماسك سليم، والسيولة التي نشهدها الآن في المجتمع المصري – وهي حالة طبيعية لمن استفاق من غيبوبة استمرت عقودا من الزمان – تلك السيولة لا تصلح لأن نبني عليها بناء سياسا صلبا يدّعي تمثيل المصلحة الوطنية الجامعة، بل يجب أولا أن يتم ترشيد تلك السيولة وتجميعها في تيار رئيسي مجتمعي واحد حتى يتسنّى لنا إقامة ذلك البناء فالبناء المجتمعي هو أساس البناء السياسي والنخبة الشعبية هي أساس النخبة السياسية والطريق الذي لابد للنخب السياسية أن تسلكه يكون من أسفل لأعلى لا من أعلى لأسفل. فبدلا من أن يتصدر الشباب المشاهد الإعلامية وطاولات المفاوضات ليتفاوضوا دونما قوة على الأرض، يجب أن يبدؤوا من الأرض، من الشارع، أن يقوموا بحملات توعية منظمة ومكثفة في الشارع لعوام الشعب حتى يتسنى لنا ترشيد تلك السيولة المجتمعية وبناء تيار شعبي مصري يعبّر عن المصلحة الوطنية المصرية الجامعة ويستطيع أن يكون هو قوة الضغط الحقيقية على المجلس العسكري أو على البرلمان أو الرئيس أو المجلس الرئاسي أو أيا كان من في السلطة.


خيارات المستقبل:

من موقع المراقب أيضا أحاول أن أطرح تصورا عن خيارات المستقبل التي تضمن حماية الثورة وما أنجزته.

والخيار الأول والأمثل بالنسبة لي هو تعيين مجلس رئاسي مدني عسكري وتعيين جمعية تأسيسية موسّعة لوضع دستور جديد قائم على شرعية 25 يناير بالكلية وتبقى حكومة عصام شرف كحكومة إنقاذ وطني لحين وضع الدستور الجديد وإقامة انتخابات تشريعية في مدة أقصاها عام تبدأ من تعيين المجلس الرئاسي تليها انتخابات رئاسية.

أما الخيار الثاني فهو رفض تلك التعديلات الدستورية الحالية على أن تكون انتخابات الرئاسة سابقة على الانتخابات التشريعية ولكن هذا الخيار يضع عبئا ثقيلا على القوى الوطنية حيث لابد لمن سيتولى الرئاسة في تلك الفترة أن يكون مرشحا توافقيا وطنيا يقوم بمهامه كرئيس للجمهورية لمدة واحدة فقط قدرها سنتان يلغي الدستور تماما ويعيّن جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد ثم تجري انتخابات برلمانية ثم رئاسية.

أما إن فشلت القوى الوطنية في صنع التوافق فسننتقل للأسف إلى خيار الأمر الواقع وهو أن تمر التعديلات الدستورية وتُجرى الانتخابات التشريعية قبل الرئاسية وسيكون الرهان هنا على الشارع أن يظل يقظا ومتمسكا بمطالبه حتى يضغط على البرلمان إن أتى كما – هو متوقع – بم لا يمثل الثورة لحين انتخاب رئيس توافقي وطني يلغي الدستور ويعيّن جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد.

وفي كل الأحوال فالرهان على الشارع الذي لن يتبنى المطالبة بتلك المطالب إلا إذا توجهت إليه النخب بخطابها كما أوضحنا سلفا.

بقي أن نقول أن تلك السيولة وذلك الارتباك الحادث في مصر الآن هو طبيعي بعد ثورة قامت في بلد تعداد سكانها 85 مليون نسمة عاشت في الديكتاتوريات المتعاقبة على مدار عقود وأسقطت نظاما في 18 يوم. المسؤولية الآن تقع على عاتق النخب أن يتخلوا عن أساليبهم المعهودة وابتكار أساليب خطاب وإدارة جديدة لأن ما حدث في مصر جديد ومن العبث إدارته بالوسائل السياسية القديمة.


باسم زكريا السمرجي

10-3-2011