اليوم أتمّ عامي الثالث والعشرين على هذه الأرض. اعتدت أن يمر هذا مثل هذا اليوم من كل عام مثل باقي أيام العام، دون صخب أو ضجيج. فالحمد لله لقد نشأت في أسرة بعيدة عن ثقافة "حفلات" أعياد الميلاد ولا تقام عندنا تلك "الحفلات" إلا لمن هم دون الثامنة أو العاشرة وهي حين تقام لا تقام بانتظام أيضا فلا أذكر أنني احتفلت بعيد ميلاد سوى مرتين تقريبا أو ثلاث مرات. وبعد أن يتخطى المرء مرحلة الطفولة يصبح يوم عيد الميلاد يوما خفيض الصوت لا يميّزه إلا "كل سنة وانت طيب" الصادقة التي يتبادلها أفراد أسرتي الرائعين.
وعيد الميلاد في جوهره – الذي سأتحدث عنه بعد قليل – مناسبة طيبة، أمّا تحويلها لمناسبة اجتماعية "مَظـَاهـِـرية" يضيفها إلى أخواتها من المناسبات الاجتماعية التي يندثر معناها الحقيقي "الجوّاني" تحت غبار المظاهر المادية "البرّانية" حتى تصير عبئا على الناس، فتفرّق بدلا من أن تجمّع، وتبغّض بدلا من أن تحبّب. كنت أرى أيضا في احتفالات أعياد الميلاد تكريس للنرجسية فلم أكن أرى أي مبرر لتهنئة المرء على ما لم يتدخل فيه (أي وجوده) وكنت أرى أنه من الأفضل لي أن أتلقى التهاني على ما أنجزته يداي من نجاحات مادية ملموسة.
أما الآن وقد أدركت تلك المساحة – المُتجاهلة – التي تفصل بين الإنسان وبين إنجازاته المادية، تلك المساحة التي تؤكد تجاوز الجوهر الإنساني لعالم المادة. ذلك الجوهر الإنساني الذي يتجاهله الكثيرون حين يصرّون على الهروب منه ويلجؤون إلى الالتصاق بإنجازاتهم وأعمالهم المادية حتى يتم استيعاب جوهرهم الإنساني تماما في تلك الإنجازات التي مهما بلغ اتساعها يستحيل عليها استيعاب ذلك الجوهر الإنساني فتقيّده وتمنعه من التحقق الكامل. أما وقد أدركت ذلك المعنى فسوف أحتفل اليوم بعيد ميلادي على طريقتي وأعيد النظر في مدي تحققي الإنساني وأقول لنفسي "كل سنة وانا طيب"
باسم زكريا السمرجي
14/12/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق