الجمعة، ٦ يناير ٢٠١٢

هكذا تحدث سليمان خاطر


" أمال انتم قلتم ممنوع ليه..قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم" لم تكن تلك مجرد كلمة رمى بها لسان سليمان خاطر في وجه المحقق، بل كانت صفعة أطلقتها فطرة الإنسان على وجه المؤسسة الصفيق. المؤسسة التي ادّعت أنها تدافع عن حدود الوطن، وحين أدى أحد أفرادها واجبه حاكمته وكأنه خرج عن قوانينها. يبدو أن سليمان خاطر كان له من بساطة الفطرة عمقها، فلقد أدرك بفطرته من عدوه، وكفته فطرته أن يعود لرؤسائه كي يتلقى منهم التعليمات فكان ما كان.

لم ير سليمان خاطر أنه يحتاج أن يعود لرؤسائه ليأخذ الإذن في الدفاع عن أمه، أمه التي أوكلت له حماية "أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها" في نقطة حدودية ما، فأطلق الرصاص على الصهاينة الذين عبروا الحدود متجاهلين تحذيره لهم بالإنجليزية "ستوب نوباسينج"، كان إطلاق الرصاص بعد تجاهل التحذير هو المبرر الوحيد لوجوده على تلك النقطة الحدودية وإلا "يبقى خلاص نسيب الحدود فاضية".

لسليمان خاطر رقعة من الأرض اسمها مصر اتخذها وطنا، وسلاح تسلّمه وكفى .. فكانت إجابته على سؤال المحقق عن سر حرصه على تعمير سلاحه ببساطة هي "لأن اللي يحب سلاحه يحب وطنه ودي حاجة معروفة واللي يهمل سلاحه يهمل وطنه" وكانت إجابته عن سر حفظه رقم سلاحه ببساطة أيضا هي "لأني بحبه زى كلمة مصر تمام" ... فطوبى للبسطاء

لم يكفر سليمان خاطر بمصر ولم يتهمها بالظلم ولا بالتنكّر لأولادها فلقد كتب في رسالة له من السجن أنه عندما سأله أحد السجناء "بتفكر في إيه"؟ قال "أفكر في مصر أمي، أتصور أنها امرأة طيبة مثل أمي تتعب وتعمل مثلها، وأقولها يا أمي أنا واحد من أبنائك المخلصين.. من ترابك.. ودمي من نيلك. وحين أبكي أتصورها تجلس بجانبي مثل أمي في البيت في كل إجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون، وتقول: لا تبكي يا سليمان، أنت فعلت كل ما كنت أنتظره منك يا بني" كانت فطرة سليمان خاطر حائلا بين إدراكه وبين التصور الفاسد أن الوطن حلّ في المؤسسة، وأن ذروة الوطنية هي عبادة المؤسسة وأن مصلحة الوطن هي بالضرورة مصلحة المؤسسة. علم سليمان خاطر بفطرته أن المؤسسة لا تعبر إلا عن مصالح المتحكمين فيها وأنهم هم الذين يضعون قوانينها وهم الذين يغيرونها، وأن المؤسسة لا إرادة لها غير إرادة هؤلاء المتحكمين فيها، وهؤلاء هم من حاكموه، وهم من ضاقوا بشجاعته وقمعوا انتشارها الذي كان من شأنه أن يهدد مصالحهم مع "العدو"، وهؤلاء ليسوا مصر، فمصر هي سلاحه وهي أمه .. وهي روحه، لذلك كان تعقيبه على الحكم الذي صدر ضده بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما "إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأني جندي مصري أدى واجبه" ثم التفت إلى الجنود الذين يحرسونه قائلاً "روحوا واحرسوا سينا.. سليمان مش عايز حراسة".

بعد أقل من عام على إصدار الحكم، أعلنوا عن "انتحار" سليمان خاطر ورموه بالجنون .. فكان هو أول "المختلين" في عهد مبارك. وربما ذلك "الخلل" هو الذي دفعه أن يقول في المحكمة قبل النطق بالحكم "أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه.. إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم"

هكذا تحدث سليمان خاطر، الفلاح المصري البسيط، بينما نشهد من يطأطؤون الرأس خجلا من أن أغلب شعب مصر من البسطاء! هكذا تحدث سليمان خاطر، بطل من لحم ودم .. وروح. سليمان خاطر هو البطل الذي سأحكي لأولادي قصته بدلا من قصص أبطال الورق التي تربينا عليها، لا تقف حدود بطولته عند أداء واجبه تجاه الوطن، بل إن بطولته الحقيقية في بساطة فطرته .. في إنسانيته



باسم زكريا السمرجي
6/1/2012

****************************************************************************************************

للمزيد:

صفحة سليمان خاطر على ويكيبديا

http://ar.wikipedia.org/wiki/سليمان_خاطر

صفحة أيمن حسن على ويكيبديا

http://ar.wikipedia.org/wiki/أيمن_حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق