الخميس، ٧ يوليو ٢٠١١

ثورتنا..من إدارة الأزمة الى أزمة الادارة بقلم د. المصطفي حجازي

ثورتنا..من إدارة الأزمة الى أزمة الادارة

ثورتنا بين حداثة العهد بالإرادة و حداثة العهد بالإدارة

ثورتنا بين أزمة الإدارة و أزمة الإرادة

الميدان واحد و اسمه التحرير كان و سيظل .. و الدعوة واحدة اسمها مليونية كانت و ستظل .. ولكن المشهد ليس واحد و الواقع ليس واحد بين الميدان و الدعوة بين ٢٨ يناير و حتى ١١ فبراير ومشهد وواقع ٨ يوليو . الميدان و الدعوة هما مرآة واقعنا و فيهما نقرأ شهورنا الست الماضية و نستشرف شهورنا بل سنينا القادمة . و الفارق بين ميدان يناير و يوليو و دعوة يناير و يوليو هو الفارق بين ماضى مصر و مستقبلها, بين روح و عقل من أقر الماضى و استقر فيه و به و بين من أستشرف المستقبل و استجلب بوادره. و سيبقى هذا الفارق مراوغا مراوحا بين الضيق و السعة بقدر المراوغة و المراوحة بين الماضى و المستقبل و تقدم إرادة أيهما على الآخر.

ميدان تحرير يناير مشهده هادئ رغم صخبه .. واع .. حكيم .. غير قابل للاختراق أو التبديد ..هو مشهد عموم المصريين و تيار هذا المجتمع الرئيسى. دعوات الالتحام من أجل الحرية و العدل و المستقبل. كتلة مصرية متناغمة رغم الاختلاف ..مترابطة برباط الوطن .. حالمة لهذا الوطن .. أرادت و قررت و قادت .. شارع سابق لنخبته التقليدية المقرة و المستقرة فى روح الماضى و عقله .. تيار رئيسى مصرى قاطع فى قراره بأنه صاحب الحل و العقد و الإرادة .. مؤسسة عسكرية تتطهر بماء الوطن و تنحاز لإرادة عموم المصريين غير عابئة بمجمل نخبته الزائغة الباهته غير المعبرة إلا عن نفسها..مؤسسة عسكرية تفهم من السياسة الانحياز للإرادة الشعبية إن صدقت و تبدت و تفهم تأصيل و إنشاء تلك الحقائق السياسية و لاتفهم من السياسة (حتى حينها) ترتيب الاوراق و إخراج المشاهد السياسية و التمثيل النوعى المتوهم.. مؤسسة عسكرية كسرت حاجز زمنها فى لحظتها فانتمت لعقل و روح من استشرف المستقبل و جاء بأول بوادره. ميدان تحرير يناير شعب يريد و مؤسسة عسكرية تستشرف تلك الإرادة بلهفة و تقتفيها بصدق و تمتثل لها بإخلاص .. بالشعب الذى أراد و بالجيش الذى امتثل إدارة لتلك الإرادة فحماها و قام عليها ..تقدمت إرادة المستقبل من ميدان يناير و دعوة يناير. و تراجعت إرادة الماضى فى ميدان يناير فسياسيو الماضى و مثقفو الماضى و إداريو الماضى و إعلاميو الماضى نظامه و معارضته تاهوا فى مشهد الحقيقة و المستقبل (إلا من صدق نفسه بحقيقة مساهمته) و ضحلوا و سحقوا.

و لكن كانت هناك حقيقة أخرى فى ميدان يناير و هى أن أصحاب المستقبل شعبا و جيشا كانوا حديثى عهد بإرادة و حديثى عهد بإدارة. فلا عموم شعبنا تمرس على بلورة إرادتهم و إنفاذها و لا سبق أن فعلها واقعا إلا فى أيام يناير و لا جيشنا تمرس أو وجب له أن يقوم على إدارة شئون وطن. و من تلك الحقيقة نبت مشهد ميدان تحرير ٨ يوليو.

ميدان تحرير يوليو مشهد صخب .. نخبة ماضى فعلت ما لا تتقن غيره .. زاحمت بالمناكب على صدارة مشهد .. تدفع أصحاب مشهد يناير خارج الميدان بدعوى أن دورهم انتهى (كله بلسان الحال و ليس بلسان المقال) .. عموم المصريين .. من صنعوا مشهد يناير و اقاموا رأس جسر المستقبل فيه بوضوح قرارهم و إرادتهم .. تزاحم على وعيهم الغض نخبة الماضى (سياسية و إعلامية و إدارية) بالتدليس و إدعاء الحكمة و الوصاية .. ترويع فكرى باختلاق قضايا خلافية أسوأ ما فيها ليس أنها خلافية و لكن لأنهم ليس أهل إختلاف و لكنهم أهل خلاف .. مولوتوف سياسى لحرق وعى الناس و أعصابهم و تأجيج مشاعرهم و الانتهاء بهم إلى موقع المضطرب غير القادر على الفرز أو الاختيار أو القرار.

مؤسسة عسكرية تعود إلى أصل تكوينها.. و هو بيروقراطية الانضباط و جموده قبل إدارة الاحتياج و مرونته .. مؤسسة عسكرية تنطلق بصدق من صك شرعية إدارة شئون البلاد وفقا لاستفتاء مارس الماضى مع تجاهل حقيقة واحدة أن صك شرعية الإدارة يأتى معها رشد الإدارة شرطا و إلا سقطت شرعية الإدارة من تلقاء نفسها. و معيار الرشد فى الإدارة ماهو إلا قدر تحقيق ما صدق من إرادة الشعب .. كله أو معظمه. مشهد ميدان يوليو فيه تغافل و تعال عن تلك الحقيقة .. فيه نكوص الى الماضى .. فيه إختزال لعلاقة التوكيل بالإدارة الى لحظة إصداره و التعامى عن استحقاقات الوكالة. فيه ركون الى الاستشهاد بركام مشهد الماضى على أنه قاعدة بناء المستقبل .. فالاستعانة برموز الماضى قائمة بل و توليتها أمر المستقبل مستمرة كقاعدة. الحرص على اقتفاء إرادة تيار المصريين الرئيسى و تخبته المرنة صار طرحا إعلاميا يحتج به فى صيغة نتيجة الاستفتاء أكثر من الشعور بضرورة إقتفاؤه لضمان إخلاص المواقف. حديثو العهد بالادارة سقطوا أسرى أدوات الإدارة و غابت عنهم عهد الادارة الذى أتى بهم و أهدافه.. فإن سئلوا عن تقصير فى تحقيق ملمح عدل أحتجوا بالالتزام بالقانون .. و إن تململ الناس من حضور لين فى موقع الشدة أو الشدة فى موقع اللين كان الرد هو بيروقراطية الانضباط المؤسسى .. و إن غاب منطقهم فى تسيير أمر ما أشهر فى الأوجه سلاح شرعية الاستفتاء التى أتت بهم و كأنها أتت بهم للتسيد على إرادة الناس و ليس لخدمتها.. و إمعانا فى حسن النوايا كان مرد هذا كله هو حداثة العهد بالإدارة و هو مايعذر صاحبه إن أقر به و حاول جبر نقصه. و هذه المشكلة على عمقها هى الاقل خطورة فى مشهد تحرير يوليو.

المشكلة الأشد هى حداثة العهد بالإرادة و التى تودى بجموع المصريين تدريجيا إلى حال المشاهدة بعد المشاركة.. فهم و هم يتساقط عليهم المولوتوف السياسى من هذا السياسى المهرول أو ذاك أو من هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك يبدد وعيهم الغض و يسقطوا أسرى شلل الفرز و القرار. و قيل علما أن فقدان القدرة على الاختيار و القرار تورث الشك و التوتر و الوحشة و الحزن لدى الأفراد و الأخطر أنها تخلق القلق و العدوانية فى المجتمع و تقوض فرص السلام الاجتماعى. فالشاهد أن تيار المصريين الرئيسى حين يتعالى على دوره فى أن يجتمع و يرفع رايته و إرادته فى وجه من ينصب نفسه وصيا عليه دون وجه حق أو من يدير أمره على غير تفاصيل إرادته. أخطر ما فى مشهد يوليو ليس أن معظم قوى الماضى تفعل ما تتقنه فى اتساق مع نفسها بل أن أفضل و أوجب ما أتى به المصريين من قاعدة حياة لمستقبلهم و هى "الشعب يريد" و التى توجب تحديد جسد هذا الشعب الذى يريد "التيار الرئيسى للمصريين" و بلورة إرادتهم "مايتوافق عليه هذا التيار من أهداف رغم الإقرار باختلاف المنطلقات" يتركه عموم المصريين فى إنتظار مخلص لم يأت فى الماضى و لن يأتى فى المستقبل..

يا كل منا .. يا كل من حلم لمصر بمستقبلها و أتى ببوادره فى ميدان تحرير يناير .. أنت المخلص و أنت المستقبل .. أنت من يمنح الشرعية و يمنعها .. أنت من يمنح صك الإدارة و الوطنية ووكالة التمثيل لمن يمثلك .. تجمع ...التئم .. التحم .. فى ميدان تحرير لا ينقطع و لايتغير مع الزمن اسمه تيارك الرئيسى الذى يمثل اتفاقك على مستقبلك .. اترك الزاعقين و الصاخبين و الخائفين و المهرولين و الباحثين عن أدوار .. أوجد ميدان تحريرك الدائم فى تيارك الرئيسى الذى يقرر و يحاسب و يفرز على ضفتيه كل من لا يعبر عنك .. تنادى الى ميدان تحريرك الذى يضمك و كل من مثلك ..كل إنسان .. حر .. مصرى

تيارك الرئيسى هو ميدان تحريرك الذى بداخلك .. فيه إصرارك على عدلك و حريتك و كرامتك .. فيه إصرارك على أنك قد غير قاصر لتنتظر من يعبر عن إرادتك أو يمثلها رغما عنك أو يتحدث بصوتك بغير ما أمليته عليه .. فيه كل حكمة استشراف المستقبل و عقلية المستقبل التى تجعلك أكثر أهلية أن تقوم على أمر مستقبلك ممن يدعى حكمة الماضى و هى فى حقيقتها شيخوخة الماضى و قصوره و فساده ..

الصراع القادم ضد الفساد فى مصر و الذى يرجى فيه كل أمل لهذا الوطن هو بالإسراع بالرشد فى كيفية بلورة إرادة شعبية مصرية نابعة من تيار رئيسى مصرى يحكم مصر من مدخل الإرادة "الحكم إرادة" , و هذا الرشد هو الكفيل بترشيد الموكل اليهم إدارة أمور بلادنا و الذين يتوجب أن بفرزهم ذلك التيار الرئيسى فى القريب أو من غيرهم "الحكم إدارة".

الثورة فى خطر شديد حتى و إن حضر فى ميادين التحرير ملايين المصريين حاملين روح مصر الماضى و عقله .. موائمات الماضى من أجل الاستقرار .. غياب الخيال .. تصدر المشهد لنخب باهة مدعية و تراجع لأهل كفاءة ترفعا أو فقدانا لثقة فى نفس ..

و الثورة و مصر فى أمن شديد حتى و إن غاب كل المصريين عن ميادين التحرير طالما حضرت روح المستقبل و عقله .. الروح الوثابة نحو الحرية .. المتطلعة لتقدم أهل الكفاءة و تجنيب الباهت و المدعى حتى و إن كان صاخبا مزاحما .. المتذكرة فى كل وقت أن التحدى فى أن يعرف كل منا ماذا يريد و نعرف كمجتمع كيف نبلور إرادة مجتمعية متوافقة و كيف نتنادى فى جسد تيار رئيسى يحملنا على صفحته لنعلوا على اختلافاتنا و نصل الى مستقبلنا الذى نصنع اختياراته و لا تصنع لنا.

ببساطة الثورة فى خطر إذا حضر جسدها فى ميادين التحرير و لو كل يوم و غاب عقلها و الثورة و مصر على موعد مع أفضل مستقبل لنا إذا حضر عقلها حتى و إن غاب الجسد.

مصطفى حجازى

٦يوليو ٢٠١١

http://www.facebook.com/note.php?saved&&note_id=244800768865516&id=204392726239654

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق