الأحد، ١٢ فبراير ٢٠١٢

محاولة للفهم .. من نقاش مع باسم فتحي

لسبب ما لا أفهمه، ورغم اختلافنا الفكري العميق، أعدّ باسم فتحي أكثر من مجرد صديق، ربما لأنه أول من قدّمني لوسط العمل السياسي، أو ربما لما رأيت فيه من نقاء ثوري طالما وقف بينه وبين تقدمه في أروقة السياسة .. على أية حال، سأقاوم ميلا في نفسي إلى أن أحول موضوع التدوينة إلى "باسم فتحي"، وسأدخل في الموضوع مباشرة.

هذه التدوينة هي نتاج نقاش بيني وبين باسم فتحي حيث كنا نتجول بين الحواجز الأسمنتية التي عُرفت قديما باسم شوارع وسط البلد. كنا نحاول أن نفهم معطيات الواقع والسيناريوهات المحتملة وسبيل الخروج من المعركة منتصرين أو بأقل الهزائم على أقل تقدير. ولأننا رغم اهتمامنا بالعلوم الاجتماعية، دراسة وتطبيقا، نأتي من خلفية علمية (فلقد تخرج باسم فتحي في كلية العلوم وتخرجت في كلية الهندسة) لذلك كان تناولنا للأمر متقاربا جدا. وما يلي، أهم النقاط التي كانت محورا لذلك النقاش:

لكي ترسم دائرة، فأنت تبدأ من نقطة وتنتهي عندها، فإن بدأت من نقطة ما وحين أردت أن تغلق الدائرة، أخطأت تلك النقطة صارت لديك بداية دائرة أخرى، وهكذا دواليك حتى تكتشف أنك رسمت حلزونا لا دائرة .. وكان هذا حالنا أيضا، فكنا حين نبدأ من "يسقط يسقط حكم العسكر" نفشل في إغلاق الدائرة على تلك النقطة ونجد نفسينا بدأنا في رسم دائرة جديدة (الإخوان/الأمن/المخابرات/أمريكا/الرئيس المحتمل ... إلخ) فصار لدينا مجموعة من الأحداث والمعطيات تلتف وتتشابك حول نفسها. وإن كان ما لزمنا من وقت لتفكيكها نظريا نصف ساعة، فإن تفكيكها على الأرض سيلزمه سنين وسيكون على مراحل متراتبة .. أو كما نقول دائما، معركة تُحسم بالنقاط وليست بالضربة القاضية.

الصراع القائم الآن على ما يبدو، ليس صراعا جديدا بل هو امتداد لصراع قديم دار داخل بنية النظام بين جناح التوريث وجناح العسكر. ومُخطئ من يظن أن التوريث هو مجرد الحفاظ على اسم "مبارك" على رأس جهاز الدولة، فالتوريث كان مشروعا كاملا يهدف إلى إحلال طبقة حاكمة جديدة (رجال الأعمال) محل الطبقة الحاكمة القديمة (العسكر)، ونتصور أن ذلك الصراع "الطبقي" إن جاز التعبير كان هو جوهر الاضطرابات التي كنا نسمع عنها في بنية النظام من وقت لآخر، وربما كان ذلك الصراع هو السبب الرئيسي وراء التحاق الجيش بالثورة، التحاقا كان أشبه بمن يتخذ المدنيين دروعا بشرية في القتال.

حقيقة أن مصر تحت حكم الاستبداد، تبرر بشكل مباشر وجود المؤسسة الأمنية على رأس جهاز الدولة، ولأن العمود الفقري للجهاز الأمني هو المعلومات، فلابد أن نعلم مقدار القوة التي يحوزها جهاز المخابرات العامة في مصر، ومقدار الخيوط التي تتجمع حوله، ومقدار شبكات المصالح التي تتقاطع معه. لذلك فإن قمة الصراع بين العسكر ورجال الأعمال ستتجلى في الصراع على قيادة الهيكل الأمني للبلد، وهذا ما يفسّر الإتيان بمراد موافي من المخابرات الحربية ليكون على رأس المخابرات العامة في محاولة من العسكر للسيطرة على مفاتيح شبكات المصالح في البلد، لكن على ما يبدو، لم تكن تلك الخطوة كافية، فلا يُمكن أن يُتصور أن جهاز المخابرات العامة يتحكّم في اتجاه دفّته شخص ما، فشبكات المصالح المعقّدة التي تمر من خلاله قد تستطيع أن تدير نفسها ذاتيا دون التزام بهيكل إداري ما. وهذا ربما ما قد يفسّر مذبحة بورسعيد التي نستبعد أن يكون المجلس العسكري هو من دبّرها .. (من يعرفنا يعرف بالتأكيد أننا لا نسعى لتبرئة المجلس العسكري فيداه ملطختان بما يكفي من دماء، بل نحاول أن نرى ما وراء الصورة) وهذا أيضا ما قد يفسّر تكرار نفي وزيري داخلية استخدامهم الخرطوش في أحداث شارع محمد محمود الأولى والثانية .. وقد يتبادر للذهن سؤال: لماذا إذن لم يعلنها المجلس العسكري حربا معلنة على فلول النظام السابق وقاد حملة شرسة لتطهير الأجهزة الأمنية وقت أن كان "الجيش والشعب إيد واحدة" مستغلا التأييد الشعبي؟ تصورنا أن ما يجيب عن هذا السؤال حقيقة تورّط المجلس العسكري أيضا، فيبدو أن إصبع كل طرف تحت ضرس الطرف الآخر، فسنين من العِشرة "الطيبة" تكفي لكي يعرف الجميع جرائم الجميع

على ما يبدو، يتحالف الإخوان مع العسكر في حربهم المقدّسة ضد "فلول النظام السابق"، ولا نخوّن الإخوان ولكننا فقط نقول أن حساباتهم تتقاطع مع حسابات العسكر، ونسقهم الفكري المحافظ يكاد يتطابق مع النسق الفكري المحافظ للعسكر، فكما أن الهم الأول للعسكر "أمن البلاد" وليس حرية المواطن. فإن الهم الأول للإخوان "مصلحة الجماعة" وليس حرية الفرد، وحينما نتحدث عن الإخوان فنحن نلحق بهم السلفيين (ونقصد التيار السياسي السلفي لا غيره من التيارات السلفية)

إذن فنحن لدينا الآن عسكر وطرف ثالث (مخابرات + فلول + طرة ... إلخ) إصبع كل منهم تحت ضرس الآخر، وإخوان مسلمين لم يثقوا بأنفسهم ولا بالشعب الذي انتخبهم ليخترقوا تلك الرابطة فاختاروا جانب العسكر. والسؤال الآن: أين أمريكا من كل ذلك؟ أقول أن هذا لا يعنيها، فأمريكا تعلم علما يقينيا لا ظنيا أن العلاقات المصرية الإسرائيلية وإن شابها بعض "التوتر" فهي لن تقل عن حد أدنى ما، يضمنه أن يظل هيكل الاقتصاد المصري كما كان أيام مبارك – ولكن دون فساد – فيظل الاقتصاد المصري رهين البنك الدولي ويظل القرار المصري رهين الإرادة الأمريكية. غير أن ما يهم أمريكا حقا، كما نتصور، أن تحافظ مصر على حد أدنى من الاستقرار يضمن استقرار النظام العالمي الذي لا يتحمل أن تكتمل الثورة في مصر فتحدث اهتزازا ما، يُمكّن المصريين من إعادة بناء دولتهم كما أرادوا

يأمل الإخوان مع العسكر أن يكتبوا الدستور قبل الرئاسة حتى يقلّصوا صلاحيات الرئيس للحد الأدنى، ولكن هذا – وإن حدث – ليس بكافٍ، فمن مصلحتهم أن يأتي رئيس إما متورط بشكل ما يمنعه من اتخاذ مواقف جذرية، أو رئيس متوافق مع ذلك النسق المحافظ. استبعدنا الأولى لأسباب بديهية، ورجّحنا الثانية، وكان الاسم الأقرب من المرشحين المطروحين حتى الآن هو د. محمد سليم العوا، فهو رجل محافظ فكريا، تكشف تصريحاته عن أن الهم الأول له "أمن البلاد" وهو في ذلك قريب من المجلس العسكري ومن الإخوان، وهو رغم أنه إسلامي الفكر، إلا أنه ليس محسوبا على الإخوان ولا السلفيين فلن يسبب لأي منهما حرجا، وسيلجأ إليه السلفيين عملا بقاعدة أخف الضررين، فهاهم بعد أن كانوا يتهمّوه بالتشيّع والجهل ويصلون في بعض الأحيان لتكفيره، ها هم يحتفون به في قنواتهم الفضائية

المخرج من ذلك الموقف كما تصوّرنا هو "أبو الفتوح رئيسا" لأسباب عديدة أهمها

  • لم تثبت عليه حتى الآن شبهة تورّط في تنسيق مع أي من الأطراف السالف ذكرها، فيستطيع أن يكون رأس حربة في معركة التطهير دونما خوف من "ذلة" ما
  • تلتف حوله مجموعات من تيارات مختلفة وليس تيار واحد مما يجعل من العسير تدجينه أو تدجين من معه بالبلدي "مالوش مَلكة، متعرفش تمسكه يعني"
  • هو إسلامي الفكر والهيئة والتاريخ، وهو في ذلك قريب من الشارع الذي انتخب الإسلاميين وسيستمر في ذلك
  • نظن أن القاعدة الشعبية التي يقف عليها الرئيس في مصر ستكون أقوى معنويا وماديا من تلك التي يقف عليها البرلمان، وستكون تلك القاعدة الشعبية هي ما يمكن أن يكون سلاح أبو الفتوح في مواجهة شرعية البرلمان في معركة الدستور سواء تم تأجيل كتابة الدستور حتى رحيل العسكر أم لا
  • إن لم يتمكن أبو الفتوح من الوصول إلى كرسي الرئاسة فسيكون عليه أن يلعب دورا قياديا في المعارضة هو ومجموعته، وربما يؤخر ذلك استكمال الثورة وحلم الاستقلال الوطني لكن سيكون هذا هو الحل الوحيد
  • قد تكون فرص الإخوان أكبر في الفوز في دوائر انتخابات البرلمان الصغيرة نسبيا، لكن في انتخابات الرئاسة تكون الدائرة مصر كلها فستكون قوة الإخوان التصويتية منسوبة إلى القوة التصويتية لمصر كلها، لا لدائرة ما، مما يعطينا فرصة – إن استطعنا تنظيم صفوفنا – أن ندفع بمرشحنا في مقابل مرشحهم

ملحوظة: تتردد الآن أنباء عن استعداد بعض النشطاء الشباب لترشيح أنفسهم للرئاسة، أو عن إعداد بعض قوى اليسار لمرشح رئاسي. وهذا أمر أعترض عليه بشدة لسببين:

  • أولهما: ليست تلك هي دولة الأحلام التي نحب أن نكون على رأسها، مازال علينا الكثير لنقوم به في المساحة المدنية بين صفوف المجتمع
  • ثانيهما: هذه الانتخابات نحن ندخلها بهدف الفوز، لا بهدف التمثيل المشرّف أو بهدف إعلان المواقف المجرّد في الهواء المنفصل عن الشارع. لابد أن ندرك أبعاد الواقع الذي نتعامل معه الآن وأن نعلم أن "شرف المحاولة" قد يكون ترفا لا نطيقه في بعض الأحيان


دعونا ونحن نهتف "يسقط يسقط حكم العسكر" نفكر فيمن لابد أن يسقط بعدهم




باسم زكريا السمرجي
12/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق