وددت لو أن هناك باستطاعتي شيء غير كتابة تدوينة لن تفيد أحدا ولن تغير شيئا وربما لن تضيف للكثير شيئا ولكن ما باليد حيلة! وقبل أن أبدأ أحب أن أعترف أن التخطيط المُحاك ضد الثورة في الانتخابات – والذي أخرجها بالشكل الذي خرجت عليه – مرتبط بالتخطيط الجاري ربما منذ أيام الثورة ذاتها واتضح أنه "شغل فنادق" وأننا لم نستطع مواجهته بأي شكل من الأشكال، فالأدرينالين الثوري لم يستطع الصمود أمام التخطيط المؤسسي المنظم بل اتضح أن الأدرينالين الثوري هو نقطة ضعف الثورة التي نفذ منها التخطيط العسكري.
أنا لا أدعو الناس لكي يروا النصف الممتلئ من الكوب (فهذا كلام فارغ) بل أدعو الناس لكي يرو الصورة بشكل أكثر شمولية، فالانتخابات رغم ما كان بها من بعض الخيارات التي كان من شأنها أن تدفع الثورة للأمام إلا أنها في ذاتها لم تكن ولن تكون خيارا ثوريا بل كانت اضطرارا، اضطرت إليها الثورة لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن. هي ليست تعبيرا عن الإرادة الشعبية إنما تعبيرا عن كفاءة ماكينات الحشد أو موازين القوى السياسية، وما نستطيع أن نستخلصه من نتائج الانتخابات هي اتجاهات عامة ليس إلا وربما تتلخص في الآتي:
- يأس الناس من السياسة، فنسب المشاركة التي قلّت كثيرا عن التوقعات لا يفسّرها سوى يأس الناس من أن السياسة يمكنها أن تغير حياتهم، ويتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك مجلس الشعب الذي فشل فشلا ذريعا في مخاطبة احتياجات الناس.
- من مجمل الناخبين اختارحوالي 55% أجندة التغيير المتمثلة في الثلاثي أبو الفتوح – حمدين – مرسي وصحيح أن التباين بين الثلاثة واضح خاصة بين أبو الفتوح-حمدين ومرسي إلا أنهم جميعا لم يكونوا جزءا من السلطة التي ثار عليها الشعب، وعليه فإن أكثر من نصف الناخبين تقريبا يريدون التغيير بأشكال متباينة. وربما يظن البعض وأنا منهم أن المخابرات وشبكات مصالح النظام تدخلت في الانتخابات بأنها ساهمت في رفع مرشح على حساب مرشح لتفتيت الأصوات، لكن الناخب لا دراية له بذلك ولا ينبغي أن يُحاسب على ذلك
- خسر الإخوان كثيرا، ولا يعني حصول مرشحهم على المركز الأول عكس ذلك، فأن يخسروا حوالي 5 مليون صوت في أربعة شهور تفصل بين انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة في معاقلهم هي خسارة، وأن يحصلوا على المركز الأول بفارق ضئيل بعد أن كانوا يقولون أن مرشحنا سيحسم الانتخابات من أول جولة خسارة ولا يغفل عن رؤية ذلك إلا مكابر !
إذن أين نحن الآن؟ إن لم تغير الطعون النتائج فإن الإعادة ستكون بين ماكينة حشد الإخوان وماكينة حشد الحزب الوطني اللتان على ما يبدو متعادلتان، ولن يفصل بينهما غير الأصوات الخارجة عنهما، وهي أصوات تتأرجح دوافعها بين تقديم الرغبة في التغيير على ما سواها، وبين تقديم الرغبة في حصول الاستقرار على ما سواها، وبين تقديم الخوف من الإسلاميين على ما سواه. وأظن أنه إن استمر الوضع الحالي على ما هو عليه فإن الأقرب للتحقق هو فوز ماكينة الحزب الوطني حيث ستميل إليها أصوات الراغبين في الاستقرار، وأصوات الخائفين من المشروع الإسلامي وربما بعض أصوات الراغبين في التغيير.
إذن ما العمل حتى نتجنب وقوع مثل تلك الكارثة؟ أولا لابد أن نعرف أنه ربما تكون أصوات الراغبين في التغيير الذين صوّتوا لأبو الفتوح وحمدين هي الكفيلة بحسم المعركة، ولكن لابد أن نفهم طبيعتها فهي في الغالب لم تأت بحشد حزبي مباشر وإنما هي أصوات حرة صوتت لأجندة ثورية أو بشكل أكثر دقة لخطاب ثوري. وبالتالي فإن ما يمكن أن يستميلها في أي اتجاه ويدفعها للمشاركة بدلا من المقاطعة هو إنتاج خطاب ثوري لا غير ذلك وبالتالي فإنني من يقول بأن تلك الكتلة التصويتية مصدر قوة تفاوضية لمعسكر التغيير الذي أراد بديلا ثالث غير الإخوان والنظام السابق، وبالتالي فإن على السياسيين أن يتفاوضوا مع الطرفين (الإخوان والنظام السابق) على حد سواء من موقع قوة.. أوجه كلامي للقائلين بهذا القول وأقول لهم "صباح الخير .. هي اللالا لاند بيروحوا لها ازاي دلوقتي؟!" لسببين عمليين جدا، أولهما أنه لا يوجد ما يسمى "بمعسكر" التغيير بل هي أصوات فردية حرة غير ملتزمة بتوجيها "معسكرية". ثانيهما أن النظام السابق لا يحتاج منك أي شيء حتى يعطيك أي شيء، فهو معه شبكات مصالح الحزب الوطني التي لم تُفكك بعد، ومعه الجيش والداخلية والقضاء ومعه أيضا الخائفين من المشروع الإسلامي (وهم كثير) ومعهم دعاة الاستقرار، فأنت إن ذهبت أعطيته إضافة إلى ما لدية شرعية ثورية مجانية، (واللي هيقول لي هناخد ضمانات منه مش هارد عليه على فكرة !). بالطبع لن أذكر الموانع المبادئية التي تمنع من التفاوض مع رئيس وزراء موقعة الجمل الذي اعتمد طوال الحملة الانتخابية على خطاب "العباسية بروفة" فعلى ما يبدو لا مكان للمبادئ في السياسة وبالأخص في الانتخابات ... احنا آسفين يا ميكيافيللي
طبقا لما سبق فإن الخيار الوحيد المطروح أمامنا هو التفاوض مع الإخوان كما أن الخيار الوحيد المطروح أمام الإخوان هو التفاوض مع باقي القوى الوطنية. وهو في الحقيقة ليس خيارا وحيدا بل إن هناك خيارا آخر مطروح على الجميع وهو حبل المشنقة، فلا لحظة أدعى لاستحضار "ثقة الأعزل بالأعزل" غير تلك اللحظة. وحتى يثق الأعزل بالأعزل على الإخوان أن يقدموا بعض الضمانات التي حتى وإن لم يفوا بها – وهو أمر وارد جدا – فستظل ورقة "نمسكها عليهم". وربما لا أستطيع تحديد تلك الضمانات ولكنها بالأساس الضمانات اللازمة لإنتاج خطاب ثوري على الأقل (مش هنقول أجندة ثورية) من ضمانة للعدالة الاجتماعية (اللي بجد مش بتاعة الشعارات) وضمانة الحريات وإعادة النظر في معايير الجمعية التأسيسية وأيضا إعادة النظر في منطق التكويش/التمكين .. (معلش يقولوا لمولانا الشيخ صفوت حجازي يؤجل مشروع الصرف الصحي الإسلامي شوية !)
من ناحية أخرى، فعلى القوى السياسية الأخرى أن تتوقف عن المطالبة بمطالب كوميدية مثل أن يتنازل مرشح حصل على المركز الأول في الانتخابات لصالح المرشح الحاصل على المركز الثالث، فلا أدري أي عقلية فذة تفتّقت عن هذا الاختراع العبقري (يا خسارة العلام يا بتوع الدكتوراهات !) وألا تتلخص المطالب أيضا في الإتيان بفلان نائبا للرئيس وفلان رئيسا للوزراء، فليست تلك المطالب هي التي من شأنها أن تستميل أصوات الثورة بل على العكس ستشعرها بالخيانة وتدفعها أكثر للعزوف عن المشاركة.
كلمة أخيرة للإخوان: حتى لو استمريتم في المكابرة ولم تتفاوضوا ولم تتنازلوا سأصوت لكم لأني أفضل الاحتمالات العديدة التي تمنحها الحياة من أدناها إلى أقصاها على الاحتمال الوحيد الذي يمنحه الموت. أعرف ربما عشرات سيفعلون ذلك أيضا لكني لا أضمن باقي ال8 مليون !
باسم زكريا السمرجي
27/5/2012
تتكلم بالنيابه عني
ردحذفوانا معاك وبالتالي لسه عندهم 7,999.998 شخصا ليقنعوه