السبت، ٢٥ يونيو ٢٠١١

ثورة الشعراء

عناوين فرعية:

الشعراء يصنعون الحياة، والعلماء قليل منهم يصفها وكثير منهم يفسدها

كل سعي ينتهي لا يُعوّل عليه

كل تضحية تنتظر مقابل ليست تضحية ولا يعول عليها

الثورة بلا حب لا يعول عليها

الثورة بلا دين لا يعول عليها

كل ثورة تبدأ ليست ثورة ولا يعول عليها

كل ثورة تنتهي ليست ثورة ولا يعول عليها

كل ثورة تظن أن مهمتها تغيير نظام الحكم ليست ثورة ولا يعول عليها

كل ثورة تظن أن مهمتها مطاردة السلطة ليست ثورة بل طيش ولا يعول عليها

كل إنسان يغيب عنه أنه في الأصل شاعر – حتى وإن لم يستطع كتابة الشعر – ليس إنسانا ولا يعول عليه

الجماهيرية لا يعول عليها

تعريفات:

الثورة: منذ وجد الإنسان نفسه روحا مرغمة أن تستجيب لحدود جسد من طين، ثار وأبى أن يتحول وجوده المؤقت في الدنيا إلى "عيش" بل سعى إلى أن يبحث عن "الحياة".

إن البحث في تاريخ الثورات يرشدك إلى أن معظمها كان بهدف تحسين العيش بينما الثورة المصرية كانت بحثا عن الحياة ويكفي أن أذكر رد أحد البسطاء الذين كانوا يبيتون في الميدان علينا حين سألناه عن سبب وجوده في الميدان قال: "أنا راجل أرزقي وباشتغل باليومية وكده كده مش لاقي آكل ومش هاسيب لولادي حاجة أنا عندي استعداد أموت هنا علشان ولادي يعيشوا بحرية وكرامة" ولم يذكر أنه يريد لأولاده صورة معيشة خيرا من التي عاشها هو، بل كان كلامه عن الإنسان كما خلقه الله وكما أراده، هذا الرجل والملايين مثله هم من جعلوا من ميدان التحرير أكبر وأطهر حضرة ذكر في التاريخ

الشعراء: ليسوا بالضرورة من يحترفون نظم الكلام، بل هم الثوار الأزليون الذين تحلق أرواحهم في أجسادهم وتدفعها لأعلى فتخفّ أوزانهم وتلامس أقدامهم الأرض هونا فلا يتعدى وقعها على الأرض "أثر الفراشة الذي لايُرى ولا يزول". الشعراء هم شهداء محتملون، هم غرباء الدنيا، متكبرون حتى على أنفسهم، ساخرون حتى من أنفسهم، ساخطون حتى على أنفسهم، رافضون حتى لأنفسهم، هم الذين لديهم القدرة على الاندهاش، هم الذين لم تغطي معلوماتهم فطرتهم أو الذين طوّروا معلوماتهم إلى معرفة فحكمة.

العلماء: هم الذين خبت جذوة الثورة بداخلهم، هم الذين أجهدت أجسادُهم أرواحَهم فقنعت بأسر الأجساد ويئست من التحليق. ثقلت أوزانهم، يحدثون جلبة أينما يمشون، تترك أقدامهم آثارا غائرة في الأرض لكن لا تلبث أن تطمسها الريح.

الإنسان: أصله شاعر ولكنه أحيانا يختار أن يرتدي لباس العلماء بعض الوقت

الشهداء: هم الذين توهّجوا، هم الذين أتمت الثورة اشتعالها بداخلهم حتى سلّمت أجسادهم فانفلتت أرواحهم منها، إنهم يحلّقون تحليقا محضا. هم الذين فارقوا غربتهم إلى ما يألفون وعادوا إلى حيث ينتمون، إلى السماء. هم الذين أنجز الله لهم سعيهم فأراهم اليقين وأرشدهم إلى "الحياة"


حقيقة الثورة:

الأرقام (وليس هذا النص سياقها ولكن البعض لا يعلم سواها) تقول أن حوالي 20 مليونا من المصريين خرجوا إلى الشوارع في الثورة المصرية ولا أرى أن مبارك – الطاغية الذي يُخجل الطواغيت انتسابه إليهم – يستحق أن يخرج 20 مليونا منا ليطالبوا بتنحّيه إن من يظن ذلك لا يُعلى من قدر مبارك فقط وإنما يوجه إهانة مباشرة للشعب المصري فلو كان ما أخرج المصريين غضب وثأر شخصي لغرّهم عددهم وتحولوا من الثورة إلى السعار الذي كان من الممكن أن يدفعهم للتخريب ولكن السلمية المفرطة مع هذا العدد المدهش يدحض هذا الزعم. إذن ماذا أخرج المصريين؟ بالعودة إلى التعريفات آنفة الذكر، نجد أن المصريين خرجوا في تلك الثورة يبحثون عن الله فوجدوا أنفسهم، وكان في ذلك الوجدان الكفاية فلم يكن هناك داع بعد ذلك لأن يعتدي فقير على غني، أو أن يتحرّش شاب بفتاة، أو أن يسأل أحدنا الآخر عن اسمه بالكامل يبحث في اسمه أو أسماء آبائه عن ما يثبت دينه. فكلنا كنا تائهون وكلنا عرفنا أنفسنا ومن عرف نفسه فقد عرف الله وليس بعد معرفة الله شيء.



"الحذاء":

يقول البعض أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان أول استفتاء يعبر فيه المصريون عن رأيهم الحقيقي، وهم في ذلك مخطئون فأول استفتاء عبر فيه المصريون عن أنفسهم تعبيرا حقيقيا كان في ما أسميه "استفتاء الحذاء" ليل العاشر من فبراير ردا على خطاب المخلوع الذي اشتهر باسم خطاب التفويض حيث أعلن فيه تفويض عمر سليمان، وقتها رد المصريون ردا جماعيا عبقريا بأن رفع كل منهم حذاءه. تلك اللحظة هي ذروة التوهج الثوري، هي اللحظة التي أيقن فيها المصريون جميعا أنهم هم الذين يصنعون القرار، هي اللحظة التي تبادل فيها الشعب والسلطة الأدوار، هي تلك اللحظة التي وجد "الشعب" فيها نفسه وعرف قدره فاقتحم المجهول موقنا، والمعتادون على التأمل يستطيعون بسهولة أن يدركوا قدر اليقين في وجوه الناس في الميدان يوم الجمعة الحادي عشر من فبراير.

ثم انفضّ المولد وانقضت حلقة الذكر. الشعراء صهرتهم الدهشة فصقلت معادنهم، والعلماء .. لا يندهشون فهم يعلمون (أو يظنون أنهم يعملون). يتحدثون الآن عن الدستور والانتخابات والوثائق فوق الدستورية وشكل الدولة ومرجعية الدولة وكيف أن الدستور هو الأساس الذي لابد أن تُبنى عليه الدولة، ومن ثم لابد من ضمانات كافية حتى......، و......، و...... إلى آخر هذا الهراء هم نسوا أن المصريين حين خرجوا للشارع خرجوا يبحثون عن الوطن لا عن الدولة، فالدولة ليست هي الوطن، والذين يحاولون اختزال الوطن في الدولة كالذين يحاولون أن يعبؤوا البحر في إناء ثم ينظرون للإناء ويقولون هذا هو البحر، يا سادة ردوا آنيتكم فنحن لم تخرجنا إلى الشوارع مفاضلة بين إناء وآخر، لم يخرجنا إلى الشارع طموح إلى أي من أشكال الدولة التي تقترحونها وإنما خرجنا نغتسل في البحر، خرجنا من أجل الوطن، وإن كان ولابد من الدولة فهي دولة مصرية بمرجعية شعبية، يختارها المصريون ويشاركون في صناعتها وإرساء قواعدها. فالدولة التي نريد ليست "غسالة فول أوتوماتيك" لا يلزمها إلا الكتالوج/الدستور حتى تبدأ في القيام عملها، الدولة منتج إنساني يفرض شكله الطرف الأقوى في المعادلة السياسية، وها قد اختلت موازين القوى وصرنا نحن الشعب الأقوى فالآن والأن فقط حق لنا أن نفرض دولتنا دولة مصرية جديدة تضيف إلى العالم كما قمنا بثورة مصرية جديدة أضافت إلى العالم. دولتنا لن تكون دولة تنتصف للفقراء ولا تنحاز للأغنياء، لن تكون دولة أقليات ولا أغلبيات، لن تكون دولة ذكورية ولا نسوية .. ستكون دولة الإنسان الحر المصري الذي قد يتصادف أن يكون غنيا أو فقيرا، مسلما أو قبطيا، رجلا أو امرأة، شابا أو شيخا فنحن لسنا في معركة ولا نتعارك على أنصبة، نحن لا ننتمي لدولة، إنما ننتمى لوطن.


الوفاء للشهداء:

طهروا الشهداء من رثائكم وغثائكم ، هل تظنون أنهم سعوا للشهادة لنتذكرهم؟ لو أرادوا أن نتذكرهم لما سعوا للشهادة، بل لبقوا ليحكوا عن أمجادهم وعن أدوارهم، ليتصدروا الشاشات وليسطروا المعلقات. لقد سبقونا إلى الحياة، يدلّونا عليها لكي نتبعهم لا لكي نبقي آثارهم في عالم الأموات الذي نحياه (أو الذي نعيشه)، لقد توهّجوا ليعلمونا أن التوهّج حقيقة وأن السلامة زيف. عجلوا بمحاكمة القتلة، لكن لا تقولوا أنكم تفعلون ذلك وفاء للشهداء بل قولوا أنكم تفعلون ذلك للتأكيد على قيمة العدل التي لا تستقيم الدنيا بدونها والدنيا لا شأن للشهداء بها، فطهروا الشهداء من رثائكم وغثائكم. اعتصموا لاستكمال المسار ولكن لا تقولوا أنكم تفعلون وفاء للشهداء بل قولوا أنكم تفعلون ذلك لتحقيق آمالكم النبيلة وآمالكم النبيلة لا دخل للشهداء بها، فطهروا الشهداء من رثائكم وغثائكم. ضعوا صورهم في الشوارع والجرائد والأغاني ولكن لا تقولوا أنكم تفعلون ذلك وفاء للشهداء بل قولوا أنكم تريدون أن تفخروا أن في أهلكم شهيد أو تريدون أن تحققوا سبقا صحفيا أو مجدا إعلاميا أو.... أو.... فهذه الصور ليست صورهم بل هي أقنعة كانوا يعيشون بها بيننا، هم الآن بلا أقنعة، فطهرو الشهداء من رثائكم وغثائكم.

توهّجوا مثلما توهّجوا، احترقوا مثلما احترقوا، اعشقوا مثلما عشقوا، ثوروا مثلما ثاروا، فتشوا عن الحياة علّكم تجدونها مثلما فعلوا، وحين تفعلون ذلك ادعوا الله أن ينجز سعيكم ولا تقولوا أنكم تفعلون ذلك وفاء للشهداء، فمازلتم تبحثون، والشهداء لا شأن لهم ببحثكم لأن الشهداء وصلوا فطهروا الشهداء من رثائكم وغثائكم.




باسم زكريا
باحث بمركز المربع للدراسات الإنسانية والاستراتيجية
25/6/2011

هناك تعليق واحد:

  1. جميل يا عم الحاج :)
    انا فى صديق لى اسمه باسم الشاعر ;) . تدوينة جميلة فعلا.
    أحمد أبو بكر

    ردحذف