الأحد، ٨ مايو ٢٠١١

هوامش على متن بوادر الفتنة

هي هوامش لأن المتن الآن صراخ وصراخ مضاد، هي هوامش لأن المتن الآن تلاوم وتلاوم مضاد، هي هوامش لأن المتن الآن فلول وأجندات وثورة المضادة هي هوامش لأنها كلمة أظنها حقا في وجه سلطان رأي عام نخبوي جائر.

· إن نظام مبارك كان نظام احتلال وطني أتقن استخدام كل أدوات نظم الاحتلال التي كان من أنجعها "فرق تسد" فلقد اعتمد نظام مبارك على اقتفاء أثر الطائفية أينما وجدت بغية تذويب الدولة كأرضية تعايش وتفتيتها إلى أجزاء مُوزعة على الطوائف والفئات المجتمعية المختلفة كل حزب بما لديهم فرحون. والطائفية هنا ليست دينية فقط بين المسلمين والأقباط أو بين المسلمين وبعضهم وبين الأقباط وبعضهم بل إنها بين فئات المجتمع كله، بين سكان الأحياء الراقية وسكان العشوائيات، بين سكان العاصمة وسكان المحافظات، بين سكان المدينة وسكان "الكومباوندات"، بين العمال وأصحاب الأعمال. غير أن أشد أنواع الطائفية وأخطرها على السلم الاجتماعي الطائفية الدينية لأن ما عداها تتعلق بالمصالح الاقتصادية بالأساس بينما الطائفية الدينية هي طائفية دوجمائية تتعلق بالحق والباطل، بالهدى والضلال، بالجنة والنار.

· إن نظرنا إلى الأحداث الطائفية – التي لم تصل إلى درجة الفتنة حتى الآن – بين المسلمين والأقباط نجد أنها ناتجة بالأساس عن احتقان بين الكنيسة الرسمية وبين مجموعة من أتباع التيار السلفي الوهابي بالأساس، ولفهم أبعاد سياق هذه الأحداث جميعها يجب وضع أيدينا على طبيعة الطرفين. فالكنيسة الرسمية تتشابه مع الوهابيين في الطبيعة المركزية الهيراركية، فالسلطان الروحي والإداري لبابا الكنيسة على الأقباط هو نفس السلطان الروحي والإداري للشيخ على مجموعة الأتباع وتلك الطبيعة كانت تُسهّل مهمة أجهزة النظام في استخدام الطرفين فكانت تفتعل مشكلة للأقباط وتُنكّل بهم ولا ترفع ذلك التنكيل إلا بتدخل شخصي من البابا مع رئيس الدولة وكان ذلك يستلزم أن يُقدّم البابا بعض التنازلات السياسية من تأييد للرئيس ولوريثه وكانت آخر تلك التنازلات هو موقف البابا من الثورة. على الجانب الآخر كان يتم التنكيل بأتباع التيار الوهابي أشد تنكيل – وأشهد على أنهم كانوا أكثر الناس تعرضا للتعذيب "والمرمطة" في أمن الدولة لأنهم "ليس لهم صاحب" فلا منظمات حقوقية ولا هيئات محلية أو دولية تسأل عنهم – فيضطرون مشايخهم وبالتالي أتباعهم إلى تقديم بعض التنازلات السياسية – كان آخرها في الثورة أيضا – في مقابل عدم رفع سقف التنكيل أكثر من ذلك أو السماح لبعضهم بالظهور على شاشات التليفزيون وللبعض الآخر بإلقاء الدروس في المساجد. ومع تكرار تلك المواقف يزداد الحنق في نفوس الأقباط لشعورهم بالاضطهاد ويزداد الحقد في قلوب المسلمين لشعورهم بتمييز الأقباط.

· على قدر المسؤولية تكون المساءلة وإن أقررنا باشتراك مجموعات من التيار الوهابي مع الكنيسة الرسمية في المشكلة فلابد هنا أن أقر وبوضوح أني أتوقع من قداسة البابا أكثر مما أتوقع من تلك المجموعات المخالفة للإجماع المجتمعي بل وحتى لغالب التيارات الدينية، وأزمة السيدة كاميليا شحاتة في رأيي مثال على ذلك. فالسيدة مسيحية وأنا مقتنع بأنها على مسيحيتها لم تتزحزح عنها لكن القضية بها بُعد حقوقي إنساني قد يتذرّع به المتطرفون والقضية فعلا تسلّمها القضاء وكما ورد في برنامج العاشرة مساء بالأمس أرسلت النيابة استدعاء للسيدة كاميليا على محل إقامتها فلم تجد فيه أحد فأرسلت النيابة الاستدعاء للكاتدرائية فأعلنت الكاتدرائية عدم علمها بمكانها ثم ظهرت بعد ذلك السيدة كاميليا على قناة الحياة المسيحية المتطرفة التي تعارضها الكنيسة أصلا وتلك علامة استفهام كبيرة حتى بين بعض أصدقائي الأقباط.

· الآفة الأكبر في بعض "عقلاء الطرفين" الذين يتصورون أن حل المشكلة في إفطار الوحدة الوطنية أو حضور القداس في الكاتدرائية وما إلى ذلك من الممارسات الصورية التي تُفسد من حيث أرادت الإصلاح. إن التفاعل بين المسلمين والأقباط يجب أن يبقى في المساحة المدنية، حيث الاختلاف مشروع والحوار مطلوب والتوافق منشود أما المساحة الدينية العقدية لكل من الطرفين فهي مساحة اختلاف لا توافق فيها فالمسلم كافر بالإنجيل الذي بين يدي الأقباط حاليا حتى وإن آمن بنبوة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، والمسيحي كافر بالقرآن حتى وإن أقر بقدر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الإصلاحي في تاريخ البشرية، فمن العقل والحكمة أن نتجنب تلك المساحات العقدية التي يكون الخلاف فيها خلافا بين حق وباطل وأن نتفاعل في المساحات المدنية على أرضية الوطن المشترك، وللأسف هذا ما لا ينتبه إليه بعض النخب وبعض النشطاء حسنوا النية مسيئوا التصرف، فالمسلم الذي يحضر القداس في الكنيسة حين يذهب لطمأنة "الأقلية القبطية" أن "الأغلبية المسلمة" تشفق عليهم وتمد لهم يدها بالخير فمن يفعل ذلك يُكرّسو لمفهوم أهل الذمة بالتكريس لوجود ما يُسمى بالأقلية والأغلبية على أساس ديني وهو أمر مدني بحت تحسمه صناديق الانتخاب لا شئ سواه.

الحل يا سادة أن تقوم دولة القانون على البشر جميعهم، وأن تشترك باقي أطياف المسلمين والأقباط بعيدا عن المجموعات المتعصبة في التيار الوهابي وبعيدا عن السلطة المركزية للكنيسة الرسمية في مشاريع ومبادرات في المساحة المدنية على أرضية الوطن

لا أحب – في المعتاد – أن أتحدث عن أحداث جارية أو أزمات حالية لكن طفح الكيل منّي فآثرت إلا أن أقول ما يرضي ربي ويريح ضكيري في هذا الأمر وحسبي أني لا أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله



باسم زكريا
باحث في مركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية
8/5/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق