الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١١

من هي القوى الوطنية بقلم د. المصطفى حجازي

من هى القوى الوطنية؟!


سؤال قديم جديد - ملح فى كل وقت وأكثر إلحاحاً فى لحظات تفاقم أزمات الوطن. يرد هذا السؤال أكثر مايرد -تصريحاً وتلميحاً- فى أدبيات من توصف بقوى المعارضة بعد كل هزيمة تلحق بمستقبل الوطن فى موقعة من مواقع معركته السرمدية من أجل الحرية والعدل والكرامة.


و ينصرف السؤال عادة إلى نوع من الفرز القائم على إقصاء بعض أطراف تلك النخبة الفاعلة فى المجتمع – تحت لواء المعارضة السياسية – لأطراف أخرى منها وتظهر دعاوى التخوين وادعاءات ملكية صكوك الإخلاص والخلاص والوطنية فى هذا الإطار. وينتهي الأمر عادة إلى تصنيفات فاسدة على معايير فاسدة، تكرس الاستقطاب وبأس البين الشديد والفشل وذهاب الريح.

الصادم أن البحث لإجابة هذا السؤال يبدأ بفرضية خاطئة، آن أوان تصويبها، وهى أن النظام السياسي المصري يستقيم فى حقه تصنيفات من نوع حكومة (موالاة) ومعارضة.


وواقع الأمر أن ذلك غير صحيح بالكلية. فالنظام السياسي المصري بكل فاعليه ولاعبيه ومراقبيه ومشاهديه، من الرخاوة والسيولة بمكان بألا يصح فى حقه تصنيفات تصح فى حق نظم مستقرة أو على الأقل شبه متزنة بحد أدنى من الحقوق والواجبات. فالنظام السياسي بل والاجتماعي الاقتصادي كله فى حالة توازن الفوضى أكثر من أى شئ آخر.


وعليه فيلزم بداءة أن نعلم أن البحث عن تعريف من هي القوى الوطنية يتطلب عودة إلى أساسيات إنسانية مرتبطة بتعريفات المجتمعات ومعنى الدولة والتأكد من مدى ثبوت، بل أقول قبول هذه الأفكار فى المجتمع المصري الراهن. فنحن لانستطيع أن نفرز القوى المجتمعية السياسية إلى معسكرى حكم ومعارضة مع التلميح (كما تتصور القوى غير الحاكمة المعارضة ظاهراً) بأن صفة الوطنية -و المعني بها الإخلاص لقضايا الوطن الحقيقية- هي من نصيب نخبة المعسكر غير الحاكم والتي تبدو معارضته لمعسكر الحكم تصريحاً. لانستطيع أن نقوم بهذا الفرز بين جماعة واحدة متسقة تماماً فى معظمها مع مبدأ أساسي يحكم جل أفرادها وهو التوافق على غياب فكرة المجتمع ومعنى الدولة عملياً عن كل أساس فكري أو تطبيقي تعلَمُوه أو اعتنقوه أو مارسوه.

فعند البحث عن تعريف للقوى الوطنية وتحديد من يمثلها من فاعلي الساحة السياسية المصرية بل ومراقبيها، نجد أن ما يصح فى حق ما يسمى"النظام الحاكم" يصح فى حق ما يسمى "النخبة المعارضة" مع غياب تفصيلة واحدة وهي غياب سطوة الحكم عن أفراد النخبة المعارضة.


أما درجة الإيمان بفكرة المجتمع والدولة بداية من وجود مشروع جامع متوافق عليه وغياب الشخصنة والقبول بالآخر، بغية العيش المجتمعى فى ظل دولة. "فالجميع، مع بعض التخصيص، متطابقون، متوائمون مع ثقافة المماليك والإقطاعيات أكثر من التواؤم مع ثقافة الدولة الراعية التى تحكم الجميع".

إذاً واقع الحال والتعريف العلمي يسوقانا إلى أن القوى الوطنية المصرية ،

  • أولاً: لا يكون البحث عنها في إطار الفاعلين السياسيين ولكن يكون البحث الأدق والأولى فى المجتمع المصري على سعته.
  • ثانياً: تكون القوى الوطنية- الواجب البحث عنها فى رحم المجتمع المصري الأخصب وليس فى رحم القوى السياسية العقيم- هي كل من يصح فى حقه – اعتناقاً و ممارسةً– فكرة المجتمع ومعنى الدولة المقدمة على كل ما هو شخصي، بحيث لا تقاس قيمة لأي ما هو شخصى إلا فى سياق ما هو فى إطار المصلحة الأولى والأعلى للمجتمع والدولة. ولا يكون معيار إنكار الذات هو درجة اللد فى الخصام مع معسكر الحكم ومقدار الأذى اللاحق بصاحبه جراء ذلك الخصام والتماهي فى حالة التضحية المُدَّعاة بين فريقين، مقصد تخاصمهم هو الانتصار لذواتهم أو لأيديولجياتهم على حساب معنى الدولة والمجتمع.
  • ثالثاً: فيكون تعريف كل ماهو مجتمعى متعد للشخصنة هو المتوافق عليه مع الإقرار بقبول الآخر والتنازل المشترك من أجل التعايش المشترك.

"وعليه فإن القوى الوطنية التى تستحقها مصرنا، هي ليست الأكثر إلحاحاً على الصدامات الرمزية بل هي التى تمتلك أهلية قيادة المجتمع نحو ممارسة ملكيته لوطنه من خلال منح شرعية الحكم أو منعها".

وتكون شواهد هذه الأهلية هي كفاءة استجلاء الهدف الجامع والمشروع الجامع للأمة في كل مراحله ثم كفاءة الدفع نحو هذا الهدف تخطيطاً، وتواصلاً وتحقيقاً للتوافق. وأن تلزم نفسها والمجتمع – قناعة – بمعيار قياس وحيد وهو ذلك الهدف الجامع المحقق لحقيقة معنى الدولة الراعية المهيمنة، فيصير الاختلاف الأيديولجى تنوعا يثري القوة ولايغري بالعصبية وتصير خلافات هذه القوى الوطنية التى نحن بصدد تعريفها (إن حدثت تلك الخلافات) خلافات تجويد لا خلافات تجميد.


ومع انسداد الأفق الديمقراطي السلمي للإصلاح السياسي كأحد مداخل الإصلاح الاجتماعي الاقتصادى والإصرار على دفع الأمور إلى غير ذلك من طرف لاعبي السياسة على ضفة الحكم مع إصرار لاعبي السياسة على الضفة الأخرى على إحالة الأمر إلى رمزية صدام وصراع إعلامي فالأمانة تلزمنا بأن نمعن البحث عن تلك القوى الوطنية على مدى ليس بقصير وفي دوائر الشباب الناضج فى هذا الوطن. ولا يقتصر تعريف الشباب على مرحلية عمرية صغيرة فكم من شباب فى مقتبل العمر اكتهل بل شاخ بفقدانه القدرة على الحلم والأمل وتلوث نضجه بأمراض من سبقوه من شخصنة وانغلاق فى أيديولوجيته وتقديمها دوماً عن فكرة المجتمع حتى صارت عصبية مقدمة عن معنى الوطن.


وأخيراً يلزمنا أن نؤكد أنه لم يبق للاعبي السياسة على ضفتي النظام (حكومة ومعارضة) من سبيل لنيل شرف تعريف القوى الوطنية المستحقة لمصر إلا أن تؤسس الطريق للقوى الوطنية القادمة أو تفسحه. وإن كان لها أن تؤسس رصيد من مصداقية قادمة لدى الشارع مع إصرار على البقاء فى مكانها داخل لعبة السياسة فإن الحلول المطلوبة والحالة صارت شديدة الراديكالية لأهل ضفتي النظام، فأهل الحكم سيصيرون أقرب إلى التنازل القسري عن مواقعهم أمام خطوات صادقة من أهل ضفة المعارضة تتجاوز الاحتجاجات الرمزية إلى مابعدها... وهو شديد القسوة.





د. المصطفى حجازي

مفكر مصري

ديسمبر 2010


صفحة د. حجازي على الفايس بووك

http://www.facebook.com/Dr.Higazy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق