تحذير: إن كنت من هواة الاستغراق في التفاصيل فأظن أن لديك أعمالا أخرى تقوم بها أهم من أن تكمل قراءة هذه الخاطرة
صباح اليوم وفي طريقي إلى عملي كنت أستمع إلى الصورة الغنائية الشهيرة "قسم وأرزاق"، والتي تمثل مع مثيلاتها من الصور الغنائية والأوبريتات الإذاعية ملمحا من ملامح فترة من الفترات التي ازدهرت فيها الهوية المصرية، تلك الفترة التي حتى وإن لم تمكنّني أعوام عمري الثلاثة والعشرون من بلوغها فإني أشعر بالحنين إليها وكأني أنتمي إليها فكريا. تحكي تلك الصورة باختصار مُخلّ عن "مرزوق العُتَقي" الرجل الفقير الذي يضطره حسد الأغنياء على سعادته رغم الفقر إلى السفر خارج البلاد للبحث عن الرزق ويسافر فعلا ويرزقه الله من حيث لا يحتسب. ما دفعني إلى كتابة تلك الخاطرة هو ذلك المشهد الإذاعي الذي في جزئه الأول تجتمع أسرة مرزوق المُكونة منه ومن "أم شوق" زوجته وأولاده السبعة تجتمع تلك الأسرة على الغناء والرقص فيما بدا أنه جزء من روتين يومهم قبل النوم وبعد الانتهاء من طعام العشاء. أما الجزء الثاني ففيه توقظ "أم شوق" "مرزوقا" مع صياح الديك ليصلي الفجر وتقول له "أبو شوق .. الفجر بيدّن ..قوم لاجل ما تلحق الصلاة في الجامع" فيجيبها بأن يتلو الشهادتين ثم يلقي عليها تحية الصباح "صباح الخير يا ام شوق". رغم أن بعض ضييقي الأفق يرون هذا تناقضا بين الرقص والغناء من ناحية وصلاة الفجر في الجامع من ناحية ولكني أراه أحد الملامح الفطرية للشخصية المصرية التي كانت تنظر للحياة بصورة كليّة تجعل المقاصد الحياتية نصب أعينها مهما اختلفت حالات التعبير عن تلك المقاصد وبدت متناقضة لمن لا يبصرون أبعد مما تراه أعينهم. وهذا هو ما غاب عن إخواننا السلفيين الجدد فهم لديهم معلومات كثيرة منبتة عن بعضها البعض كوّنوا منها نسقا معرفيا يشبه الفسيفاء المشوه الغير المتجانس وصار هذا هو مفهومهم عن الحياة ومصدر معياريتهم الذي يحكموا من خلاله على مدى صحة واستقامة البشر. لقد حوّلوا الدين إلى مجموعة من القوانين المادية الجامدة التي لا يصح أن تحكم "حياة" البشر وهذا مناف لطبيعة الدين أصلا كإطار أخلاقي عام يمكن أن تنضبط فيه جميع أنماط حياة البشر حتى وإن لم يؤمنوا به.
وأود أن أقول فقط للذين يخافون من المد السلفي أن ما يقدمه هؤلاء السلفيون الجدد لا يصح أن يكون منهج حياة وانكشاف هذا المنهج في النور الآن سيعجّل بكشف عواره وسيعجّل أيضا بأن تطرده فطرة المصريين البسطاء ولكن الخطر كل الخطر ألا يجد المصريون البديل.
باسم زكريا السمرجي
23-3-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق