الثلاثاء، ٢٢ مارس ٢٠١١

قراءة في نتائج الاستفتاء

إن القراءة العميقة لنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية – تلك القراءة التي تتجاوز نسبة الرافضين في مقابل الموافقين – تكشف لنا – إن وضعت في موضعها الصحيح من سياق الثورة العام – عن نمط معين للواقع المصري لابد أن ندركه جيدا ونعي أبعاده حتى نصحح خطواتنا فيما يأتي من وقت.

إن نتيجة الاستفتاء التي جاءت باكتساح من قالوا نعم – وهو ما لم أكن أتوقعه ولم أسعد به رغم أني قلت نعم– غير أن تلك النتيجة تكشف عن الوزن الحقيقي لشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وبرامج "التوك شو" ومدى قدرتها على توجيه الشارع، فغالب تلك الأدوات كانت توجّه الشارع في اتجاه رفض التعديلات الدستورية وهو ما لم يستجب له الشارع. لأن الفريد في ثورة 25 يناير أنها ثورة شعبية خالصة كانت الخطوة الأولى فيها للشارع ولم تكن لطليعة سياسية ما التحق بها الشارع، كما أن الأفكار الملهمة لهذه الثورة كانت الأفكار الإنسانية العامة (كرامة – حرية – عدالة اجتماعية) ولم تكن أفكار أيدولوجية بعينها، لذلك فإن الشرعية الثورية الحقيقية في الشارع لا في المنتديات الثقافية أو السياسية. الشرعية الحقيقية بيد الشعب لا بيد نخبة سياسية أو جماعة أيدولوجية ما.

إن من يدّعون أن العامل الرئيسي لقبول الناس التعديلات الدستورية هو استخدام الدين في الدعاية من الإخوان والسلفيين هم يغالطون أنفسهم بغية الهروب من المسؤولية، فالذين قبلوا التعديلات الدستورية – كما أراهم – كانوا على ثلاثة أقسام، قسم من المقتنعين بأن ذلك هو الخيار السياسي الصحيح للبلاد في هذه الفترة، وقسم آخر تم التدليس عليه حين قال له البعض أن "لا" تعني إلغاء المادة الثانية من الدستور وفي هذا الشأن لم يتلق هؤلاء المُدَلـَّس عليهم رسالة مغايرة في الشارع من فريق لا، وقسم آخر وهو ذلك القسم الذي كان قبوله للتعديلات قبولا طائفيا صرفا ويقابله الذين رفضوا التعديلات الدستورية رفضا طائفيا صرفا أيضا. وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أنه إن صح خطاب النخب الرافضة للتعديلات كانوا سيكسبون قسما كبيرا من الذين تم تضليلهم ولم يجدوا ما ينفي عنهم هذا الضلال وسيبقى الطائفيون في الجانبين يلغي بعضهم بعضا.

إن تفرّد ثورة 25 يناير كما أسلفنا أنها ثورة شعبية خالصة، فلا مرشد فكري لها ولا قائد حركي، هي ثورة كانت الخطوة الأولى فيها للشارع، للعقلية الجمعية للشعب المصري لا لطليعة ثورية ما أو لفكرة أيدولوجية محددة – ومن كان يظن أن الطليعة الثورية هم نشطاء التويتر والفايس بووك فليراجع نتائج الاستفتاء – ولما كانت الخطوة الأولى للشارع كان بديهيا أن تكون الشرعية بيده يمنحها أو يمنعها فلا قائد ولا طليعة ثورية تملك الشرعية بل إن مصدر الشرعية هو الشارع وهو من يعطي الشرعية لمن طلبها منه وخاطب عقليته الجمعية ولكي تطلب الشرعية من الشارع لابد أن تتكلم لغته وتعرف أين يتجه وأن تكون موجودة في قلب خطوته ترشيدا وليس إرشادا. وتلك الحقيقة التي أظنها غائبة عن وعي معظم "النخبة" التي انتخبت نفسها على أساس الأعلى صوتا أو الأكثر عددا أو الأكثر تواجدا على شاشات التليفزيون، انتخبوا أنفسهم على هذا الأساس وتحصّلوا على شرعية مزيفة مصدرها نظام مبارك. فأي تحرك في اتجاه مضاد لمبارك كانوا يظنون أنه تحرك شرعي يضيف إلى رصيدهم، وتلك هي الخدمة التي كان يؤديها نظام مبارك لهؤلاء النخب فهم لم يكونوا يحتاجون لكثير تفكير أو وعي لكي يدركوا أن الحق في "مكان ما" في "اتجاه ما" مضاد لاتجاه نظام مبارك. أما وقد سقط نظام مبارك فقد انكشف الغطاء عن تلك "النخبة" حيث صار لزاما عليها أن تبذل مجهودا أكبر في التفكير والتحليل الذي لا ينتهي على شاشة التليفزيون أو على صفحات الجرائد أو في المدونات بل التحليل الذي يفضي إلى تحرّك على الأرض في "الاتجاه الصحيح" نحو "المكان الصحيح" وليس "اتجاه ما" نحو "مكان ما".

إن سلّمنا بما تقدّم كمنطلق حركي، سيكون لزاما علينا أن نفكر في أساليب ووسائل جديدة لإدارة المراحل القادمة من الثورة المصرية لأن العقل الجمعي المصري – حتى وإن كان قادرا بعبقريته على الفرز العبقري – فهو يحتاج – شأنه شأن أي عقل جمعي – لإدارة وترشيد وأشدد على أنه يحتاج إلى إدارة ترشيد وليس سلطة وإرشاد. ومن أراهم أهل لتلك الإدارة هم ما أسميهم "النخبة المجتمعية" وهي تلك النخبة التي يقدّمها المجتمع وينتخبها انتخابا ذاتيا وتنطلق تلك النخبة في تحركاتها من منطلق مجتمعي بالأساس، يتجلى ذلك المنطلق في التحركات السياسة أو في غيرها. وليست النخبة المجتمعية بديلا عن النخبة السياسية بل هي مؤسِسَة لها تتوافق على الغايات وتقدمها للنخب السياسية حتى تصيغ لها الوسائل والأدوات المحققة لتلك الغايات والراعية لها. ولا أقول بأنه يجب علينا إقصاء كل النخبة السياسية وانتخاب نخبة جديدة إنما لابد من ضبط الإطار الفكري والحركي والتوافق عليه ومن ثم من أراد أن ينتظم في هذا الإطار قديما كان أم جديدا فهو في قلب النخبة ومن لم يرد فسيظل معزولا عن المجتمع ككل يقضي وقته "جنرال قهاوي" يتغنى بأمجاده ويندب حظه مع رفاقه على "قهوة المعاشات – تويتر سابقا".

ينقلنا مفهوم النخبة المجتمعية إلى أولويات العمل فيما يأتي من وقت، وما يلفت نظري الآن هو السعي الحثيث لكثير من الناس "الآن" في تأسيس الأحزاب السياسية أو اختيار مرشحي الرئاسة. وعلى أهمية تلك الأدوات "الأحزاب و مرشحي الرئاسة" فلا أرى أن وقتها هو الآن حيث أنها كلها أدوات لابد أن تُوصِّل إلى غايات، ونحن الآن في وقت يحتّم علينا البدء بخلق التوافق المجتمعي على الغايات حتى يكون تحاورنا واختلافنا حول الوسائل تحاورا واختلافا صحيا وفعالا. هذا بالإضافة إلى أن الصورة الذهنية للأحزاب عند رجل الشارع المصري هي صورة سلبية، فهو يعرف أن كل الأحزاب كانت منخرطة بشكل أو بآخر في لعبة الإفساد السياسي التي كان يديرها الحزب الوطني فارتبطت عنده كلمة "أحزاب" بالمنتفعين أو الفاسدين أو الساعين إلى السلطة بهدف السلطة وليس بهدف الخدمة. إن الأجدى مطلقا الآن هو أن تقوم تلك النخبة المجتمعية سالفة الذكر بتأسيس جماعة ضغط مصرية بطول البلاد وعرضها أو بعبارة أخرى "التيار الرئيسي المصري" ويتأسس ذلك عن طريق إدارة حوار يقود إلى التوافق حول الغايات المجتمعية المصرية التي يتأسس عليها فيما بعد البناء السياسي المتعدد، وحتى لا يكون الكلام كلاما مجرّدا – يسبح في فضاء الفلسفة – بدون تجليات على الأرض أقول أنه يجب على النخبة المجتمعية أن تنزل إلى الشارع وتدير حلقات الحوار في الشارع ومع الشارع كخطوة أولى يسير معها بالتوازي الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة عن طريق البحث عن من يُتوسّم فيهم الأهلية لتمثيل ذلك "التيار الرئيسي المصري" في جميع الدوائر الانتخابية والدفع بهم للترشح في الانتخابات كمرشحين مستقلين ثم دعمهم حتى يكون مجلس الشعب القادم مؤسسة تعبّر عن المجتمع المصري حقيقة، ثم تبدأ بعد ذلك الخطوة الثانية وهي الحوار المؤسسي حول الدستور الجديد. الذي سيكون الانتهاء منه بمثابة إعلان انتهاء الثورة والبدء في مرحلة البناء.




باسم زكريا السمرجي
22-3-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق