السبت، ٧ أبريل ٢٠١٢

عن عمر سليمان وحتمية التوحّد

لو مستعجل، اقرا الخلاصة على طول


قاعدة
ليست الثورة صورة جماعية يقف فيها الجميع صفا واحدا، يرسمون ابتسامة بلهاء على وجوههم. بل إن الثورة صراع بين تصورات متناقضة تناقضات جوهرية، وحّد بينها النظام السابق الذي طال استبداده الجميع، فما أن كسرت الثورة قشرته حتى تسارعت القوى السياسية في ملء الفراغ الضئيل المتولّد عن كسر تلك القشرة، وبالفعل نجحت جماعة "الإخوان المسلمون" في شغل ذلك الفراغ.


تمهيد
أتفق مع صديقي الباحث علي الرجّال في أن الثورة المصرية تحمل في طيّاتها ثلاثة أنماط، الثورة المضادة ويتمثّل في المجلس العسكري، والنمط الإصلاحي ويتمثل في جماعة "الإخوان المسلمون" والنمط الثالث وهو النمط الثوري السائل الذي يتمثل في مجموعات وأفراد لا يجمعهم تنظيم أو حتى عدد محدود من التنظيمات.

تتفق قوى الثورة المضادة مع القوى الإصلاحية في عدة نقاط أهمها:

  • أن كلا منهما متمثل في مؤسسة هرمية تسير فيها المعلومات والأوامر من أعلى لأسفل، مما يسهّل عليهما الحركة ككتلة صلبة في اتجاه محدد
  • أن كلا منهما ذو عقلية محافظة، لا يستطيع أيا منهما الدفع في اتجاهه بشكل راديكالي نظرا لمركزية فكرة مصلحة الدولة – التي تتأثر بالقطع بأي حركة راديكالية في أي اتجاه – في النسق الفكري لكل منهما، ونظرا أيضا لطبيعة الإدارة المترهلّة في كلتا
  • نظرا للطبيعة المؤسسية لكل منهما نجد أن كليهما يتعالى على الفصيل الثالث – قوى الثورة – وينظر إليه على أنه مجموعة من التحركات العشوائية التي لا يجب أن يُلقى لها بال. فنجد أن كلتا المؤسستين لا تتحركا في اتجاه الثورة إلا اضطرارا
تسهّل نقاط الاتفاق السابقة عملية عقد الصفقات بين الطرفين (وأقصد هنا الصفقات بمعناها المحايد لا بمعناها السلبي). ليس هذا فحسب، بل إنها تسهّل على الولايات المتحدة عقد الصفقات والتفاهمات مع كليهما، فليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تصطدم تلك القوتان، فصراع الأفيال لا يخرج منه الرابح إلا مثخنا بجراح قد تمنعه من السيطرة على النمل العشوائي الذي لا يمكن التنبأ بحركته. لذلك فإننا نعلم أن الأمريكان حاولوا التوسط بين الإخوان والمجلس العسكري في أزمتهم الأخيرة. وعلى ذكر الأزمة الأخيرة، فقد لا أجد تفسيرا سوى أن الإخوان لم يرضوا بترسيم حدود السلطة بينهم وبين المجلس العسكري – ذلك الترسيم الذي ربما تم برعاية أمريكية – وأرادوا أن يزيدوا من مساحة سلطتهم، الأمر الذي لم يسمح به المجلس العسكري فتصاعدت وتيرة "العِند" بين الطرفين حتى دفع الإخوان بمحمد مرسي كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر الذي يبدو أن وضعه القانوني لم يتم تسويته بالكلية. ورغم أني أتصور أن الخلاف بين المجلس العسكري والإخوان خلاف حقيقي إلا أنني لا أتصور أن ينزل أيهما لساحة مواجهة مباشرة نظرا لطبيعة كليهما المحافظة


عن عمر سليمان
أولا: من لا يرى في معركة الرئاسة معركة من معارك الثورة فليقدم بديلا "عمليا" (يعني نعمل ايه بكرة الصبح؟!) أما الترفّع عن تلك المعركة دون طرح بديل هو من قبيل الترف الفكري الذي لا ينتج تغييرا ولا علاقة له بالثورة، فالثورة فعل جماهيري، والجماهير عكس الأفراد لا يمكن أن تنعتق من هيمنة السلطة بشكل مفاجئ بل يخضع ذلك الانعتاق لمنطق الجدلية التاريخية، فكل محاولة من السلطة لإنتاج نموذج للهيمنة تحمل في طيّاتها تناقضاتها التي تمكّن الجماهير من الثورة نحو درجة أعلى من الانعتاق.
ثانيا: في حقيقة الأمر، لا أخشى عمر سليمان، فكيف أخشى ممن كان على رأس جهاز أمني لم يعلم عن الثورة شيئا حتى وجدها في الشوارع؟! بل على العكس، فإن ترشح عمر سليمان يجلب للضوء ما كان خفاؤه كفيلا بحفظ هيبة جهاز المخابرات، جهاز الدولة الأشرس وربما الجهاز الأخير في الدولة الذي لا يزال يتمتع ببعض الهيبة. ولا أتصور أن عمر سليمان قد ينجح في انتخابات حرة، ولا أرى داعيا أن أبرهن على ذلك، فعمر سليمان لن يجني من تلك الخطوة سوى "التهزيئ" وهو أمر محمود بالقطع بالنسبة للثوار .. (حد يطول تيجي له فرصة يهزأ المخابرات؟!:) )

ولكن ملابسات الدفع بعمر سليمان تكشف أنه مرشح شبكات مصالح النظام العميق الحقيقي، فأحمد شفيق أضعف من أن يكون كذلك وعمرو موسى كان مُبعدا عن النظام لمدة 10 سنوات وهي مدة ليست بالقصيرة، أما عمر سليمان فكان في قلب النظام، وعلاقاته مع أمريكا وإسرائيل لا يلزمها بيان. لذلك نجد أن التليفزيون المصري استضاف توفيق عكاشة عشية إعلان عمر سليمان عزمه على الترشح، ليتحدث عن دعوته لمليونية تأييد عمر سليمان، تلك التظاهرة الضئيلة التي على أثرها أعلن عمر سليمان استجابته لجموع الشعب وعدوله عن قراره الأول بالعزوف عن الترشح ! وفي أعقاب ذلك القرار نجد أن التليفزيون المصري يذيع نبأ كاذبا عن انسحاب أحمد شفيق وخيرت الشاطر لصالح عمر سليمان، ثم يذهب عمر سليمان في اليوم التالي ليسحب أوراق ترشيحه في حراسة الجيش !

كل تلك الملابسات تكشف لنا أن النظام سيدفع بكل طاقته خلف عمر سليمان حتى وإن وصل الأمر للتزوير المباركي الفج، وهو ما أراه سيحدث. وهذا يضعنا أمام احتمالين، إما أن ينزل الناس إلى الشوارع اعتراضا على التزوير في مواجهة مفتوحة مع النظام، أو يرضى الناس بما آلت إليه الأمور ولا ينزل إلى الشوارع إلا "قلة" تُفتح لهم المعتقلات.


الخلاصة
إن كان التوحّد حتمي إما في مواجهة رصاص النظام وإما في المعتقل، فلم لا نتوحّد "بمزاجنا"؟! إن كنا نستطيع أن نربح معركة بدون دم فلم نُضطر إلى الدم؟!

لا أتصور أن هناك أي وسيلة لمنع احتمالات المواجهة الدامية مع النظام سوى أن تشكّل قوى الثورة مجلسا رئاسيا من المرشحين المحسوبين على الثورة قوامه مرشح ونائب أو اثنين. وأقصد بقوى الثورة في ذلك السياق (حملة أبو الفتوح، حملة حمدين صباحي، حملة خالد علي، وكذلك البرادعي ومؤيدوه) ولا أطرح تشكيلا بعينه لذلك المجلس الرئاسي، فقط ما أرجوه هو أن تتفق تلك القوى على معادلة ما أيا كانت صيغة تلك المعادلة. فإن كانت الثورة معركة متناقضات كما ذكرت في أول كلامي فإن وصول عمر سليمان للحكم (بأي طريقة) يعيدنا للمربع رقم واحد حيث الاتفاق حتمي. والخيار لنا، إما أن نغلب هوى النفس على الوطن فنخسرهما وإما أن نؤخر هوى النفس قليلا لصالح الوطن فنربحهما


باسم زكريا السمرجي
7/4/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق