الأحد، ٢٥ يوليو ٢٠١٠

لعنة الفراعنة

إن فهم الحضارات الإنسانية أمر معقد للغاية. فالعوامل التي تؤثر في تلك الحضارات وتتأثر بها متعددة ومتشابكة إلى حد بعيد ، ومن الخلل تسطيح تلك العوامل باستخدام نموذج اختزالي في التفكير لنصل في النهاية إلى حقائق مجتزأة تودي بنا إلى أحد النقيضين ، إما تطرف شوفيني أو عدائي لهذي الحضارة أو تلك. والتطرفان على ما بينهما من تناقض وجهان لعملة واحدة بغيضة هي العنصرية التي تـُـفرِّغ الإنسانية من مضمونها.

وجدير بالذكر هنا أن من أسباب النزعات العنصرية – في رأيي – الضعف والهوان الذي قد يصيب أمة ما – استجابة لسنة تداول الأيام – فلا يجد أبناء هذه الأمة – امتدادا لحالة الخلل التي يعيشونها – إلا الشوفينية طريقا سهلا لإثبات تفوقهم الحتمى المـُـتوهم و لإسقاط تهمة التقصيرعن أنفسهم واتهام الأيام بالظلم ، وهم في سبيلهم لإثبات ذلك ينظرون لتاريخهم نظرة انتقائية تجعلهم يستدعون فقط ما يعضد تلك الأوهام.

إن ما يعنيني هنا هو النظر إلى النعرة العنصرية المصرية التي تنامت كثيرا الفترات الأخيرة والتي كانت قد زُرعت بذورها في فترة السبعينات التي تبنت فيها الأنظمة الرسمية للدولة مشروعا انفصاليا عن النسيج العربي الذي كانت مصر تمثل عروته الوثقى وحبله المتين. ولكي يتم استئصال الشعور القومي العربي نُبشت قبور الفراعنة واستـُـنهضت القومية المصرية الفرعونية.

ولأنني مؤمن أن الفضيلة وسط بين رذيلتين كما قال أرسطو فأنا أكره التطرف أي كان ولإيماني العميق بأن الله خلق البشر سواسية في الحقوق والواجبات فأنا أمقت العنصرية أيما مقت ولهذا أسعى للنظر إلى تاريخ الفراعنة من زاوية أخرى لم يعلمونا إياها في المدارس.

إن الحضارة الفرعونية لم تكن وحيدة كبقعة ضوء في عالم مظلم فلقد تزامنت معها حضارات زراعية أخرى نشأت حول الأنهار في العراق وفي آسيا وفي المكسيك أيضا. وليس مؤكدا أن الإنسان المصري هو الذي علم العالم الزراعة وإنما الزراعة هي اكتشاف شعوبي استدعته الحاجة وقادت إليه الصدفة. فمن اكتشف الزراعة – في رأيي – كمن يَعلق في زحام شارع رئيسي فيكتشف طريقا جانبية ثم ياتي أحد آخر ويكتشف نفس الطريق وهكذا. وكون أحد المارة كتب على إحدى الحوائط اسمه لا يعني بالضرورة كونه أول المارين بهذه الطريق.

إن مما لا شك فيه أن الحضارة الفرعونية حضارة عريقة أسهمت في البشرية إسهاما كبيرا ولكنها – ربما كسمة طبيعية لتلك الحضارات الموغلة في القدملم تتمتع بالمرونة التي تجعلها تتفاعل مع الحضارات التي تراكمت عليها فكانت النتيجة الحتمية أن أثرت فيها تلك الحضارات تأثيرا طمس شخصية الحضارة الفرعونية ولم يبق منها إلا بعض العادات والتقاليد المجردة من الانتماء لحضارة بعينها ، ولكنها ذهبت بلغتها وطمست دياناتها و قبرت نظام حكمها – ربما ليس بشكل كامل – كما أن تعاقب الأجناس واختلاطها أيضا ربما يكون أخفى نسل الفراعنة تماما. فمن العبث – في رأيي – أن نتحدث عن هوية فرعونية لمصر.

ولعل ما يثير السخرية ما تعلمناه عن الدين عند الفراعنة. فأنا أذكر – أثناء دراستي للتاريخ في المرحلة الإعدادية – انبهاري بإيمان الفراعنة بالحساب والحياة الآخرة ، و أذكر أيضا ما كانت تقوله لنا المعلمة "دول كان عندهم دين أكتر مننا" وحينما نسأل عن تعدد الآلهة عندهم ببعض الريبة تأتي الإجابة الجاهزة – التي لا أدري أي عبقري اخترعها و أي عبقري صدقها – بأنهم لم يكن عندهم أنبياء. هكذا بمنتهى البساطة ، وكأن الله عز وجل نسى أمة كاملة عاشت أربعة آلاف عاما قبل الميلاد. على الأقل نحن جميعا نعرف أن النبي يوسف والنبي موسى – عليهما السلام – عاشا في مصر الفرعونية ، فلماذا لم تذكرهما الحضارة الفرعونية القديمة؟ ومحاولة أخرى عابثة تخبرنا أن إخناتون هو أول من اكتشف التوحيد فبدلا من عبادة الشمس والقمر والعجل والنيل والجعران .... إلخ اختار الشمس معبودا وحيدا وسموا هذا توحيدا بالإضافة إلى أنه بالقطع ليس أول من نادى بالتوحيد. ومؤخرا أيضا علمت – ولست متأكدا – أن الحساب والحياة الآخرة لم تكن أصلا حقا لعامة الشعب بل كانت حكرا على طبقة الحكام أما عامة الشعب فكانوا يموتون كالحيوانات (حتى في الحياة الآخرة يا فراعنة؟؟؟؟)

لا أدري لماذا لم نفترض زيف الحضارة الفرعونية ولو على سبيل التخيل. إن الآثار الفرعونية التي تركوها "هم" عن أنفسهم هي مصدر المعلومات الوحيد المتوفر لنا. أفـْهم أنهم لم يكونوا لينقلوا لنا إلا ما يدل على عظمتهم ويُسقطون ما يدينهم. ولكن ليس مفهوما على الإطلاق أن نظل نحن أسراء للجزء الذي كشفوا عنه من الحقيقة ولا نسعى لرؤية الحقيقة كاملة. أخشى أن يكون السبب هو إحساسنا بالدونية وسعينا للتعلق "بقشاية" تثبت حقنا في الحياة.


باسم زكريا السمرجي
20/7/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق