الأحد، ٢٥ يوليو ٢٠١٠

التعذيب جريمة نظام

قـُـتل خالد سعيد أو عُذب حتى الموت فلم أر جديدا يستدعي أن أكتب عن الحادث فلم أكن لأضيف جديدا عم سوف يُـكتب غير أني منذ بضعة أيام كنت أسير في الشارع ورأيت المشهد الآتي. أحد الشباب "الفتوات" يقبض على آخرٍ تظهر عليه أمارات الضعف والاستكانة والتسليم لم يكيله له الأول من الصفعات واحدة تلو الأخرى ويحذره أن يراه "يعملها تاني" ولم أكن أدري ما كنه تلك "العَملة" التي كان يحذره منها حتى علمت بعد ذلك أن هذا الذي تظهر عليه أمارات الضعف والاستكانة والتسليم ما هو إلا سارق أوقعه حظه العاثر في يد ذلك الشاب الفتوة الذي كال له الصفعات عقابا له على فعلته ثم تركه يرحل لحال سبيله فهو بالتالي شاب "شهم" بمقاييس المجتمع. حرك هذا المشهد هاجسا بداخلي وهو ماذا إن كان ذلك الشاب الفتوة مكان المخبرين؟ أغلب الظن أنه كان سيقوم بم فعله المخبران تماما.

وهنا بدأت أنظر للمخبرين نظرة مختلفة. إن هذين المخبرين ليسا من طبقة غير الطبقة التي ينتمي لها عموم الشعب المصري فلا أظنهما انهالا على خالد بالضرب ثم ذهبا ليحزما حقائبهما كي يلحقا بالطائرة المتوجهة إلى نيس لقضاء الصيف ، ولا أظنهما حين عذباه كانا يدافعان عن امتيازات مادية من تطلعات خالد وأمثاله من عوام الشعب المصري. بل أظنهما من الطبقات الكادحة التي تجاهد أمواج الظروف حتى تتعلق بقشة الحياة – الغير الكريمة غالبا – إذن من المعقول جدا أن يقف المخبران في صف خالد وصف جموع الشعب في مواجهة نظام اضطهدهما مثلهما مثل غيرهما من جموع الشعب. ولكن الحقيقة أنهما لم يقفا في صف ضد صف بل إن ما فعلاه هو جزء من الممارسات التي يقوم بها الشعب فيما بينه وبين نفسه فعلى سبيل المثال موظف الحي أوموظف المرور الذي "يلطعك" أمامه حتى ينتهي من كوب الشاي مثلا، إنما يمارس عليك ما تيسر له من وسائل التعذيب و إثبات السيطرة وإساءة استخدام السلطة. هما مجرمان ويستحقان العقاب طبقا للمعطيات المتاحة لنا – وأرجو أن يكون هذا الحكم هو ما ستسفر عنه القضية – لكن بتحليل الموقف لاستخراج العبر بشكل أعمق يتخطى حدود الموقف الظاهر أمامنا ، نجد أنا ما فعلاه هو انعكاس لحالة غريبة من السادية والعنف و عدم احترام قيمة الإنسان سادت في المجتمع المصري ويكفي أن تعرف بعضا من أحداث المشاجرات التي تحدث في الأحياء الشعبية والعشوائيات لتتأكد من ذلك. وجدير بالذكر هنا أن كل ذلك غريب على الشعب المصري الذي كان دائما ما يوصف بالوداعة والطيبة والتسامح البالغين.

من الممكن أن ندور في دائرة مفرغة و أن نتحدث كثيرا عن علاقة السبب بالنتيجة بين السادية التي تفشت في المجتمع المصري وبين سادية الداخلية ولكن في رأيي أن النظرة الأعمق والأشمل لا بد أن تقودنا إلى اتهام نظام الاستبداد بالمسؤولية عن تلك المنظومة. فنظام يسلب الشعب حقه في الاختيار وحقه في الحياة الكريمة ويستولي على جميع السلطات هو نظام جدير بإدارة غابة يتحول فيها الإنسان إلى حيوان يستخلص لنفسه حقوقا متوهمة اعتمادا على مدى قوته الشخصية والعضلية فبين الموظف الذي يستمد قوته من تملكه قضاء حوائج الناس والمخبر الذي قوته في انتمائه للنظام والفتوة الذي يعتمد على قوته العضلية وربما سمعة عائلته العتيدة في الإجرام تاهت قيمة احترام الإنسانية في المجتمع المصري وهذا للأسف ما وصل إليه المصريون .


باسم زكريا السمرجي
6/7/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق