الخميس، ٩ فبراير ٢٠١٢

عن الحادي عشر من فبراير .. وحتمية الثورة الاجتماعية

هذه التدوينة إسهاما في يوم التدوين عن العصيان المدني. وهي على ثلاثة أقسام تستطيع أن تتجاوز أيا منها إن أردت. القسم الأول مقدمة نظرية سريعة. القسم الثاني والذي يبدأ بعبارة "كفاية تنظير بقى" به بعض الأفكار العملية. القسم الأخير والذي يبدأ بـ"الخلاصة" .. الخلاصة.

أعيد وأكرر كما كرر كثيرون أن سبب نجاح "الطلعة الأولى" من الثورة كان الحركة العفوية لفئات المجتمع المختلفة التي اتفقت إرادتها – حتى وإن اختلفت دوافعها – على مطلب إسقاط مبارك.

ومع الأسف فإن سرعة إسقاط مبارك خلّفت فراغا مفاجئا في المجال السياسي، فاستعجلت بعض الفصائل التي التحقت بالثورة شغل ذلك الفراغ واستعجل البعض الآخر في منافستها عليه دون التفات إلى وجوب تجذير الثورة في المجتمع وربطها بمطالبه. ويبدو أن عام في الثورة ليس بالقليل حتى نعلم حتمية تجذير الثورة في المجتمع، خاصة بعد أن انفرد فصيل ما بالسلطة السياسية انفرادا يبرر له الالتفات إلى حساباته الشخصية التي يبدو أنها مختلفة بشكل كبير عن حساباتنا نحن. وبالمناسبة، اختلاف الحسابات بين السلطة والشعب أمر حتمي، بغض النظر عن شكل السلطة، فالسياسة لن تتوقف عن خذلاننا إن تُركت لمحترفيها دون رقابة

ويوم الحادي عشر من فبراير بالنسبة لي ليس إلا بداية لمسار طويل من الثورة الاجتماعية الذي لن ينتهي بتسليم السلطة للمدنيين بالمناسبة، بل سيستمر بعد ذلك في الضغط على أي سلطة تأتي في المستقبل مدنية أم عسكرية، إسلامية أم علمانية، ليبرالية أم اشتراكية.

حين نفكر في الثورة الاجتماعية، فأرجو أن يكون واضحا ألا أحد الآن يفكر في إقامة تنظيم هرمي شمولي يقود تلك الثورة الاجتماعية، بل إن فلسفة الثورة الاجتماعية يجب أن ترتكز بالأساس على تمكن فئات المجتمع المختلفة من ممارسة ملكيتها للوطن، لذلك فإن القيادة يجب أن تكون ذاتية، وكذلك الآليات، ويرتكز بالأساس مجهود النشطاء على التشبيك بين البؤر الثورية المختلفة في نفس الفئة أو عبر الفئات، أي التشبيك بين الطلاب وبعضهم وبين العمال وبعضهم وبين الطلاب والعمال على سبيل المثال، حتى تكون الحركة معبّرة تعبيرا حقيقيا عن المجتمع تكتسب من قواعده قوة دفعها في مواجهة السلطة التي أعود وأكرر أنها أي سلطة حالية أو قادمة.

كفاية تنظير بقى ...

أولا: يجب أن نعلم أن الثورة أكبر منّا جميعا، فلا أحد لديه المفتاح السحري لإنجاحها ولا أحد لديه القدرة على إخمادها عن عمد فضلا عن أن يكون عن غير ذلك، فعلينا جميعا أن نُحاول وأن نسعى، وطالما تحرّينا الإخلاص فالتوفيق قرينه

ثانيا: لا أحد يدري هل سننجح في يوم الحادي عشر من فبراير أم لا، وكنا من قبل لا ندري هل سننجح يوم الخامس والعشرين من يناير أم لا، السبيل الوحيد للتأكد هو ثقتنا في أنفسنا التي ستدفعنا إلى التجربة والتعلم وتصحيح المسار متى توجّب ذلك

ثالثا: نركّز كثيرا على المطالب السياسية ونظن أن فيها الحل لكل مشكلاتنا. وأؤكد أن هذا ليس صحيحا فقناعتي، أن كل فصيل سياسي له حساباته التي لا تتفق بالضرورة مع حسابات المجتمع، حتى وإن اختارهم المجتمع من بين اختيارات محدودة مفروضة عليه مسبقا في لحظة ما. لذلك يجب علينا ربط المطلب السياسي الرئيسي "تسليم السلطة، وكتابة الدستور بعيدا عن سلطة العسكر" بالمطالب الاجتماعية المختلفة مثل "الحد الأدنى والأقصى للأجور، استرداد أموال النظام السابق من الخارج، تطهير الداخلية وإعادة الأمن...إلخ" ويجب التأكيد أن تلك المطالب الاجتماعية لن تتحقق إلا بتحقيق المطلب السياسي الرئيسي، كما يجب التأكيد على أن تحقيق المطلب السياسي ليس كافيا أيضا ... ثورة كاملة يا إما بلاش بقى عايزين نشوف أكل عيشنا J !

رابعا: المُنتظر من يوم الحادي عشر من فبراير، تأسيس ملامح لحركة اجتماعية قوامها الطلبة والعمال، وأخص بالذكر طلبة الجامعات الحكومية وعمال القطاع العام خصًّا دون قصر. ولا أعني بذلك أن نقيم مؤتمر تأسيس ائتلاف الطلبة والعمال بالطبع، بل أعني أن نشهد توافقا حركيا بين هذين الفصيلين تتأسس عليه فيما بعد استراتيجية حركية طويلة المدى، ذاتية القيادة، ذاتية التطوير والتفعيل

خامسا: أنتظر أيضا من يوم الحادي عشر من فبراير، أن يبدأ المجتمع المصري في كسر الحاجز النفسي بينه وبين كلمة الإضراب أو كلمة العصيان المدني بتوجيه رسالة إعلامية منضبطة في غير تخاذل، مُحفزة في غير استفزاز

سادسا: بعد الحادي عشر من فبراير، لدينا الواحد والعشرين من فبراير (يوم الطلبة العالمي)، والتاسع من مارس (حركة أساتذة الجامعة)، وأيضا الواحد والعشرين من مارس (عيد الأم الذي سيكون عيد أم الشهيد)، والأول من مايو (عيد العمال) .. كلها تواريخ يجب أن تشهد فعاليات اجتماعية مختلفة

الخلاصة:

  • صار احتياجنا لحركة ثورية اجتماعية ضرورة حتمية، للضغط على السلطة السياسية العسكرية أو المدنية المُحتملة فأزمتنا ليست مع من في السلطة، بل مع السلطة ذاتها التي دائما ما ستقدم حساباتها على مصالح المجتمع إن تُركت دون رقابة

  • الحركة الثورية الاجتماعية ليست حزبا أو حركة هرمية شمولية، بل هي تشبيك وتنسيق بين البؤر الثورية في الفئات الاجتماعية المختلفة، بالأساس بين الطلبة وبعضهم والعمال وبعضهم، وبين الطلبة والعمال. بهدف تأسيس حركة اجتماعية ذاتية القيادة ذاتية التطوير

  • يوم الحادي عشر من فبراير ليس نهاية الثورة بل هو بداية تأسيس تلك الحركة الاجتماعية وأنتظر منه، توافقا بين الطلبة والعمل يتأسس عليه استراتيجية حركية طويلة المدى، كما أنتظر من ذلك اليوم رسالة إعلامية لعموم الشعب المصري لا تنافقه ولا تستفزّه، تزيل الحاجز النفسي بينه وبين كلمات كالإضراب وكالعصيان المدني، وتربط له المطالب السياسية المجرّدة بالمطالب الاجتماعية الملموسة

  • أيام كثيرة بعد الحادي عشر من فبراير لها ارتباط بالطلبة والعمال، تحتاج أن نشغلها بفعاليات ثورية مختلفة


كلمة أخيرة: لدينا الكثير من حكايات الصمود في الثورة .. نحتاج بعضا من حكايات الانتصار


باسم زكريا السمرجي
9/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق