السبت، ٦ أغسطس ٢٠١١

مصر بين الإصلاح و الاصطلاح...بقلم د. المصطفى حجازي



السجن تأديب و تهذيب و إصطلاح

...


صخب و حشد .. حناجر تعلو بالصراخ .. احتقان و استقطاب .. ترصد بالأخر و بحث عن الضد..بل و خلق للأخر و الضد إن لم يكن حقا كذلك .. ألسنة مرسلة .. عواطف مشتعلة .. و عقول متوارية .. غائبة أو مغيبة.. أو بالأحرى مسجونة

هذا هو ملمح الركن الأكثر ظهورا فى المجتمع المصرى الآن ..

اقتحام لقدسية المشهد المصرى الوطنى الإنسانى و الملتحم فى ثورة ٢٥ يناير.. اقتحام له بالمصالح السياسية الضيقة .. وبالأحلام المؤجلة للمشاركة فى الحكم مع يقين بمحدودية الكفاءة .. و بإرث نفسى حقيقى من المعاناة و الألم لمجموعات من أبناء المجتمع .. يريد كل من هؤلاء أن يدفع عموم المصريين - صانعو مشهد الثورة و من نزعوا المستبد - ثمن مصالح هذا و أحلام ذاك و معاناة الثالث .. أن يدفعوها قبولا باستبداد جديد .. و إن لم يكن استبداد

حاكم قاهر فهو استبداد .. رعونة .. أو جموح الطموح .. أو حماقة فى الوعى السياسى أو الإنسانى.

كل جلادى المشهد من أصحاب الحناجر و صانعى الاحتقان و الاستقطاب و المترصدين بالأخر أى أخر هم أيضا ضحايا بلاشك.

هم ضحايا أربعين سنة من تململ الهوية و ستون سنة من الأسر فى المصطلح و قرابة خمسمائة سنة أو أكثر من غياب مجتمعاتهم عن المشاركة الحقيقية فى الأنتاج الفكرى الإنسانى.

أربعون سنة أو أكثر .. تسحق هويتهم المصرية المنشئة لمجتعمهم و الضامنة لدولتهم بل و إنسانيتهم قبل كل شئ ..و يراد لهم أن يكونوا شراذم فى مجتمعات بديلة مفتتة ليس لها حظ من المصرية، إلا الوجود فى الحيز الجغرافى المصرى أما من حيث الهوية فحبذا لو كان هذا مجتمع "مسلم" و هذا "مسيحى" و هذا "حضرى" و هذا "قبلى" و منها يصنع "الضد

و أولى خطوات صناعة الضد هى التصنيف و أنجح وسائل التصنيف هى صناعة الاصطلاح ثم الشعار و التنادى ثم التنابذ به و تقديمه و تغييب المفهوم. أول قاعدة لسور الفرقة بين الشركاء هو المصطلح أو المبنى دون المفهوم أو المعنى والذى يتم التصنيف على خلفيته, و يحال التصنيف تمييزا و ينبنى سور العنصرية. و يبدأ التنادى فهذا "إسلامي و هذا "ليبرالى" و هذا "علمانى" و هذا "حداثى" و هذا "سلفى" و يكون التكريس هنا هو لمعنى "الضد

من ضد من؟ واقعيا الكل ضد الكل بل و ضد نفسه دون أن يشعر. فمن تحدث عن شخص كونه أسلامى من موقعة كليبرالى على أنه ضده فقد نزع عن ليبراليته ضمير الدين و الذى هو جوهر الانسانية فى كل حرية. و من تحدث عن حداثى أو ليبرالى من موقعه كسلفى أنه "الضد" فقد نزع عن نفسه واجب اقتفاء الحكمة و التى هى ضالة المؤمن بجمود أسره فى مصطلح الحداثة و يتجاوز قاعدته الفقهية الملزمة بأنه "لا مشاحة فى الاصطلاح". و هكذا الأسر فى المصطلح يبدأ بحجب المعنى و المفهوم و ينتهى بالإعراض عن الحكمة و التى قال فيها ربنا تعالى "و من يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا

يبدأ الأسر فى المصطلح بتغليب المبنى على المعنى فكرا .. و ينتهى بالتغنى بالمبنى شعارا و ينتهى أن الكل فى معرض رغبة الترقى أو التزكية أو الأصلاح للنفس أو المجتمع قد سجن نفسه فى الاصطلاح فصار الزام النفس بما من شأنه التأديب و التهذيب و التزكية و الاصلاح عقلا إلى استدعاء للتنميط و التغييب و السجن فى الاصطلاح.

أى يترك المعنى إلى المبنى و يترك المبنى الى المغنى و يكون الانحدار من مجتمع من البشر يعقل و يفكر الى مجتمع من الببغاوات يسمع و يردد فالباحث عن المعنى و المفهوم يفكر بعقله.. و المستغرق فى المصطلح و المبنى يفكر بعاطفته .. و المسجون فى الشعار و المغنى يفكر بأذنيه

و كأن أحمد شوقى فى رائعته مصرع كليوباترا يصف مشهدا نعيشه و آن لنا أن ننهيه حين يقول واصفا الحشود المستقبله للبطالمة الوافدين على لسان ملوك البطالمة


إسمع الشعب )ديون) كيف يوحون إليه

ملأ الجو هتافا بحياة قاتليه

أثر البهتان فيه و إنطلى الزور عليه

ياله من ببغاء عقله فى أذنيه!!


مانقوله لكل فئة أو حشد أو جماعة أرادت لنفسها مكانا فى مصر القادمة .. هو أن الشعب المصرى صاحب مشهد ٢٥ يناير باختلافه و تنوعه هو وحده صاحب المشهد. كل فئة أو حشد أو جماعة أرادت لنفسها نمطا تحيا به فهذا حقها و تلك حريتها و ذاك شأنها..

و لكن من أراد أن يحيا ويحيى مجتمعا مصريا صحيحا و دولة مصرية راعية و قادرة فعليك أن تعى أنك جزء من كل و لم تكن أبدا كل المشهد فى يوم ما و لن تكون. .. ووجودك فى المشهد المصرى مشروطا بدرجة رغبتك و جديتك فى أن تثرى المشهد باختلافك عن غيرك و إقرارك بهذا الاختلاف ضرورة حياة و حقيقة حياة. و خروجك من المشهد سيكون مقرونا بكفرك بفكرة الشراكة فى المجتمع و طموحك غير المشروع فى التغول على المشهد بنمطك أو بمحاولة الاستبداد به بأى طريقة كانت.

الشعب المصرى صاحب مشهد ٢٥ يناير باختلافه و تنوعه هو وحده صاحب المشهد .. سيتعاطف مع الطموح المؤهل و مع صاحب المعاناة و النضال المخلص (حتى و إن غابت عنه الفطنة) ..و لكن لن يقبل بالطامح غير المؤهل أو صاحب تاريخ المعاناة على خلفية المن بالنضال و لن يقبل فى كل حال من أى أحد أى استبدادا أى كانت مسوغاته أو ادعاءات حضوره .

ياكل طامح أو صاحب حلم سياسى من أى المشارب أتيت و فى أى المصطلحات أسرت نفسك اعلم يقينا أن الشعب المصرى صاحب مشهد ٢٥ يناير الذى صنف فيه المصرى "إنسانا" حرا" قبل و بعد كل شئ ..هو السيد و هو صاحب الحل و العقد و الأمر و النهى هو بكل ألوان اختلافاته و حق لكل أبنائة بكل اختلافاتهم طالما اتفقوا فى إنسانيتهم و حريتهم ومصريتهم و لا يوجد شعب آخر و لن يوجد شعب آخر

و لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها و لكن أحلام الرجال تضيق


فكروا تصحوا..

مصطفي حجازى

يوليو 2011

http://www.facebook.com/Dr.Higazy


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق