الأربعاء، ٨ فبراير ٢٠١٢

إنهم يبتذلون الأشياء

تنويه: ما سيأتي من كلام كتبه رجل غاضب، فإن كنت تنتظر كلاما عقلانيا، موضوعيا، وأفكارا تستحق النقاش فلعلك تحب أن تبحث عن نشاط آخر تشغل به وقتك غير قراءة هذا الكلام

قاعدة: أخطر ما يمكن أن يحدث في مجتمع مهزوم، أن تنمو فيه طبقة ما نموا اقتصاديا يُغنيها عن التفاعل الإنساني مع السواد الأعظم لهذا المجتمع. فمع الوقت يتسبب ذلك الاستغناء المزعوم في الانفصال عن المجتمع، ومحاولة الالتحاق بهوية المنتصر، الذي ما انتصر إلا عليهم، يكون بالضرورة مستعمِر لهم، استعمارا مباشرا أو غير مباشر .. ولأن تلك الطبقة المُستفيدة تمتلك أسباب القوة فهي لن تستسلم للشعور بالغربة، بل ستعمد لما يمكن أن تسميه كذبا وادعا الارتقاء بالمجتمع ليقارب صورة المنتصر، وهو ليس ارتقاء بل مسخ للمجتمع، وسيلتهم فيه ابتذال الأشياء...

  • تُبتذل الغايات وتحتل الوسائل مكانها في الخريطة الإدراكية، فيصير الشال الفلسطيني ليس وسيلة للحفاظ على الهوية بل غاية مظهرية لا يعرف صاحبها عن مغزاها الفلسفي شيئا. وربما سبب حرصه على ارتدائه بشكل منتظم أنه أبيض في أسود ... "فيمشي مع كل الألوان"
  • يُبتذل الشهيد، ويتحول إلى صورة تتدلّى على الجدار يحتسون في ظلالها قهوة الصباح ويتبادلون بعض النكات السخيفة
  • تُبتذل الفوارق بين الجنسين، فبالكاد تستطيع أن تميّز ما إن كان الواقف أمامك ذكرا أم أنثى، فالهيئة تقريبا متشابهة وحتى الصوت أيضا
  • تُبتذل قصص الحب التي لا سحر فيها إلا إن اكتست بالحياء، والتمنّع، والمغامرة، والحِـيَل، والتضحية. وتصبح مجرد علاقة ما بين شاب ما وفتاة ما، لا يهم أي شاب ولا يهم أية فتاة .. فالمهم أن تكون "مِصاحب" أو "مِصاحبة"
  • يُبتذل الجمال .. فكل النساء يشبهن بعضهن البعض بشكل سخيف، وكل الرجال كذلك .. بل كل النساء يشبهن كل الرجال وكل الرجال يشبهوا كل النساء
  • يُبتذل الإنسان، فحتى حينما حاولت أن ألتمس قبسا من حقيقة رأيت ذلك الرجل الذي يلوم الشعب المصري على تكاسله واستسهاله الاعتصامات والإضرابات بحثا عن وظائف حكومية يتقاضون فيها أجورا لا يستحقونها نظير عمل لا يقومون به .. لا تتعجل عزيزي القارئ، فتظن أن قائل هذا الكلام يتصبب عرقا من جرّاء ما يكدح، فحقيقة الأمر أن علاقة هذا الرجل بالعملية الإنتاجية أنه يجلس على كرسيه طوال اليوم ليضغط على زر Enter ويقول "الأوردر" بتاع حضرتك جاهز عند "برينتر ثري"

أسير طوال اليوم تلفح وجهي برودة الجو، وتخترق روحي برودة الحداثة، أشعر وكأنني أسير على الأشواك وفوهات المدافع مصوّبة إلى وجهي .. ولم أصادفني مبتسما إلا ابتسامة وجع وسخرية

  • في طريقي إلى البيت أمر على إحدى الحدائق العامة وقد نُصب بجوارها نصبة "النشان" الشهيرة التي نشاهدها في الموالد، وأجد فتاة وأباها يتنافسان في "التنشين" على "البمب" المرشوق في السلك، فتصيب الفتاة فتقفز فرحا، ويخطيء الأب فتزداد البنت فرحا أن غلبت أباها، ويفرح الأب الذي يبدو أن أقصى ما يمكن أن يوفره من مُتع لابنته الصغيرة هي متعة أن تغلبه في لعبة "النشان". وتقف السيدة صاحبة النصبة تحيي الفتاة المنتصرة على مهارتها لعلّها تغريها بالضغط على أباها لتلعب "دور تاني"
  • أركب المترو المزدحم، فأعيد اكتشاف أن الجسد البشري قادر على التمدد والانكماش حسب الحاجة
  • أصل لمحطة مترو المطرية فيستقبلني نداء باعة الفاكهة "بـتلاتة ونص ويالا علشان نروح"، وأرى ذلك البائع الذي رافقنا في الميدان في الأيام الأولى للثورة
  • في طريقي القصير من المحطة إلى البيت أراجع أن "تاني محل عصير قصب بعد المحطة هو اللي جامد، الأولاني تعبان" .. دائما ما كنت أخلط بينهما
  • أواصل السير فأمر على بعض الشوارع الجانبية وأذكر أن هنا بالتحديد كانت ملاعب الصبا، حيث كانت الكرة "زلطة" وكانت باب الدكّان المغلق هو المرمى .. صحيح أن السيارات المتناثرة على طرفي الشارع قد التهمت منه الكثير لكن تظل الذكرى محلّقة في الجو، ومنطبعة في الظفر المكسور من إصبع القدم.
  • قبل أن أقترب من البيت أذكر ذلك الرجل السلفي، الذي أصيب بإعاقة في الثورة، ولم يسمع به أحد. وكان يقول عن نفسه أنه لا يفهم في السياسة .. حدثتكم قبل ذلك عنه وعن آخرين من حكايات مصر العشة هنا


ثم أصل للبيت وأنا أعلم أن في الوجود متسعا للحقيقة، وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة



باسم زكريا السمرجي

8/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق