****************************************************************************************************************************************
لا يمكن – إن أردنا فهم ما حدث – أن نتوقف عنده دون ربطه بسياقه المجتمعي، فما حدث له دوافع وآثار مباشرة وغير مباشرة على المدى القريب والبعيد.
إن نظرنا إلى المدى القريب أو السبب المباشر لما حدث فسنجد الآتي :
- أن الأمر ليس حادثا ولا فتنة ولا أزمة، الأمر جريمة يتحمّل الجزء الأكبر منها الجيش، فالقاعدة البديهية تقول أن المحاسبة تكون على قدر المسؤولية والمسؤولية على قدر القدرة، وبم أن الجيش هو الطرف الأقدر فإذن هو الطرف الذي يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن الجريمة، وبالنظر للطبيعة الهيكلية للجيش وأسلوب اتخاذ القرار في إطاره فلا يُتصور أن يأخذ مجند قرار دهس المدنيين بمدرعته (حتى لو بدؤوه بالهجوم) أو رميهم بالرصاص الحي دون الرجوع لرؤسائه الكبار، فلابد أن يُحاسب الجميع.
- أن من أخطر ما يُمكن فعله أن يُصور الحادث على أنه حادث طائفي – حتى وإن كان له دوافع طائفية – ففي ذلك تكرّيس للطائفية وإغراق للمجتمع فيها. فالذي دهس المتظاهرين "المصريين" لم يكن جيشا إسلاميا، بل جيشا مصريا "وطنيا". والذين استُشهدوا هم شهداء مصريون لا يهمني أن أعرف تصنيفا لهم غير ذلك.
أما إن نظرنا إلى المدى البعيد وحاولنا ربط الحادث بالسياق فربما ينكشف لنا الآتي:
- دور الإعلام الرسمي بات واضحا جليا في دفع عجلة الثورة المضادة، فالتغطية لا يُمكن أن تتصف إلا بالمشينة، فأن يكون العنوان الأساسي هو أن المتظاهرين "الأقباط" قتلوا جنودا من الجيش المصري، وأن يُذاع تسجيلا لمجند يسب المسيحيين، وأن يناشد المذيعون الشعب المصري أن يحمي الجيش، لا يُمكن أن تكون مصادفة أو "انفعال مذيعين" بل هو أمر مُدبّر بليل. وأظن أن الضالعون في التدبير أطراف متعددة إما بالتخطيط والتدبير المباشر أو بالحمق والجهل.
- ونحن مقبلون على انتخابات لا يعلم إلا الله ما ستخلّفه من انقسامات، أخشى أن ينزل حلبة الصراع السياسي فصيل "مسيحي" يطالب بتمثيل سياسي مسيحي أو ما شابه، فالتمثيل السياسي على أساس طائفي هو أول خطوة على منحدر سحيق يودي بمشروع الوطن المصري – ولا أقول الدولة المصرية – إلى الهاوية، فلقد علمت أن القنوات الفضائية المسيحية كانت تدعو لمظاهرات حاشدة يوم الأحد (اليوم الذي وقعت فيه الجريمة) وإن كان هذا صحيحا فهذا خطير خطير خطييييييييير، مسيحيا كان أم إسلاميا. الحشد الطائفي خطييييييير. الحقوق المهدورة هي حقوق مصرية، حقوق مصريين، يدافع عنها المصريون جميعهم في إطار الوطن. الطائفية بئر مظلم لا يجب أن نسقط فيه وإلا فقد حكمنا على أنفسنا بعدم رؤية النور مرة أخرى.
والعمل:
- أولا: لابد من محاسبة المتورّطين المباشرين في الجريمة من أفراد الجيش محاسبة يعرف الناس نتائجها.
- ثانيا: لابد أن يتوقّف المسلمون عن تقديم الاعتذارات أو محاولة التضامن مع "الإخوة المسيحيين" شركاء الوطن فالمسلمون والمسيحيون ليسوا شركاء يُمكن في يوم من الأيام أن ينفصل كل منهم بنصيبه، بل إن الدم واحد والروح واحدة والوطن واحد.
- ثالثا: لابد للقانون أن يُطبّق، لابد للعدل أن تُرسى دعائمه، لابد للمخطئ أن يُحاسب، لابد لمن خالف القانون أن يُعاقب.
- رابعا: لابد لأصوات العقل المسيحي أن تتصدّى لمحاولات بعض القيادات المسيحية التلاعب بمشاعر الشباب المسيحي المتحمّس والغيور على دينه بغية تمرير بعض المشاريع السياسية، فأنا أكرر أن إدارة السياسة على أساس طائفي أخطر ما يُمكن أن نفعله بأنفسنا مسلمين ومسيحيين.
- خامسا: لعلماء المسلمين اجتهادات قيّمة في مسألة التعامل مع المسيحيين في مصر، لابد من إعادة تصدير تلك الاجتهادات وتناولها بالبحث والدراسة والنشر على أوسع نطاق.
- سادسا: الإعلام الإعلام ... الإعلام الإعلام .. الإعلام الإعلام. لابد من تطهير الإعلام، ولا يجوز أن يُكتفي بشبكة الإنترنت مساحة للتعبير، فمن حديثي العشوائي مع الناس في الشارع (ومنهم من شارك في الثورة) فوجئت أن الناس ينصتون إلى أحاديث التليفزيون الرسمي وأحاديث بعض الإعلاميين على بعض القنوات الفضائية عن أن الثورة كانت مؤامرة أمريكية صهيونية ماسونية. فلابد من تطهير الإعلام الرسمي، ولابد لأحد الفاعلين القادرين أن يجعل من مبادرة تطهير الإعلام شغلا شاغلا له، وأرى أننا إن استطعنا حشد الغاضبين من أداء التليفزيون من داخله ستكون بداية جيدة جدا لطريق التطهير ذلك.
باسم زكريا
11-10-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق