استضافت قناة "أون تي في لايف" على شاشتها في رمضان الماضي أوكا – أورتيجا – سوستة – شعوذة – وزة – شحتة كاريكا وهم مجموعة "فريق الـ8%" من نجوم "المهرجانات". والمهرجانات هو لون من ألوان الغناء الشعبي يشبه "الهيب هوب"، وتمتزج فيه إيقاعات الراب والهيب هوب بكلمات في كثير من الأحيان تكون "غير مناسبة"، وهو اللون السائد في أوساط سائقي التوكتوك الآن.
ما أثارني في هذه الحلقة التليفزيونية التي امتدت لنصف ساعة هو العلاقة بين هؤلاء الشباب ممثلين لفئة من المجتمع خارجة عن المألوف والمناسب، وبين "المؤسسة" – وأقصد بالمؤسسة هنا التفكير السائد في المجتمع – مُمثلة في القناة وبالذات في شخصية المذيعة التي لا أعرف اسمها مع الأسف. حتى نستطيع أن نرى تلك العلاقة، لابد أن نعود بالخيال إلى الوراء قليلا لنتصور أن قناة تليفزيونية دعت هؤلاء الشباب لكي يكونوا ضيوفها في إحدى برامج رمضان. أتصور أنهم حينها كانوا سيحرصون على التأنق، وسيحرصون على اختيار ألفاظهم وأسلوب حديثهم حتى يكون متماشيا مع "الذوق العام" ويكون أكثر اتساقا مع المؤسسة. غير أن ما حدث في تلك الحلقة المشار إليها كان العكس تماما، فهم لم "يعدّلوا" لا هندامهم ولا طريقتهم في الحديث، بل إن المذيعة صارت تحاول تقليدهم، فصارت المؤسسة هي التي تحاول أن تتمثّل هؤلاء الخارجين عنها وليس العكس ! وهكذا فإن إنتاج ثقافة وهوية خارج المؤسسة لم يعد فقط ممكنا، بل صارت لتلك الثقافة وتلك الهوية القدرة على إخضاع المؤسسة لها. ولكن لا أريد أن يبدو الأمر وكأن في هذا النوع من الفن الخلاص الأكيد من المؤسسة فقد شاهدنا بعض الحالات تستطيع فيها المؤسسة التلاعب بمثل تلك المحاولات الخارجة عنها وتدجينها، كما حدث مع بعض الفرق الأخرى التي تقوم بأداء المهرجانات أيضا حيث قاموا بأداء بعض المهرجانات في مسلسلات رمضان واضطروا لتغيير بعض الكلمات "غير المناسبة" ليستطيعوا الظهور على شاشة التليفزيون.
وبالانتقال من "نجوم المايكات" إلى المشهد السياسي والمجتمعي الأوسع، نجد أن إنتاج سرديات خارج المؤسسة ليس فقط بالأمر الممكن بل بات أمرا ضروريا. فالنمط الاجتماعي الاقتصادي الذي نحياه والذي يتسم بالعشوائية الشديدة حيث أن السلعة الرئيسية فيه – المعلومات – لا يتطلّب إنتاجها أي قدر من المركزية، وبالتالي صارت المعلومات – بشكل ما – متاحة للجميع فأصبح من المستحيل على الدولة أن تتحكم في نوع وكم المعلومات التي يستطيع أن يصل إليها المجتمع بالقدر الذي يمكّنها من إنتاج سرديّتها كسرديّة وحيدة تخضع بها المواطنين عن طريق التلاعب بالعقول بدلا من الجلد بالسياط، والدولة المصرية خير دليل على ذلك، فلم يكن اختزال أدوارها في الدور القمعي إلا لعجزها عن إنتاج سردية تكفيها تكلفة ذلك القمع.
وبالتالي، فإن معركة الدولة بانتخاباتها بدستورها لا تشغلني، ولا أعتبر فوز جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية أو قدرتها على فرض أجندتها في كتابة الدستور انتصارا. فأقصى ما يمكن أن تفعله بالدولة المصرية أن (تبوسها وتحطها جنب الحيط علشان ماحدش يدوس عليها). لكن ما أخشاه، أن تنجرف التيارات الراديكالية المعارضة للإخوان لنفس المعركة الوهمية، وتستنفذ الوقت والجهد فيها فتكون أقصى أمانيها هزيمة الإخوان في البرلمان ! ... نحتاج قليلا من الخيال
رابط الحلقة المشار إليها http://www.youtube.com/watch?v=wpmrJuMc0gM
باسم زكريا السمرجي
8/10/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق